خطبة بعنـــــوان
:
الإســـــلام والعلـــــم
للشيخ / محمد حســـن داود
الإســـــلام والعلـــــم
للشيخ / محمد حســـن داود
العناصــــر :
مكانة العلم ودرجته في الإسلام .
اهتمام الإسلام بالعلم .
فضل العلم والعلماء .
اثر العلم على الفرد والمجتمع .
مكانة العلم ودرجته في الإسلام .
اهتمام الإسلام بالعلم .
فضل العلم والعلماء .
اثر العلم على الفرد والمجتمع .
الموضــوع : الحمد لله رب
العالمين، القائل في كتابه العزيز( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)المجادلة11) وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل
في حديثه الشريف " منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه
طَريقًا إِلَى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ
رِضًا بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ
فِي الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم عَلَى الْعابِدِ كَفَضْلِ
الْقَمر عَلى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ
الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ،
فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ" رواهُ أَبُو داود والترمذيُّ) اللهم صل
وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد اهتم الإسلام بالعلم اهتماما بالغا، فهو من المصالح الضرورية والحاجات
الملحة التي عليها تقوم حياة الأمة، وبه يستقيم حالها، ويصلح أمرها ويقوى شانها، وتبنى
حضارتها ،وان شئت فقل ان حاجة الأمم إلى العلم لا تقل شأنا عن حاجتها إلى الطعام والشراب
والملبس والمسكن ، ومن ثم فليس عجبا أن تكون أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه
وسلم تدعو إلى العلم والمعرفة، وتهتم بوسائله وأدواته، قال تعالى ( اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) القلم1-4) كما سمى المولى جل
وعلا سورة كاملة باسم القلم، واستهلها المولى جل وعلا بقوله (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
) القلم1) كما ذكر لفظ " العلم " بمشتقاته في القران الكريم أكثر من سبعمائة
وستين مرة" وفى هذا إشارة عظيمة إلى مكانة العلم ودرجته.
ولأهمية العلم ومكانته وفضله كان من تكريم الله لأنبيائه ورسله، فهذا
خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يقول لأبيه ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ
الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا) مريم 43) وهذا
يوسف الصديق عليه السلام يقول لصاحبيه ( ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) يوسف
37) وهذان نبيا الله، داود وسليمان عليهما السلام، يقول عنهما ربنا جل وعلا (وَلَقَدْ
آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا
عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ)النمل 15) وفي معرض المن بالفضل على سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم يقول جل وعلا ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾
(النساء من الآية 113)، وعن بعثته صلى الله عليه وسلم يقول المولى جل وعلا (هُوَ الَّذِي
بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُّبِينٍ )الجمعة2) وما زال الإسلام يؤكد على العلم والتعلم حتى انك لن تجد أن الله
تعالى أمر بالاستزادة من شيء كما أمر بالاستزادة من العلم؛ قال تعالى (وَقُل رَّبِّ
زِدْنِي عِلْماً ) طه114) حتى في حالة الحرب لم يهمل الإسلام العلم، فقد قال تعالى
(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ
مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )التوبة122) لهذا وغيره، قال الإمام
الشافعي رضي الله عنه " إِنَّ الاِشْتِغالَ بِطَلَبِ العِلْمِ أَفْضَلُ ما تُنْفَقُ
فِيهِ نَفائِسُ الأَوْقاتِ ". أفضل من نوافل العبادات البدنية لأن نفع العلم يعم
صاحبه والناس وأما النوافل البدنية فمقصورة على صاحبها، ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات
فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه ولا يتوقف العلم عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم
الصلاة وأتم التسليم وليس ذلك للمتعبدين غير العلماء، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت
صاحبه، ولان العلم فيه حياة المجتمعات وتقدمها ورقيها، لهذا ولغيره الكثير، قالَ النبي
صلى الله عليه وسلم، لِأَبِي ذَرٍّ فِيما رَواهُ ابْنُ ماجَه" يَا أَبَا ذَرٍّ
لأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ العِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ
أَلْفَ رَكْعَةٍ " ( أَيْ مِنَ النَّوافِل).
فمن ينظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد مدى اهتمامه بالتعليم
ودعوته إليه، ففي بدر جعل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون القراءة والكتابة، أن
يعلم عشرة من أبناء الأنصار, فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَسْرَى
يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ " فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الْأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ"
رواه احمد) كما كان صلى الله عليه وسلم يعطي الكبار نصيبهم من التعليم، فقد حَدَّثَ
صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ الْمُرَادِيُّ ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَّكِئٌ عَلَى بُرْدٍ لَهُ أَحْمَرَ،
فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنِّي جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ ، فَقَالَ
: مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ". كما كان صلى الله عليه وسلم يخصص للنساء مجالس
للعلم، فعن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ
، فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا ، نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ
اللَّهُ ، فَقَالَ : اجْتَمِعْنَ فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا
، فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُنَّ
مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ، "رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
إن للعلم منزلة عالية رفيعة ويكفي على ذلك دليلا أن من لا يحسنه يفرح
به إذا نسب إليه، يقول الإمام على ابن أبى طالب رضي الله عنه " كَفَى بِالْعِلْمِ
شَرَفًا أَنْ يَدَّعِيَهِ مَنْ لا يُحْسِنُهُ، وَيَفْرَحُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْه، وَكَفَى
بِالْجَهْلِ ذَمًّا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ " ولقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم " لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ
مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ
فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا" متفق عليه) فالعلم اغلي وأطيب ما يجمعه
الإنسان؛ ولهذا قال الإمام على ابن أبى طالب رضي الله عنه " العلم خيرٌ من المال؛
العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم حاكم والمال محكوم ، والمال تنقصه النفقة والعلم
يزكو بالإنفاق" وعن عبيد الله بن كثير يروي عن أبيه أنه قال " ميراث العلم
خير من ميراث الذهب والفضة والنفس الصالحة خير من اللؤلؤ ولا يستطاع العلم براحة الجسم
" وما زال القران الكريم، يؤكد على مكانة العلم حتى عبر عنه بالسلطان، فقال تعالى
(الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا
عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا )غافر35) وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ
يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ
إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ )غافر56) والعلم ميراث النبوة؛ ففي الحديث
" وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ
يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ
أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ مَرَّ
بِسُوقِ الْمَدِينَةِ، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا
أَعْجَزَكُمْ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا: هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَا هُنَا لا تَذْهَبُونَ
فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟ قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ.
فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا،
فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ،
فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ:
أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ،
وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلالَ وَالْحَرَامَ،
فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صلى الله
عليه وسلم" رواه الطبراني في الأوسط) وان كان في الحديث أن الدنيا ملعونة فلقد
استثنى المصطفى صلى الله عليه وسلم من ذلك ذكر الله وما كان منه و من انتسب لشرف العلم
عالما كان أو متعلما، فعن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، وَهُوَ يَقُولُ " الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ
مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ ، وَمَا وَالاَهُ ، أَوْ عَالِمًا ، أَوْ مُتَعَلِّمًا
" .
إن للعلم أثرا طيبا على الفرد والمجتمع؛ فبه تتفاضل الناس، كما تتفاضل
به الأمم؛ فقد قال تعالى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ
يَعْلَمُونَ ) سورة الزمر9) قال عبد الملك بن مروان لبنيه: "يا بَنيَّ, تعلَّمُوا
العلم؛ فإن كنتم سادةً فُقْتُمْ، وإن كنتم وسَطاً سُدْتُم، وإنْ كُنتُم سُوقَةً عِشتُم".
ولله در القائل :
العلم
يرفع بيوتا لا عماد لها *** والجعل يهدم بيوت العز والكرم
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ
بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا
وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ
ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا
لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى( إِذَا جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ وَالفَتْحُ)النصر1) ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ
وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا، وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ
يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لاَ،
قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: "هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ" ، قَالَ: ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ)
النصر1) "وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ" ، (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) النصر3) ، فَقَالَ عُمَرُ: "مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا
مَا تَقُولُ" البخاري) وعن أبي الطفيل: أن نافع بن عبد الحارث أمير مكة خرج واستقبل
عمر بن الخطاب بعسفان، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: استخلفت عليهم
ابن أبزى، فقال عمر: ومن ابن أبزى فقال رجل من موالينا، فقال عمر: استخلفت عليهم مولى؟
فقال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر: أما إن نبيكم قد قال: “إن الله
يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين.
فلقد بين القرآن الكريم مكانة من سلكوا طريق العلم واتخذوه سبيلا، فقال
الله سبحانه وتعالى ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)المجادلة 11) وقال أيضا (قُلْ
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ
أُوْلُو الأَلْبَابِ )الزمر9) كما نزل الله تعالى العلماء بعد ذاته العلية وملائكته
في أعظم شهادة وأقدسها، قال سبحانه ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ
الحَكِيمُ )آل عمران 18) والعلماء هم من فازوا بالخيرية التي حددها النبي - صلى الله
عليه وآله وسلم - في قوله من حديث مُعَاوِيَةَ - رضي الله عنه – "مَنْ يُرِدْ
اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ "رواه البخاري)، فمن سلك طريقا
يبتغى فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم
"مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا
إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ
الْعِلْمِ " كما أن العلماء يستغفر لهم من في السماوات ومن في الأرض فقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ"، كما يظهر لنا الرسول
صلى الله عليه وسلم مقام العالم من العابد فيقول " وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى
الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ" وجاء في الحديث"
وَلَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ "رواه البيهقي
في شعب الإيـمان) فإن الشيطان قادر على أن يزين للعابد الجاهل عملا باطلا فيوقعه فيه
ويضله، وأما العالم الحق يغلب الشيطان بعلمه فيحفظ دينه ودين غيره من الناس ، ومن هذا
كله كان موت العلماء أحب إلى الشيطان من موت العباد، فقد روي عن ابن عباس رضي الله
عنه أنه قال: " إِنَّ الشَّيَاطِينَ قَالُوا لِإِبْلِيسَ: يَا سَيِّدَنَا مَا
لَنَا نَرَاكَ تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَالِمِ مَا لَا تَفْرَحُ بِمَوْتِ الْعَابِدِ؟
فَقَالَ: انْطَلِقُوا فَانْطَلَقُوا إِلَى عَابِدٍ قَائِمٍ يُصَلِّي فَقَالُوا لَهُ:
إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَانْصَرَفَ، فَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ: هَلْ يَقْدِرُ
رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَتَرَوْنَهُ؟
كَفَرَ فِي سَاعَةٍ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى عَالِمٍ فِي حَلْقَةٍ يُضَاحِكُ أَصْحَابَهُ
وَيُحَدِّثُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَسْأَلَكَ، فَقَالَ: سَلْ، فَقَالَ:
هَلْ يَقْدِرُ رَبُّكَ أَنْ يَجْعَلَ الدُّنْيَا فِي جَوْفِ بَيْضَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ
قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَقُولُ لِذَلِكَ إِذَا أَرَادَ: كُنْ فَيَكُونُ، قَالَ إِبْلِيسُ:
أَتَرَوْنَ ذَلِكَ؟ لَا يَعْدُو نَفْسَهُ وَهَذَا-أي العالم- يُفْسِدُ عَلَيَّ عَالَمًا
كَثِيرًا " جامع بيان العلم وفضله )
ومع كون هذه المقارنة عظيمة في حق العلماء، إلا أن هناك مقارنة أعظم ،
ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي أمامة الباهلي
رضي الله عنه قَالَ : ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا : عَابِدٌ وَالْآخَرُ عَالِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي
عَلَى أَدْنَاكُمْ " ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض حَتَّى النَّمْلَةَ
فِي جُحْرِهَا ، وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"
رواه الترمذي وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) فهم صمام أمان للأمة وقد
قال صلى الله عليه وسلم " إن اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزِعُهُ من العبادِ،
ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رُؤوسًا
جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفْتَوا بغيرِ علمٍ، فضلوا وأضلوا"رواه البخاري ) كما أن الناظر في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم
يجد أن اجر العالم لم يقف عند حياته بل يمتد إلى ما بعد موته ، فقد قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم "مَن دَعَا إلى هُدَى كانَ لـَهُ مِنَ الأجْرِ مِثلُ أُجُورِ مَنْ
تبعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أجُورِهِم شَيئْاً" مسلم) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
" إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٌ
جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ"الترمذي وقَالَ
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
مَا
الْفَضْلُ إِلا لأَهْلِ الْعِلْـمِ إِنَّهُــمُ *** عَلَى الْهُدَى لِمَنْ اسْتَهْـدَى
أَدِلاَّءُ
وَقَدْرُ
كُلِّ امرِئٍ مَا كَـانَ يُحْسِنُـهُ *** والْجَاهِلُونَ لأَهْلِ الْعِلْـمِ أَعْـــدَاءُ
فَفُـزْ
بِعِلْمٍ وَلا تَطْلُبْ بِـهِ بَــــــدَلاً *** فَالنَّاسُ مَوْتَى وَأَهْلُ الْعِلْمِ
أَحْيَـاءُ
إن العلم من مقومات الحياة في المجتمع: فلا يمكن أن تبنى حضارة دون أن
يكون أحد أركانها العلم ؛ فبالعلم تتطور الأمم والمجتمعات وتنهض وتتقدم؛ وإن الناظر
في تاريخ الأمم، قديمها وحديثها، يلاحظ أن تحضرها ورقيها كان مرتبطا بالعلم ارتباطا
وثيقا؛ فالعلم ابتكار، وتطوير للصناعة والزراعة والصحة والطب والهندسة وغير ذلك من
المجالات والتخصصات التي يحتاجها المجتمع ، ومن ثم فليعلم كل منا أن طلب العلم لا يقف
عند العلوم الشرعية فحسب بل إن المجتمعات تحتاج إلى كل علم نافع في جميع المجالات التي
فيها مصلحة البشرية، وتيسير أمور حياتها؛ كالطب والهندسة والكيمياء، والرياضيات، والميكانيكا،
وعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، والبناء، والملاحة ...الخ ؛ فها هو صلى الله عليه وسلم
يأمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية لما فيه مصلحة المسلمون ؛ فقد ولى الرسول زيد
أعمال الترجمة والرد على رسائل اليهود ؛ فعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ :
" أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ
لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ
عَلَى كِتَابٍ ، قَالَ : فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ ، حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ
، قَالَ : فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ
، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ " رواه الترمذي ) وحينما
مدح الله تعالي داود وسليمان في القران بالعلم فقال( لَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ
عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ
الْمُؤْمِنِينَ ) النمل 10) لم يقتصر هذا على الدين فحسب ,بل كان منه صناعة الحديد
ومنه منطق الطير كما قال تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ
الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ
هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) النمل16) كما أن قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى
اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر28) جاء في
معرض الحديث عن العلوم الكونية إذ يقول الله جل وعلا (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ
مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ )فاطر 27/28) مما يدل على اهتمام الإسلام ودعوته إلى العلم
النافع في جميع المجالات .
فحرى
بالآباء والأبناء الاهتمام بالعلم فهو سبيل التقدم والرقى، كما ينبغي لطالب العلم
أن يتحلى بالإخلاص في طلبه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا
لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى"
وان يتزين بحسن الخلق، عن ابن وهب قال : سمعت مالكاً يقول : ( إنَّ
حقَّاً على من طلب العلم أن يكون له وقارٌ وسكينة وخشية ، وأن يكون مُتَّبِعَاً لأثر
من مضى قبله ) ولله در من قال :
لا تحسبنَّ العلم ينفع وحده *** ما لم يُتَوَّج ربُّـــه
بخــــلاق
(الدعـــــــاء)
===== كتبه
=====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس