recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : دروس وعبر من تحويل القبلة - للشيخ / محمد حســـن داود


خطبة بعنـــــــوان :
دروس وعبر من تحويل القبلة  
للشيخ / محمد حســـن داود
العناصـــــر :
- من التكريم الإلهي للنبي .                                      - وسطية الأمة .
- الاستجابة لله ولرسوله .                                       - مكانة الصلاة  .
- الرباط الوثيق بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى
.
-
الايجابية .

ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )البقرة144)وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن من أهم الأحداث في تاريخنا الإسلامي، والتي ستظل عبر الأزمان والعصور منبعا عذبا وموردا صافيا ينهل منه المسلمون الدروس والعبر في كل زمان ومكان، حدث " تحويل القبلة " ذلكم الحدث الجليل الذي كان له اثر عظيم على الأمة الإسلامية، والذي يعد من ابرز مظاهر التكريم الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث ألاستجابة لدعائه وتحقيق رغبته وأمله ورجائه، ولعل هذا هو الدرس الأول من جملة دروس عظيمة وعبر قيمة نقف عليها ونأخذ منها العظة .
- فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، استقبل بيت المقدس في صلاته بأمر من الله تعالى ،وظل على هذه القبلة ستة عشرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان صلى الله عليه وسلم يشتاق إلى أمر الله تعالى بالتوجه إلى البيت الحرام، قبلة أبيه إبراهيم ،فكان يرجو الله بقلبه ويدعو بلسان حاله، فاستجاب الله له، وأكرمه بتحقيق ما يرجوه، قال تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ) البقرة 144) ففي أسباب النزول للواحدي: أَنَّ النَّبِيَّ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ " وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إِلَى غَيْرِهَا - وَكَانَ يُرِيدُ الْكَعْبَةَ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ - فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ لَا أَمْلِكُ شَيْئًا ، فَسَلْ رَبَّكَ أَنْ يُحَوِّلَكَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ ارْتَفَعَ جِبْرِيلُ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيلُ بِمَا سَأَلَهُ ، فأنزل الله تعالى قوله سبحانه (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) البقرة 144) .
- وسطية الأمة، قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)البقرة143) فالأمة الإسلامية وسطٌ بين طرفي الإفراط والتفريط، لا غلو ولا تقصير؛ و لهذه الوسطية معالمها الشاملة الجامعة؛ فهي وسطية في الاعتقاد والتصور، ووسطية في الشعائر والتعبد، ووسطية في الأخلاق والسلوك، ووسطية في النظم والتشريع، ووسطية في الأفكار والمشاعر، مجانبة  للغلو والتقصير؛ ومن ذلك دعوة الناس إلى عمارة دنياهم وأخراهم على السواء وهذا من اجل السمات التي يجب تحقيقها في الشخصية المسلمة، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يَعْمُرَ دنياه وأخراه، فما أكثر ما كان يدعو بهذا الدعاء القرآني الكريم(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة201) وكان من دعائه أيضا " وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي "رواه مسلم) وفى الأخلاق يتضح أمر الوسطية والاعتدال جليا أيضا؛ ومن ذلك: الإنفاق، إذ يقول الله تعالى ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾الإسراء 29) ويقول﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾الفرقان 67) وفى العبادة؛ فقد جاء عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، انه قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: " أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي "رواه البخاري) ولما دخل المسجد يوما فوجد حبلاً مربوطا بين ساريتين فَقَالَ "مَا هَذَا؟ قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي ، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ: حُلُّوهُ" لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ، قَعَدَ " ومن هنا فقد وجب علي هذه الأمة تحقيق معاني الوسطية والاعتدال والبعد كل البعد عن التقصير أو الغلو والتطرف والتشدد، فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ " رواه البخاري)
- ثم أن شهادة هذه الأمة على غيرها من الأمم تقتضى أن تكون هذه الأمة بوسطيتها أهلا لهذه الشهادة قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)البقرة143) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ ، فَيُقَالُ : مَنْ يَشْهَدُ لَكَ ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأُمَّتُهُ " قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَيَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ ، وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا سورة البقرة آية 143 "رواه ابن حبان).
- كما أن هذا الحدث الجليل يظهر لنا درسا يحتاج إلى من يعيه ويتأمله، فيكون له طريق إلى الجنة، وهو الاستجابة لله ولرسوله، فعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ " أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ "رواه البخاري) فما أعظم تلك الاستجابة الفورية التي ما شابها جدال أو تسويف ،إذ يصلون نصف الصلاة إلى بيت المقدس والآخر إلى البيت الحرام، بل تحولوا إلى البيت الحرام وهم في هيئة الركوع، امتثالا لأمر الله تعالى، فهو سبحانه القائل فى كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)الأنفال 24) إذ أن الاستجابة لله ولرسوله باب إلى الخيرات وإجابة الدعوات فقد قال الله تعالى ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة 186) وباب الرفعة في الدرجات فقد قال تعالى﴿ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى)الرعد18)وقال سبحانه(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا )النساء69)
- ومن دروس تحويل القبلة بيان مكانة الصلاة؛ فلقد سماها القران الكريم إيمانا، إذ يقول الله جل وعلا (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ )البقرة143) وعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" لَمَّا وُجِّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) رواه الترمذي وقال حَسَنٌ صَحِيحٌ) فالصلاة عبادة جليلة يشترك فيها أهل السماء مع أهل الأرض، فعنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ ، إِذْ قَالَ لَهُمْ : " تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ " قَالُوا : مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ ، قَالَ : " إِنِّي لأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلامُ أَنْ تَئِطَّ، وَمَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ "، هي أُم العبادات وأساس الطاعات، راحة كل مهموم وفرج لكل مكروب فيها يناجى العبد مولاه وهو منه اقرب ما يكون ولذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بها يا بلال . كما عند أحمد وأبو داود)و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " هي صلة بين العبد وربه، هي رفعة في الدرجات و كفارة للسيئات "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّلَاةُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ "صحيح مسلم ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا" البخاري) هي باب إلى الجنة فقد قال تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ)المعارج34/35) وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، انه قال " منْ غدَا إِلَى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أعدَّ اللَّهُ لَهُ في الجنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدا أوْ رَاحَ "متفقٌ عَلَيهِ) فما أحوجنا إلى المحافظة على هذه الفريضة العظيمة ،فهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة،عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " الترمذي )
- ومن دروس تحويل القبلة، مكانة المسجد الأقصى،والرباط الوثيق بيه وبين المسجد الحرام، فلقد شرفه الله تعالى ووصف أرضه بالبركة، قال تعالى في مستهلّ سورة الإسراء ( سُبْحٰنَ الَّذِيْ أَسْرٰى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْـمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى الْـمَسْجِدِ الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ومن الآية يتضح انه منتهى إسراء سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، و بداية المعراج إلى الملأ الأعلى، فير انه قبلة المسلمين الأولى، وهو أرض المحشر والمنشر ، فعَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ"أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ" ) . وهو ثاني مسجد وضع في الأرض، كما ورد في الحديث الشريف عن الصحابي الجليل أَبِى ذَرٍّ، رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ "الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ" قُلْتُ : ثُمَّ أَىٌّ ؟ قَالَ "الْمَسْجِدُ الأَقْصَى" قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ"أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ فَهُوَ مَسْجِدٌ" رواه مسلم).وفي ذلك كله توجيه للمسلمين بأن يقدروهما حق قدرهما .
إنّ هذا الحدث الجليل "حدث تحويل القبلة " ليبعث على تحويل القلوب والنفوس نحو الخير، نحو السماحة والوسطية واليسر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ " رواه بن ماجه) نحو حسن الأخلاق والسلوك فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "  نحو مزيد من العمل والإنتاج، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا ، فَلْيَغْرِسْهَا " نحو الطاعة والعبادة، خاصة ونحن في أيام مباركة وعلى أعتاب أيام مباركة، فقد قال الله تعالى (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)الحديد21) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ لِرَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا ، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا "رواه الطبراني في المعجم الأوسط والكبير) نحو الايجابية، وهذا ظاهر في فعل الصحابي الذي أعلم الناس بما نزل من قران؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ " إذ أن الايجابية من هدى الأنبياء ومنهج الأتقياء ودليل الصفاء والنقاء فها هي السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها تصف حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة حينما جاءها من غار حراء يرجف فؤاده بعد أن رأى جبريل عليه السلام فقالت له " كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ."وهذا نبي الله زكريا عليه السلام، يشير القران الكريم إلى ايجابيته في كفالة مريم بنت عمران، قال تعالى﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ آل عمران ٣٧) وهذا نبي الله موسى عليه السلام يساعد المحتاجين: إذ يشير القرآن الكريم إلى صور عدة من ايجابيته؛ ومن ذلك تطوعه بمساعدة لامرأتين كانتا تستسقيان لرعي أغنامهما، قال تعالى ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص ٢٣/٢٤)
والايجابية " تعنى شعور الإنسان بمسئوليته تجاه دينه ووطنه، والإسهام في بناء وطنه واستقراره ورقيه وتقدمه، فلا شك أن كل عاقل يدرك أن من اجل أبواب رقى المجتمعات ودعائم تشييد الأمجاد والحضارات؛ إعلاء قيمة الايجابية، وخدمة الوطن والوفاء له، سواء كان ذلك بالدفاع عنه، أم بالعمل والإنتاج والإتقان، أم بالتكافل والتراحم، أم بالمشاركة الايجابية الجادة في كل الاستحقاقات الدستورية والوطنية، فمن الحقائق المسلم بها أن رقى المجتمعات وتقدمها وحضارتها لا تقوم إلا على الايجابية، وإن من إجادة الانتماء للوطن ،وحسن الولاء له، و إخلاص الوفاء له : المشاركة الايجابية في تقدمه ورفعته، والعمل على رقيه والمساهمة في النهوض به فلا يتصور أن تجد إنسانا وفيا لوطنه مخلصا له محبا له يتقاعس عن واجبه تجاه وطنه .
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent