recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــوان : دور الشباب في بناء الدول والحضارات للشيخ / محمد حسـن داود


خطبة بعنـــــوان :
دور الشباب في بناء الدول والحضارات
للشيخ / محمد حســــــن داود



ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا

العناصـــــر :
مكانة الشباب في الإسلام، ونماذج للشباب من القران الكريم .
عناية الإسلام بالشباب واهتمامه بهم .
صور من إسهام الشباب في البناء.
رسالة إلى الشباب .
الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)الروم54) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون حياة الإنسان مراحل، إلا أن أفضل هذه المراحل مرحلة الشباب؛ فلقد عبر القران الكريم عنها بمرحلة القوة بين ضعفين ، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)الروم54) فهي مرحلة تطلع إليها الصغير، وتمناها الكبير، وبكى عليها الشيوخ، يقول الشاعر،
فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً *** فأُخبرَه بما فعل المشيبُ
فالشباب في كل أمة عصب حياتها، ومصدر قوتها، هم ثروتها وعماد حضارتها وسر نهضتها، وهبهم الله أسباب القوة، ومنحهم الجلد والهمة، ليكونوا سببا في رقي مجتمعاتهم، وازدهار أوطانهم، ومازال الإسلام يؤكد على واجبهم نحو وطنهم ومجتمعهم الذي هو جانب عظيم من جوانب صلاحهم، حتى جعل الشاب الصالح من السبعة الذين يظلهم الله في ظله؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى،..." متفق عليه )
ولقد حث الإسلام على اغتنام هذه المرحلة من العمر، في طاعة الله وخدمة الوطن ، فكان من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" وفى تأكيد على اغتنام هذه المرحلة من العمر بين المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن الإنسان سيسأل أمام الله جل وعلا عن هذه المرحلة خاصة، مع سؤاله عن عمره عامة، فقال صلى الله عليه وسلم " لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ " .
وإن المتأمل في كتاب الله جل وعلا وما جاء في سير الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، يجد أن المولى سبحانه قد خصهم بالنبوة وهم في مرحلة شبابهم، لما في هذه المرحلة من وجود ما يمكنهم من تبليغ رسالات ربهم، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه ، انه قال " ما بعث الله نبيًا إلا شابًا ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب " رواه ابن أبي حاتم) ففي القران الكريم عن موسى عليه السلام يقول جل وعلا ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وعن يوسف يقول سبحانه وتعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وفى حق يحي يقول سبحانه وتعالى (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا )مريم 12) وفي حق إبراهيم عليه السلام يقول جل وعلا ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ )إبراهيم 60)
ولقد أشار القران الكريم إلى نماذج من الشباب، ليقتدي بطيبهم ويجتنب اثر غيرهم، فهذا نبي الله موسى عليه السلام يتخذ من شبابه بابا إلى الخيرات والمسارعة إلى القربات ومن ذلك تطوعه بمساعدة لامرأتين كانتا تستسقيان لرعي أغنامهما، قال تعالى ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ القصص ٢٣/٢٤ ) وفي المقابل نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى لشباب كانت عاقبتهم وخيمة،في إشارة إلى عدم إتباع منهجهم أو السير على طريقهم ومن ذلك ما جاء عن ابن نوح قال تعالى ( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ ) هود42-43 ) وهذا مثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم، حيث عقوق الوالدين ومعصية الله جل وعلا، قال تعالى ( وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) الأحقاف17/18)
 ومن يتدبر سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ يرى عناية الإسلام بالشباب، فقد كان  صلى الله عليه وسلم، يعطيهم من وقته ما يجعلهم يستأنسون بحواره معهم، ويشعرون باهتمامه بتأهيلهم لتحمل المسئوليات، كما كان يغرس فيهم الثقة بالنفس، والقدرة على مواجهة الشدائد والصعوبات فَعَنْ مَالكِ بنِ الحُويْرِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: " أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ -صلى الله عليه وسلم-  رَحِيمًا رَقِيقًا"  كما كان صلى الله عليه وسلم دائم الوصية لهم، بتوجيههم إلى ما فيه الخير لأنفسهم ولأوطانهم، ومن ذلك ما جاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ " يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" رواه احمد والترمذي) ومن ذلك ما جاء عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رواه الترمذي واحمد) كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بفكر الشباب، حريص أن لا يحيد عن الطريق المستقيم، بل كان يدلهم على المنهج الوسطى المعتدل الذي لا غلو فيه ولا تشدد ولا تفريط، فعن انَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ "جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ" أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " رواه البخاري) وعن عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ : إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا ، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ ، فَزَجَرُوهُ ، قَالُوا : مَهْ مَهْ ، فَقَالَ : " ادْنُهْ " ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا ، قَالَ : فَجَلَسَ ، قَالَ : " أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ " ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ " ، قَالَ : " أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ " ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ " ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ، قَال : أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ " ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ، قَالَ : أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ " ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ، قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ ، قَالَ : فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ " ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ" رواه احمد)
ومن صور إسهام الشباب عبر العصور والأزمان في البناء والتقدم ، ما كان من أمر زيد ابن ثابت؛ فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن إحدى عشر سنة بتعلم لغة يهود، فكان خير مجيب لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ زيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال" قدم النبي  صلى الله عليه وسلم  المدينة، وأنا ابن إحدى عشرة سنة، فأَمَرَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي قَالَ فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ قَالَ فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ" رواه أبو داود والترمذي) وفى العشرين من عمره يؤتمن على جمع القران لما رآه أبو بكر في زيد رضي الله عنهما من الصفات ما يؤهله لمثل هذه المكانة ومنها كونه من حفاظ القرآن ومن كتابه على عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، غير انه شهد مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته،كما أن زيداً قد عرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته؛ فعن زيد بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ عِنْدَهُ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ : إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِقُرَّاءِ القُرْآنِ ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ القُرْآنِ ، قُلْتُ لِعُمَرَ : كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ عُمَرُ : هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ ، قَالَ زَيْدٌ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ ، فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ ، قُلْتُ : كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ ، قَالَ : هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ..." رواه البخاري) وإذا ذُكرنا مجال العلم ، حتما أن نذُكر ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، فعنه رضي الله عنه قال: " كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ ، فَقَالَ : لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ ، فَقَالَ عُمَرُ : إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ ، قَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ ) ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا ، وَفُتِحَ عَلَيْنَا ، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ، فَقَالَ لِي : أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ؟ فَقُلْتُ : لاَ ، قَالَ : فَمَا تَقُولُ ؟ قُلْتُ : هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ ، قَالَ : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ ) وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ ، ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) ، فَقَالَ عُمَرُ : مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ " رواه البخاري) وفى القضاء فهذا معاذ ابن جبل لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا إلى اليمن قال له " كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ ؟ ، قَالَ : أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ ، قَالَ : فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَجْتَهِدُ رَأْيِي ، وَلَا آلُو فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ ، وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ ، رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ " أبو داود )
وفى الختام يجدر بنا أن نتقدم إلى الشباب برسالة ،
اعلموا أن لكم دورا هاما في البناء والتقدم والرقى، فأنتم عنوان النماء، وسواعد البناء، مصدر للقوة، ومنطلق للخير والعطاء، فكونوا في خدمة وطنكم، فالوفي صدقا هو من يكون وفيا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، مستعدا للتضحية دائما في سبيله بكل نفيس، فتظهر خدمة الوطن في المحافظة على منشآته ومنجزاته ، في القيام بالواجبات والمسئوليات، في إخلاص كل عامل في عمله ، في نشر القيم والأخلاق الفاضلة ،ونشر روح التسامح والمحبة،  تظهر خدمة الوطن في حمايته والدفاع عنه واحترام أنظمته وقوانينه، وطاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" رواه البخاري)
تسلحوا بالعلم، فبه تتفاضل الناس، كما تتفاضل به الأمم ولا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها العلم؛ ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " منْ سَلَكَ طَريقًا يَبْتَغِي فِيهِ علْمًا سهَّل اللَّه لَه طَريقًا إِلَى الجنةِ"
 كما أن القوة الاقتصادية ضرورية في تقدم الأمم وهى عماد أول من أعمدة البناء وعامل أول من عوامل القوة، ولن يقوى الاقتصاد إلا بالعمل والإنتاج؛ ولذا أمرنا الإسلام أن نبذل الجهد وأن نستفرغ الوسع والطاقات والمواهب في العمل والإنتاج حتى في أحك الظروف؛ فقَالَ " إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا " الأدب المفرد للبخاري) ولقد جاء عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّ رَجُلا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، فَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلَدِهِ وَنَشَاطِهِ مَا أَعْجَبَهُمْ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، " لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيَعِفَّهَا فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَهْلِهِ فَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى تَفَاخُرًا وَتَكَاثُرًا فَفِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ "
 تمسكوا  بالفكر الوسطى المعتدل النابع من الفهم الصحيح للإسلام ، وإياكم والغلو والتشدد والتطرف فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ " رواه بن ماجة) وعن أَبِي هريرة رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ" إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ " رواه البخاري ) واعلموا أن لكم دور كبير في الحفاظ على الفكر الوسطي المعتدل للإسلام، فالإسلام دين السماحة، والوسطية ،دين الرحمة والسلام، دين الإنسانية في أسمى معانيها دون نظر إلى عرق أو لون أو جنس أو عقيدة، فقد جاءت شريعته السمحة بما فيه مصلحة العباد والبلاد، ،وبما يحقق للفرد وللأسرة وللمجتمع السعادة والأمن والاستقرار، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ".
 تحلوا بروح المبادرة إلى الخير، وما فيه منفعة المجتمع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ".
 واعلموا أن الأخلاق أساسا لبناء الحضارات، كما أنها أساسا للتفاضل، بين الناس وأمام الله جل وعلا، وما أجمل ما وصى به الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ ابن جبل وهو في ريعان شبابه، إذ جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم الوصية فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ " أَوْ " أَيْنَمَا كُنْتَ " قَالَ زِدْنِى، قَالَ " أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا "، قَالَ زِدْنِى ، قَالَ " خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " رواه احمد) علما بان الأخلاق الحميدة تحتم عدم ترويج الشائعات أو السماع لأهلها فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". وليكن منهج كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6) ولله در من قال :
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
لقد علم أعداء الدين والوطن أهمية دوركم؛ فحرصوا حرصاً كبيراً على إبعادكم عنه، حرصوا على أن يزرعوا فيكم الضعف والوهن فكريا وجسديا ونفسيا  فراحوا يشهرون أسلحتهم وينفثون سموهم، يروجون الشائعات ليروا فيكم اختلافا ويأسا ويروجون الأفكار المغلوطة والخاطئة، ليروا فيكم تشددا، ويروجون المخدرات ليروا ضعفا في أجسادكم وضعفا في عقولكم، لكنكم اقوي من أن تسمعوا لهم،أو أن تقعوا في شباكهم وخيوطهم، فاستعينوا بالله ولا تعجزوا في أداء دوركم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ ، ... " رواه مسلم ) .
 ( الدعــــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس


google-playkhamsatmostaqltradent