recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : نبي الرحمة ( صلى الله عليه وسلم ) كما يجب أن نعرفه للشيخ / محمد حسن داود


خطبة بعنـــــوان : 
نبي الرحمة ( صلى الله عليه وسلم )
كما يجب أن نعرفه
للشيخ / محمد حســــــن داود


ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا

العناصـــــر :
الرحمة في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم ).
صور من رحمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأمته .
صور من رحمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مع مخالفيه .
صور من رحمة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالحيوان .
الراحمون يرحمهم الرحمن .
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)الأنبياء107)  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ " مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جمع الله سبحانه وتعالى للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، صفات الجمال والكمال البشري، فتألقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت أخلاقه القريب والبعيد، وشملت رحمته الغريب والصديق، ولقد صور لنا القران الكريم هذا جليا واضحا إذ يقول الحق سبحانه وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)الأنبياء107) ويقول جل وعلا (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)التوبة 128) ويقول حبيبنا، صلى الله عليه وسلم، عن نفسه " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ " مستدرك الحاكم) فكان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خَلقا وخُلقا، قال تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )القلم4) وأعظمهم إنسانية ورحمة، يصل من قطعه، ويعطى من حرمه، ويعفو عمن ظلمه، ويحسن إلى من أساء إليه، تقول أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) في حقه " إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ "(مستدرك الحاكم ) فلقد بعث الله، النبي صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا حريصا علينا، رءوفا بنا، يسجد يوم القيامة تحت عرش الرحمن، فلا يرفع رأسه حتى يقال له" يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ" فيقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم:"يارب أُمَّتِى أُمَّتِى" .
الرحمةُ المهداةُ جاء مبشِّرا *** ولأفضلِ الأديان قــــــام فأنذرا
ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا *** يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا
صلى عليه اللهُ في ملكوته *** ما قـــــام عبدٌ في الصلاة وكبّرا
ولقد تجلت عظمة رحمته، صلى الله عليه وسلم بأمته في الكثير من المواقف، إذ رق قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم لجميع أبناء أمته حتى بكى خوفا عليهم أن يصيبهم من الله عذاب، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ"، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلْيكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ:"إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي"فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى جِئْتُ إِلى هذهِ الآيَة (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاءِ شَهِيدَاً) النساء41) قالَ:"حَسْبُكَ الآنَ "فالْتَفَتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَان" متفقٌ عليه)و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) سورة إبراهيم آية 36 الآيَةَ )، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ سورة المائدة آية 118 )، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ ، أُمَّتِي ، أُمَّتِي ، وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَسَأَلَهُ ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ " رواه مسلم) بل بلغت رحمته صلى الله عليه أن يؤثر أمته على نفسه بدعوته المستجابة شفاعة لهم ورحمة بهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ؛ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا"(متفق عليه)
ولقد بلغت رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم، بأمته حدا لا يتخيله عقل، إذ كان يترك العمل وهو يحبه، خشية أن يفرض عليهم فيشق عليهم أداؤه، فهو صلى الله عليه وسلم، القائل في حديثه الشريف " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ " وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها " إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ " البخاري ومسلم) فانظر في سنته وسيرته تراه ينقطع عن الخروج إلى صلاة التراويح جماعة في رمضان، خشيةَ أن تفرض ، و تأخر في الردِّ على من سأل عن تكرار الحج في كل عام خشية أن يفرض بهذه الصورة، و لما فرضت الصلاة، ظل المصطفى صلى الله عليه وسلم يسأل الله التخفيف، رحمة بأمته صلى الله عليه وسلم حتى كانت خمس في العمل و خمسين في الأجر.
ما أعظم إنسانية ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم التي لم تترك بشرا إلا وكان له منها نصيب فكان رحيما بالآباء والأمهات، رحيما بالأطفال، رحيما بالمخالف له رحيما بالخدم والعبيد، إذ يقول أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ " رواه البخاري مسلم)، وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،..." رواه البخاري ومسلم) بل تدبر معي ما جاء عن أنس بن مالك قال " إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ" رواه البخاري ) .
وفى رحمته بالآباء والأمهات والأطفال ترى أروع الأمثلة وأعظمها، فلقد كان نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يدخل في الصلاة ينوي أن يطيل فيها، فإذا به يسمع بكاء الصبي فيتجوز فيها شفقة بالصغير من جانب ورفقا بأمه من آخر، إذ يقول صلى الله عليه وسلم "إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِه"رواه البخاري) " وصدق أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه إذ يقول"مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهّ عليه وسلم" مما يشير لنا جميعا إلى أن الرحمة في حياتنا يجب أن تشمل الصغير والكبير، فقد قال صلى الله عليه وسلم " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا "(رواه أبو داود والترمذي) وعنْ أَنَسٍ "أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً،" فَقَالَ يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا "( رواه مسلم ) ويأتي أبو بكر رضي الله عنه بأبيه عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له : " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه" ، فيجيب أبو بكر رضي الله عنه " هو أحق أن يمشي إليك يا رسول الله من أن تمشي إليه "  ولما جاءه رجل فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ: " ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا " رواه النسائي وأبو داود)
وما أعظم رحمته صلى الله عليه وسلم إذ يوصى بالنساء خيرا، زوجة كانت ، فقد قال "وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " رواه البخاري) أو بنتا كانت ، فقد قال" مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - يَعْنِي الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ "(رواه أبو داود) ولعلنا نأخذ من رحمته لنقتدي؛ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، مع زوجاته في بيته وكيف كانت معاملته لهن وكيف كانت معاملته مع أولاده؟ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في بيته " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَخصِفُ نَعلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوبَهُ، وَيَعمَلُ في بَيتِهِ كَمَا يَعمَلُ أَحَدُكُم في بَيتِهِ"رواه ابن حبان وغيره) وعن معاملته  مع زوجاته، فعَنِ النُّعْمَان بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا " أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ" قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا " رواه أحمد) وكلما دخلت عليه ابنته فاطمة رضي الله عنها اخذ بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه. و لما قَبَّل الحسن بن على رضي الله عنه فإذ بالأقرع بن حابس، يقول: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت منهم أحدا، فينظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول" مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ " رواه البخاري)
وتظهر لنا عظمة رحمته وإنسانيته صلى الله عليه وسلم، في معاملته مع مخالفيه، فلقد كان صلى الله عليه وسلم، حريصا أن يكون المجتمع وان اختلفت فيه العقائد قلبا واحدا، تحوطه روح المحبة والسماحة والمودة والإنسانية، وهذا ما كانت عليه المدينة في عهده صلى الله عليه وسلم، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل مخالفيه بأرقى قيم الإنسانية لا يفرق في مثل هذه المعاملة بينهم وبين غيرهم ،فالله جل وعلا يقول (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )الاسراء70) فكان يجيب دعوتهم ويحضر مجالسهم ويعود مرضاهم ويواسيهم في مصابهم ، فقد قال الله تعالى (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الحجرات8)  ولما مرض هذا الغلام الذي كان يخدمه، (وكان لم يسلم قبلها) عاده النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما مرت جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له يا رسول الله إنها جنازة يهودي،‏ فقال: " أليسَتْ نفسًا؟ "؛ ولقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونا عند يهودي؛ مما يؤكد على قيم التعايش السلمي بين الناس في مجتمعهم حتى وان اختلف اللون أو العرق أو العقيدة، كما سطر الصحابة الأطهار سيرا على نهج نبي الرحمة سطورا من نور في الرحمة معهم فقد جاء عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ " أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا الْيَهُودِيِّ ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ " .
إن هذه الرحمة النبوية المنقطعة النظير، في البشر، لم تقف عند حدود البشر، بل امتدت لتشمل الحيوان، فعن ابن مسعود قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجتِه، فرأينا حُمَّرَةً ( عصفورة ) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمَّرةُ فجعلت تفرِّش، فجاء صلى الله عليه وسلم فقال: " من فجع هذه بولدِها ؟ ردُّوا ولدَها إليها " وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم  دخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم  حنّ وذرفت عيناه فأتاه صلى الله عليه وسلم فمسح ظفراه فسكت، فقال صلى الله عليه وسلم : "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ " فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له : " أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ (رواه احمد وأبو داود)( تُدْئِبُهُ، اى تكرهه وتتعبه) وها هو صلى الله عليه وسلم يوصي بالرفق بالحيوان والإحسان إليه حتى عند ذبحه فيقول"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"رواه الترمذي) ولا يزال صلى الله عليه وسلم يوصى بالرحمة بالحيوان حتى قال " عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ"( متفق عليه)، وفي المقابل، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ "(متفق عليه)
و لم تقف رحمته صلى الله عليه وسلم عند كل ما فيه روح بل حتى الجماد، نال من رحمته إذ يتعاطف مع جبل أُحُد، فيقول صلى الله عليه وسلم وهو يشير إليه  "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ".
هذه صور من حياة نبينا صلى الله عليه وسلم، تجسد رحمته، فلنحمل للعالمين رحمته، إذ أن الأخلاق المثلى عماد الأمم وقوام الشعوب، والأمم باقية ما بقيت أخلاقها، وتطيب الحياة بين أبنائها وتصلح وتزدهر بالتراحم والتعاطف، لذلك ولغيره الكثير ذكرت صفة الرحمة بمشتقاتها في القران الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة ،وان من هذا ليتضح للجميع أن قيم الرحمة والإنسانية، من قيم ديننا و أخلاق نبينا وهى إلى الغفران نهجنا والى الجنة طريقنا فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ"  وكما أنها مفتاح قلوب الناس؛ إذ يقول الله جل وعلا (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)آل عمران 159)هي أيضا مفتاح لباب رحمة الله تعالى، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : " ارْحَمُوا تُرْحَمُوا ، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ " وقال أيضا "  لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ " متفق عليه)
 ( الدعــــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس


google-playkhamsatmostaqltradent