recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان : حب الله ورسوله بين الحقيقة والادعاء - للشيــــخ / محمد حســـن داود


خطبة بعنـــــوان :
 حب الله ورسوله بين الحقيقة والادعاء
للشيــــخ / محمد حســـن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا
العناصـــــر :
مكانة محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
حب الله ورسوله بين الحقيقة والادعاء
صور من محبة الصحابة لله ولرسوله .
اثر محبة الله ورسوله .
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ) البقرة165) ويقول سبحانه وتعالى﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء69) .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، يأتيه رجل فيقول له يا رسول الله، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَها " قَالَ لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ" أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ " رواه البخاري) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن من أصول الإيمان، ولوازم الإحسان؛ محبة الله عز وجل، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي اسمي الطاعات، وأعظم العبادات؛ نور يجلى الظلام، ودواء يشفى الأسقام، من حرمها، فقد حرم حلاوة الإيمان، قال تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ) البقرة165)، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " رواه البخاري ومسلم) فهذه الحلاوة لا يتذوقها كل الناس، بل يتذوقها من خالط قلبه حب الله ورسوله، وصدق في حبه لهما، فقدم حبهما على نفسه ووالده وولده والناس أجمعين، فعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِه وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ " متفق عليه) وعَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كُلِّ شَيءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقالَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم ، لَهُ: " لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إِلَيْكَ من نَفْسِكَ " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأنْتَ أحَبُّ إِليَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  " الآن يَا عُمرُ " رواه البخاري) ولقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ ".  وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، انه قال  " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْهُ )  رواه احمد) وما أجمل وأعظم، ما جاء عن أم المؤمنين عائشة ( رضي الله عنها ) عن رجل غاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فآلمته مرارة الفراق، واخذ منه الشوق مأخذه، اذ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنك لأحبُّ إليَّ من أهلي ومالي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكركَ، فما أصبر حتى آتيكَ فأنظر إليكَ، وإذا ذكرتُ موتي وموتكَ عرفتُ أنَّكَ إذا دخلتَ الجنَّة رُفِعْتَ مع النبيِّين، وأنِّي إذا دخلتُ الجنَّة خشيتُ ألاَّ أراكَ، فلم يرُدَّ عليه النبيُّ ، صلى الله عليه وسلم،  شيئًا؛ حتى نزل جبريل عليه السلام ، بهذه الآية: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء69) .
وعليه فإن لحب الله ورسوله دلالات وعلامات، فليست المحبة بالدعاوى أو الكلمات بل هي التزام بالأمر، واجتناب للنهى، واقتداء بالهدى، واخذ بالسنة، وعمل بالشرع، هي طاعة لله ولرسوله وإيثار لمحبتهما على محبة غيرهما، فلما ادعى أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حب الله جل وعلا، كان الجواب منه سبحانه وتعالى في قوله (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران31) قَالَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى " إِنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا اتَّبَعَ آثَارَهُمْ  " ورحم الله من قال :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لــو كان حبك صادقًا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيــع
فمن صدق في حب الله ورسوله، لا يعلو في قلبه حب فوق حبهما، بل يكون كل حب بعده تبعا لحبهما قال الله تعالى (قلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) التوبة24) فأين الصدق في محبة الله ورسوله وإيثار محبتهما من تاجر يغش، أو يطفف الكيل والميزان، أو يحتكر ما إليه حاجة الناس، لم يؤثر حب الله ورسوله، وقد قال الله جل علا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء29/30) ويقول صلى اله عليه وسلم " مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ " ولما مر النبي برجل يبيع طعام  قد حسنه  كما جاء عنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ وَقَدْ حَسَّنَهُ صَاحِبُهُ ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ ، فَإِذَا طَعَامٌ رَدِيءٌ ، فَقَالَ : " بِعْ هَذَا عَلَى حِدَةٍ ، وَهَذَا عَلَى حِدَةٍ ، فَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " رواه ا حمد)  وأين الصدق في محبة الله ورسوله وإيثار محبتهما ممن روج الشائعات ليرى في الناس يأسا وتخبطا وتفرقا، ؟ والرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري) وأين الصدق في محبة الله ورسوله وإيثار محبتهما ممن روج المخدرات بين الشباب ليرى في أجسادهم وعقولهم ضعفا ؟ وأين الصدق في محبة الله ورسوله وإيثار محبتهما ممن روج للأفكار المتطرفة ليفسد على الناس دينهم وحياتهم، ويرى فيهم تناحرا واختلافا لم يؤثر حب الله ورسوله، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ في الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ " رواه بن ماجة) إن صدق محبة الله ورسوله وايثار محبتهما، يقتضى حسن الطاعة فقد قال الله جل وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾الانفال20)وقال سبحانه ﴿ مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ النساء80) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنْ يَأْبَى ؟ قَالَ : مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى " رواه البخاري) يقتضى الاستجابة لله ولرسوله( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )الانفال25)، يقتضى حسن الأخلاق، فلقد بعث نبينا صلى الله عليه وسلم ليتمم صالح الأخلاق ومكارمها إذ يقول صلى الله عليه وسلم " إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ "، يقتضى الحفاظ على الدماء والأموال والأعراض، وان اختلف اللون أو العرق أو حتى العقيدة، ففي الإسلام كل الأنفس حرام، وكل الأعراض مصانة، وكل الأموال محفوظة ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " َالْمُسْلِمُ : مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، والمؤمن: مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ "  يقتضى الوفاء للوطن وخدمته، فلن يكن وفيا للناس من لم يكن وفيا أعظم الوفاء لوطنه الذي عاش على أرضه وتنعم في خيراته، وامن على نفسه وماله وعرضه بين أحضانه.
ولقد ترجم الصحابة ( رضوان الله عليهم ) حبهم لله جل وعلا، ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ترجمة عملية، فلم يكن هذا الحب مجرد كلمات أو ادعاءات، بل كانوا يعدونه طريقهم إلى الفوز والفلاح، ويجعلونه بضاعتهم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، ويصف عروة بن مسعود الثقفي، شيئا من هذا الحب والإجلال والتقدير، فيقول " فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا " رواه البخاري)  فكان لسان حالهم ومقالهم عن النبي،صلى الله عليه وسلم :
هو المُقَّدم في نفسي على نفسي *** وأهل بيتـي وأحبابـي وخِلانـي
ففي غزو بدر استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة،رضي الله عنهم فقام من المهاجرين ( الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو) فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، امْضِ لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ ، وَاَللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا ، إنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ ، فَوَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مِنْ دُونِهِ ، حَتَّى تَبْلُغَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِهِ ... ، ومن الأنصار قام سعد بن معاذ ( رضي الله عنه) فقال : وَاللَّهِ ، لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : أَجَلْ ، قَالَ : فَقَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ ، وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ ، وَأَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَا أَرَدْتَ ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، إِنِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا . إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ ، صُدْقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ ، لَعَلَّ اللَّهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ .
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله". فقال له: (الصحبة). تقول السيدة عائشة: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ" وفي الطريق كان الصديق رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم من خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، فيقول: "يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء أأحببت أن تقتل دوني)؟ فقال: "إي والذي بعثك بالحق" فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك  يا رسول الله  حتى استبرىء لك الغار. فدخل فاستبرأه .
وهذا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ أسره المشركون، فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلَوهُ ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ ، حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ : نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا زَيْدُ ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الآنَ بِمَكَانِكَ ، يُضْرَبُ عُنُقُهُ ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ مُحَمَّدًا الآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ ، وَأَنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ ، أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا " .
وهذه امرأة من الأنصار خرجت يوم احد،(كما جاء عن انس ) فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخَيهَا وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَبِيهَا لا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلا ، فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ ، قَالَتْ : " مَنْ هَذَا ؟ " قَالُوا : أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ ، قَالَتْ : " مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ " فَيَقُولُونَ : أَمَامَكَ حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ ثُمَّ جَعَلَتْ ، تَقُولُ : " بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ لا أُبَالِي إِذَا سَلِمْتَ مَنْ عَطِبَ " .
وهذا حال سعد بن الربيع في أخر لحظات حياته ؛ فعن زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، وَقَالَ لِي : " إِنْ رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ ، وَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ " قَالَ : فَجَعَلْتُ أَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَأَصَبْتُهُ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَبِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً مَا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ وَضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا سَعْدُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ ، وَيَقُولُ لَكَ : " خَبِّرْنِي كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ " قَالَ : عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلامُ ، وَعَلَيْكَ السَّلامُ ، قُلْ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَجِدُنِي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ ، وَقُلْ لِقَوْمِي الأَنْصَارِ : لا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَفِيكُمْ شُفْرٌ يَطْرِفُ ، قَالَ : وَفَاضَتْ نَفْسُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ " رواه الحاكم)
إن حب الله ورسوله هو باب الخيرات والفوز بالدرجات، فمن تقرب إلى الله بالحب والطاعة وصالح العمل، من الله عليه فضلا وجودا وكرما، فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ ، قَالَ : إِذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا ، وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " رواه البخاري) فمحبة الله في محبته وطاعة رسوله قال تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ( آل عمران31) وان آثار محبته لعبده عظيمة جليله، لا تعد بالحسبان، ولا تخطر على بال، إذ يجزل له الثواب، ويقبل منه إذا تاب وأناب، إن سأله أعطاه|، وان استغفره غفر له،وان استعاذة أعاذه،  ففي الحديث القدسي " مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ" رواه البخاري) وعن أبى هريرة  رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ " رواه البخاري) وما أعظم هذه الجائزة العظيمة والمكانة الرفيعة والدرجة العالية، عَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَها " قَالَ لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ" أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ "قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ (رواه البخاري)
فَلْتَشْهَدِي يَا أَرْضُ هَذَا وَالسَّمَا وَالكَوْنُ يَشْهَدْ
إِنَّا نُحِبُّكَ يَا رَسُــــــــــــــــــولَ الله حُبَّاً لا يُبَدَّدْ
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent