recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان: صحــــح مفاهيمـــــــــك - للدكتور/ محمد حســــن داود (18 ربيع الآخر 1447هـ - 10 أكتوبر2025م)

 


خطبة بعنـــــــوان:
صحــــح مفاهيمـــــــــك
للدكتور/ محمد حســــن داود
(18 ربيع الآخر 1447هـ - 10 أكتوبر2025م)


   العناصـــــر :   
- تصحيح المفاهيم من القضايا الهامة التي اعتنى بها الشرع الحكيم.
- التعريف بمبادرة "صحح مفاهيمك" التي أطلقتها وزارة الأوقاف وبيان هدفها.
- الغش في الامتحانات، وبيان مخاطره.
- واجبنا تجاه الممتلكات العامة، وعواقب الاعتداء عليها.
- الخلافات الزوجية وأثرها وسبل علاجها.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، نحمده سبحانه على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن من القضايا الهامة التي اعتنى بها الشرع الحكيم، وأكد عليها القرآن الكريم، ونبهت إليها السنة النبوية المطهرة: "تصحيح المفاهيم"، وتنقيتها من كل ما يشوبها؛ فقد قال تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الملك: 22)، فالناظر في كتاب الله (عز وجل) يلحظ شواهد كثيرة على هذا الباب، على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: (ليْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ... الآية) (البقرة:177)، كما أن الناظر في سنة الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) يجد نماذجَ جليلة لتصحيح المفاهيم، كقوله (صلى الله عليه وسلمَ): "أتدرون من المفلس"، "أتدرون ما الغيبة"، أتدرون ما حق الجار".  فلا يخفى على أحد أن للأفكار والمفاهيم أثرا في حياة الأفراد والأسر والمجتمعات، إذ تشكل تصرفاتهم وأقوالهم وأفعالهم وآرائهم ومواقفهم.

كما لا يخفى على أحد أن طاعة الله (عز وجل) والفوز بجنته من جانب، والرقي والتقدم في الحياة من آخر لا يقومان إلا على مفاهيم صحيحة وتصورات قويمة، فالأفكار والمفاهيم محرك الإنسان، فإذا كانت صحيحة سليمة مستقيمة تحركتِ النفوس رقيا وتقدما، أما إذا اختلت المفاهيم واضطربت الأفكار تحركت النفوس تخبطا وضعفا وتأخرا.

لذلك تجد أن وزارة الأوقاف المصرية قد اهتمت بهذا الأمر اهتماما كبيرا، فأطلقت مبادرة: "صحـــح مفاهيمــــك" بهدف تصحيح المفاهيم الدينية، وتقويم السلوكيات المجتمعية الخاطئة، وترسيخ قيم الانتماء الوطني، والتأكيد على كل معاني محبة الوطن، ومواجهة السلوكيات والتصرفات والأفكار والمفاهيم الخاطئة وتصحيحها مستندة في ذلك إلى خطاب ديني رشيد، يخاطب العقول والقلوب، يعالج الظواهر السلبية بالتوعية والرحمة والحكمة والموعظة الحسنة.

وفي هذه الدقائق (إن شاء الله عز وجل) نقف سويا على ثلاثة من محاور هذه المبادرة الطيبة: (الغش في الامتحانات، وتخريب الممتلكات العامة، والخلافات الأسرية باعتبارها من أسباب الطلاق)،  لنظهر الصحيح فنقره، ونكشف السقيم فنقومه، ونبين الباطل فنرده:

* الغش في الامتحانات:

لقد جاء الإسلام بأصول راسخة، وقواعد متينة لحماية المجتمعات من الأخطار، وصيانة الأفراد من الأضرار، ومن تلك القواعد الحكيمة: تحريم الغش بكل صوره، وفي جميع مظاهره؛ حيث يسلب الثقة بين الناس، وينزع المحبة والألفة، ويهدم الصدق والتعاون؛ ويذهب بمعاني الأمانة، وقد قال الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ" (رواه أحمد).

وإن من أشد صور الغش: الغش في الامتحانات؛ فهو سلوك محرم، وعمل مذموم، يذهب ببركة العلم، يعطي نجاحا وتقدما لمن لا يستحق، ويحرم مجتهدا من ثمرة جهده، يضعف مستوى التعليم، ويفقد الشهادات مصداقيتها وقوتها، فينتج عن ذلك أناسا غير مؤهلين لتقدم ورقي وإبداع وابتكار، فيعجزون ولا ينتجون، ويتعثرون فلا يقومون، ويخطئون فيفسدون الأعمال والمهام أكثر مما يصلحون، ومن ثم فإن ضرر الغش في الامتحانات يقع على المجتمع كله.

إذن فلا يكمن ضرره بين طيات أوراق الامتحانات كما يظن البعض ويتوهم، بل يمتد ليصل إلى المجتمعات، إلى الأسر، إلى النفوس والسلوك أيضا؛ إذ يحبط روح الجد والاجتهاد، ويزرع في القلوب الوهن، وفي الجوارح الكسل، ويجعل النفوس ضعيفة متواكلة، لا تنهض بواجب ولا تتحمل مسئولية، يعود صاحبه على الكذب والتدليس، ويزين له الحقائق الزائفة، ويهون في نظره الخيانة والمكر، فمن تعود الغش في امتحاناته لم يأمن أن يغش في تجارته، أو معاملاته.

ولا يخفى على أحد أن التقدم والرقي لا يقومان إلا بسواعد الجد والعمل، بالهمة العالية، والعزيمة القويمة، لا بالغش، ولا بالتلاعب والمخادعة، لذلك ولغيره الكثير تجد التحذير النبوي صريحا واضحا لا خفاء فيه، حيث قال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي" (رواه مسلم)، إنها كلمة حاسمة فاصلة، تُخرج الغش من دائرة الهزل والمرح كما يظن البعض ويتوهم، إلى دائرة الخطورة والعواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة.

فاحذروا الغش فإنه يمحق بركة العلم، ويهدم القيم، واعلموا أن طريق الفلاح هو الصدق والاجتهاد، وأن من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل، ومن اعتمد على الغش خان نفسه قبل أن يخون غيره. فيما يجب أن نعلم أن من يساعد الغاش فقد نال من الوزر مثله، والله (عز وجل) يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: ٢).

* تخريب الممتلكات العامة:

إن من أجل مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الممتلكات، حفظ المال بصورة عامة فهو أحد شقي زينة الحياة الدنيا، وهو قوام حياة الناس، وانتظام أمر معايشهم، وتمام مصالحهم؛ وإذا كان الإسلام قد جعل للممتلكات والأموال الخاصة حرمة، فقد جعل للممتلكات العامة حرمة أعظم، فلها حماية بموجب الشرع مثل حماية المال الخاص بل أشد، وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة بها، وتعدد الذمم المالكة لها، ولقد علمتم أن سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنزل المال العام منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته وحرمة أخذه والتفريط فيه أو الاعتداء عليه، عندما قال: "إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم". والله (تعالى) يقول في مال اليتيم: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء: 10). ومن ثم فإن استباحة الممتلكات العامة والاعتداء عليها أمر خطير، وذنب عظيم، وجرم كبير، وضرب من الإفساد، ولقد قال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) (الأعراف: 85).

إن المحافظة على الممتلكات العامة وعدم الاعتداء عليها مطلب شرعي، وواجب وطني، وعمل إنساني، ومسئولية مجتمعية، وباب إلى الخير، أما ترى أن الاسلام عد كف الأذى عن الناس صدقة، إذ يقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "كُفَّ أَذَاكَ عَنِ الناس فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بها عن نَفْسِكَ" (رواه أحمد)، ولا شك أن كف الأذى عن الناس بالحفاظ على الممتلكات العامة لهو كف للأذى عن كل منتفع بها ليس عن فرد واحد، لذلك كان الحفاظ عليها فيه منفعة للمجتمع كله والضرر الواقع عليها واقع على المجتمع كله.

إن من أجل وأعظم وأزكي وأطيب سمات المجتمع المتحضر والمتعاون، أن يشعر كل فرد فيه بالآخرين، ويرى قمة سعادته في راحة أبناء مجتمعه، فيحب لهم ما يحب لنفسه ويساهم في تنمية ما ينفع المجتمع على مرور الأزمان وتعاقب الأجيال، فقد قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج 77)، وقال النبي (صَلى الله عليه وسلم): "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" (رواه مسلم) ويقول أيضا " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" (رواه الطبراني)؛ فواجبنا نحو الممتلكات العامة لا يقف عند عدم تخريبها أو إتلافها أو إنقاصها والأخذ منها بغير حق، أو بأي صورة من صور الاعتداء؛ علما بأن في الاعتداء عليها سوء مصير وعذاب اليم وقد قال تعالى: (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) (أل عمران: 161)، وعن سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ (رضي الله عنه)، قال رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ" (رواه مسلم).

 بل يمتد واجبنا نحوها فيشمل تنميتها ورعايتها والإسهام في تطويرها حتى يستمر عطاؤها، وتستفيد منها الأجيال بعد الأجيال، ولقد قال تعالى: (ومَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المزمل: 20)، فالإسلام ينادينا في كل زمان ومكان أن نحفظ للممتلكات العامة حقوقها، أن نحذر الاعتداء عليها، فالاعتداء عليها بأي صورة يعمي البصيرة عن الحق، ويضعف البدن عن الطاعة، ويوهن الدين، ويظلم القلب، ويقيد الجوارح عن العمل الصالح؛ ويقطع الطريق على تحقيق الأهداف وجني الثمرات المرجوة من هذه الممتلكات العامة، وفي ذلك الكثير من معاني الإيذاء للمجتمع ورسولنا (صَلى الله عليه وسلم) يقول: "‏الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ".

* الخلافات الأسرية باعتبارها من أسباب الطلاق:

إن الحياة لا تسير على الأسرة بوتيرة واحدة، ولا تمر الأيام على نسق واحد، ولا يهب النسيم عليلا داخل البيت على الدوام، فربما يَعصِف بالبيت السعيد عواصف وزعازع تحاول أن تذهب بالوفاق، أو تزرع الافتراقَ، وهنا لا ينبغي للزوجين إلا اللجوء إلى التفاهم للوصول إلى الوفاق، فالخير كله في الصلح والتوافق والتراضي والإحسان، لا في الشقاق والفراق والطلاق كما يظن البعض، فالطلاق ليس دائما هو العلاج الصحيح للمشكلات الأسرية كما يتوهم بعضنا، فقد يكون قرار الطلاق أكثر شرا من بقاء الحياة الأسرية، ومن ثم فإن الصبر، والحكمة، وأخذ الأمور بالروية هو الحل الصحيح والعلاج القوي، والنبي (صَلى الله عليه وسلم) يقول: "إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ" (رواه مسلم). ومن هذا يتبين لنا أن من العلاج أيضا الوعي  بأن القوامة مسئولية ورعاية للأسرة، لا تسلط ولا قهر، وأن مفهوم العشرة بين الزوجين تعاون واحترام، وتماسك وترابط، لا تملك، فلقد علمنا الإسلام أن مغفرة الزلات والصبر على الهفوات من أعظم أسباب استمرار واستقرار الحياة الزوجية، وقد روي أن سيدنا أَبَا الدَّرْدَاءِ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) قَالَ لِزَوْجَتِهِ: "إِذَا رَأَيتِينِي غَضِبْتُ فَرَضِّينِي، وَإِذَا رَأَيْتُكِ غَضِبْتِ رَضَّيْتُكِ، وَإِلَّا لَمْ نَصْطَحِبْ".

وتدبر معي سنة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ)، لنأخذ منها العبرة والعظة، ففي الاقتداء بحبيبنا (صلى الله عليه وسلمَ) صلاح الأحوال، وطيب المآل، والسعادة في الدنيا والفوز والنعيم في الآخرة؛ فعن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) أنه قال: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَسَمِعَ عَائِشَةَ وَهِيَ رَافِعَةٌ صَوْتَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ أُمِّ رُومَانَ وَتَنَاوَلَهَا أَتَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: فَحَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ جَعَلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ لَهَا يَتَرَضَّاهَا: "أَلَا تَرَيْنَ أَنِّي قَدْ حُلْتُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَكِ" قَالَ: ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ يُضَاحِكُهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشْرِكَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَشْرَكْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا" (رواه أحمد).

كما يقول سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (لا يفرك: أي لا يبغض) ففي ذلك الحكمة البالغة والعظة النابغة؛ لعلاج الهفوات، وتدارك الزلات بين الأزواج والزوجات، وفيه الموازنة العاقلة المنصفة بين الإيجابيات والسلبيات، والحسنات والسيئات، والنقائص والكمالات، فمَن الذي ما ساء قطُّ، ومن الذي له الحسنى فقط.

إن الطلاق ليس دائما هو العلاج الصحيح للمشكلات الأسرية، بل كما قلت قد يكون قرار الطلاق أكثر شرا من بقاء الحياة الأسرية؛ فعواقب الطلاق وجراحه وآلامه لا تنال من أحد أفراد الأسرة وحده، بل الحقيقة أنها تنال من الأسرة جميعها، بما فيها الأولاد، إذ يصطلون نار هذا الفراق بما يقعون فيه من مشكلات نفسية، واجتماعية، واقتصادية، وغيرها.

الطلاق معول صُلب يهدم صرح الأسر والبيوت، ينقل الأسرة من سعادة وهناء، إلى محنة وشقاء، فكم أبكى عيونا، وأجهش قلوبا، وروع أفئدة، وضيع أطفالا وبدل الفرح ترحا، والبسمة غصة؛ وزرع الشقاق بين الأرحام؛ ومن ثم فإن الشيطان حين يفلح في فك روابط أسرة فهو لا يهدم بيتا واحدا و لا يحدث شرا محدودا، وإنما يؤثر ذلك على المجتمع كله، لذلك كان أحب الأعمال إلى الشيطان هو هدم البيوت، كما قال رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ"(مسلم).

فتعاونوا على المودة والوئام، وابتعدوا عن كل ما يؤدي للتباغض، وغضوا الطرف عن الهفوات والزلات، ولا تنسوا الفضل بينكم؛ تهنأ الأسر وتسعد الأولاد.

اللهم  علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واحفظ مصر من كل مكروه وسوء
 واجعلها اللهم أمنا أمانا سخاء رخاء يا رب العالمين

محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----       اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  pdf    جوجل درايف      -----       اضغط هنا 

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent