خطبة بعنـــــوان:
البيئة هي الرحم الثاني والأم الكبرى
للدكتور/ محمد حســـن داود
(2 جمادى الأولى 1447هـ - 24 أكتوبر2025م)
العناصـــــــــــر :
- اهتمام الإسلام وعنايته بالبيئة.
- صور من الحفاظ على البيئة والعناية بها.
- الاعتداء على البيئة أمر مذموم، لا يتلبس به إلا من ساءت سريرته.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين،
الحمد لله الذي خلق الإنسان وكرّمه، وأسبغ عليه نعمه ظاهرةً وباطنة، وسخّر له ما
في السماوات وما في الأرض جميعًا منه، نحمده سبحانه على جزيل نعمه، ونشكره على فيض
مننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده
ورسوله، خير من حفظ النعم وأدى شكرها، وخير من سعى في عمارة الأرض واعتنى بأمرها، اللهم
صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وبعد
فإن الإسلام دين بناء لا هدم، وإصلاح
لا إفساد، دين صالح لكل زمان ومكان، يعتني بجميع جوانب الحياة، ومن أجلها عنايته
بالبيئة ودعوته إلى المحافظة عليها، وقد قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ
الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود: 61)، وقال سيدنا رسول الله (صلى الله
عليه وسلمَ): "إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ
مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ" (رواه مسلم)، وما
أعظم هذه الصورة الكريمة التي يدعو فيها سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ)
إلى الحفاظ على البيئة حتى في هذا الوقت العصيب؛ فعندما خرج المسلمون في غزوة مؤتة
وكذلك غيرها من الغزوات، يوصيهم النبي (صلى الله عليه وسلمَ) بوصايا كريمة يرتكز
الكثير منها على أمر الحفاظ على البيئة، فَكَانَ مِمَّا قَالَ: "لاَ
تَحْرِقُوا نَخْلاً، وَلاَ تَقْلَعُوا شَجَرًا، وَلاَ تَهْدِمُوا بَيْتًا".
إذن فالحفاظ على البيئة ليس أمرا على
هامش الدين والحياة، وإنما هو أحد شعب الإيمان، ومن دلائل البر والإحسان، فالمسلم
يغرس ولا يقطع، يصلح ولا يفسد، يبني ولا يهدم، يحسن ولا يؤذي، مفتاح للخير، مغلاق
للشر، أهل معروف في الدنيا ليكون أهل معروف في الآخرة.
يقول سيدنا الحبيب النبي (صلى الله
عليه وسلمَ): "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"، ومن جانب آخر فإن خلق الله (جل
وعلا) للكون من حولنا نعمة عظيمة موصوفة بالكمال والإتقان، قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ
كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (النمل: 88)، ومن ثم فإن كل لون
من ألوان الاعتداء على البيئة لهو صورة من صور الضرر، لهو صورة من صور التعدي على
هذه النعمة، فالبيئة هي الوعاء الذي يحيا فيه الإنسان منا، وهي أساس تقوم عليها
حياته ومعاشه، فكانت أمانة يجدر بنا أن نصونها ونحافظ عليها، ونستثمرها في الخير، إذ
إن المحافظة عليها عبادة وطاعة، والإفساد فيها معصية، وقد قال تعالى: (وَلَا
تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) (الأعراف: 56) يقول الإمام القُرطبي (رحمه الله)، في
(الجامع لأحكام القرآن): "نهَى عن كل فسادٍ قلَّ أو كثُر بعد صلاحٍ قلَّ أو
كثُر".
ولقد نوه القرآن الكريم بهذه النعم في
مواضع عدة، منها قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم
مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ
وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون) (النحل: 10- 11)، وقوله سبحانه: (وَهُوَ
الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً
وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ
فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل: 14)، وقال
عز وجل: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ
السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ
لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ
الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ
لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ
تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّار)
(إبراهيم: ٣٢، ٣٤).
إن في ذكر الله (عز وجل) للبيئة في
كتابه الكريم دعوة صريحة إلى شكر هذه النعم، وإن الشكر لا يكون باللسان فحسب، بل
بالفعل والعمل أيضا، وذلك بالمحافظة عليها وصيانتها ورعايتها، ومن يتدبر كتاب الله
(عز وجل) وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلمَ)َ يجد أن الإسلام قد أرسى قواعد ثابتة
وخط خطوطا واضحة للحفاظ على البيئة، ومن أهمها:
- الترشيد والاعتدال وعدم
الإسراف في
استخدام نعم الله (جل وعلا)، والتي منها الكهرباء والمياه؛ فالماء أصل للحياة، قال
تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ) (النور: 45)، ومصدر الحياة،
قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الانبياء: 30)، وهو
من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة، قال تعالى: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر: 8)، ويقول سيدنا النبي (صلى اللهُ عليه
وسلم): "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنْ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ
عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ظِلٌّ بَارِدٌ وَرُطَبٌ طَيِّبٌ وَمَاءٌ بَارِدٌ".
إن الناظر في أحوال بعض الناس يجد أنهم لما تعودوا وجود هذه النعمة وأَلِفُوها
كونها حاضرة بين أيديهم متى يريدونها يجدونها دون مشقة أو عناء، مما جعلهم قد
ينسون قدر هذه النعمة وشأن هذه المنة، ووجوب شكرها؛ والله (جل وعلا) يقول: (قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ
مَعِينٍ) (الملك:30)، ويقول: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ*
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ
نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة56-58)، وإن من شكرها:
الحفاظ عليها بحسن التصرف فيها، فنقطة ماء تساوي حياة، وإهدار نقطة ماء قد يعني
إهدار حياة، ومن ذلك كانت دعوة الإسلام إلى الاقتصاد والترشيد في استعماله؛ فأي
إسراف في استعمال الماء هو تصرف سيء وسلوك غير حميد، جاء النهي عنه صريحا في
القرآن الكريم، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ
مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31).
ولقد جسد لنا سيدنا الحبيب النبي (صلى
الله عليه وسلمَ) كثيرا من معاني المحافظة على الماء، فكان إذا اغتسل اغتسل
بالقليل، وإذا توضأ توضأ باليسير؛ فعن أنس (رضي الله عنه) قال: "كَانَ
النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَغْسِلُ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ،
بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ" (رواه
البخاري)(الصاع أربعة أمداد، والمد ملء اليدين المتوسطتين)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما)، أَنّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَرَّ بِسَعْدٍ (رضي الله عنه) وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَقَالَ:
"مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ، قَالَ:
"نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ" (رواه أحمد)، ولما جَاءَ
إليه رجل لِيَتَعَلَّمَ الوُضُوءَ، فَأَرَاهُ الوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ
قَالَ: "هَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا، فَقَدْ أَسَاءَ، أَوْ
تَعَدَّى، أَوْ ظَلَمَ". فإذا
كان الاقتصاد في استعمال الماء في العبادة مطلوبا وعملا مرغوبا؛ فالاقتصاد في غير
العبادة أولى، وإن كان الذي يغرف منه نهرا أو بحرا، بل وعدم إهداره فيما لا فائدة
منه ولا طائل أولى وأولى، فمن جار أو تجوز في استخدامه فوق الحاجة أو في غير ما
خصص له فقد (أساء – تعدى – ظلم).
- العناية بالنظافة: فلقد عني الإسلام بالنظافة عناية
بالغة، فلم يكتف بدعوة الإنسان إلى طهارة الباطن ونقاء القلب، بل استكمل الصورة
على المستوى المادي والشكلي، فأمر بنظافة الجسد والملبس والبيت والشارع والبيئة
المحيطة؛ ليكون الجمال والنقاء شعار المسلم في كل حال ومكان وزمان، وفى الحديث
يقول سيدنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ
يُحِبُّ الْجَمَالَ".
وإن من عظيم أمر النظافة أنها لم تقتصر
على جانب مستحب، بل جعلها الإسلام شرطا لصحة ركن من أركانه، وفريضة من فرائضه، وهي
الصلاة، فجعل الطهارة مفتاحها؛ قال تعالى: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ
أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ
تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم
مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ
عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (المائدة: 6) وعَنْ سيدنا عَلِيٍّ (رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ" (رواه أبو داود).
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بنظافة
البيئة ودعوته إليها أن حث على نظافة الجسد والملبس، وكذلك نظافة البيوت والمساجد:
فقد قال (صَلى الله عليه وسلم): "طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ" (رواه
الطبراني) وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، قَالَتْ: "أَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي
الدُّور، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ" (رواه أبو داود ).
كذلك تنظيف الأماكن العامة والطرق،
فذلك من شعب الإيمان؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ
وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ
الْإِيمَانِ " (رواه مسلم).. وهو من محاسن الأعمال؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ (رضي
الله عنه)، عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلمَ) قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ
أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ
أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِي
أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، لَا تُدْفَنُ" (رواه
مسلم) .. ومن الصدقات، فقد قال (صلى الله عليه وسلمَ): "وَتمِيطُ الأَذَى
عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ" (رواه مسلم).. ومن أجل الأعمال التي ينتفع بها
العبد، كما أنها باب إلى الجنة، فعنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ:
قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي
الْجَنَّةَ، قَالَ: "أَمِطِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ" (الأدب المفرد)
لذلك كان اهتمام الصحابة بذلك؛ فعَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ
الْأَشْعَرِيُّ الْبَصْرَةَ، قَالَ لَهُمْ: "إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ لِأُعَلِّمَكُمْ سُنَّتَكُمْ، وَإِنْظَافَكُمْ
طُرُقَكُمْ". ولقد أخبرنا الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) بخبر رجل رأى
غصن شوك في طريق المسلمين، فانظر ماذا فعل وماذا كان له، إذ يقول: "بينَما
رجُلٌ يمشي بطريقٍ وجَد غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ فأخَذه فشكَر اللهُ له فغفَر له"،
فتدبر: عمل قليل حول الطريق إلى أمان للمارة، فكان سببا في فضل كبير وهو المغفرة.
وكما دعا الإسلام إلى نظافة الطرق ومدح
أهل نظافتها نهى عن إيذاء الناس فيها بالتخلي أو إلقاء القاذورات، فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنَهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم): "اتَّقُوا اللعانين؛ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ
النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ ) وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ
أَسِيدٍ (رضي الله عنه)، أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلمَ) قَالَ:
"مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ
لَعْنَتُهُمْ" (الطبراني).
- زراعة الأشجار المثمرة: حيث إن زراعة الأشجار المثمرة من أعظم
صور نفع البيئة والإنسان معًا؛ فهي تمدنا بالغذاء، وتمنحنا الهواء النقي بما تنتجه
من الأكسجين، كما تسهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، غير ما لها من دور
فعّال في تحقيق التوازن بين الغازات في الغلاف الجوي، ولا أدل على عناية الإسلام
بذلك من قول الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ
وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى
يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ "، يُرْوَى أَنَّ رَجُلا مَرَّ بِأَبِي
الدَّرْدَاءِ، وَهُوَ يَغْرِسُ جَوْزَةً، فَقَالَ: أَتَغْرِسُ هَذِهِ وَأَنْتَ
شَيْخٌ كَبِيرٌ تَمُوتُ غَدًا، أَوْ بَعْدَ غَدٍ، وَهَذِهِ لَا تُطْعِمُ فِي كَذَا
وَكَذَا عَامًا؟! فَقَالَ: وَمَا عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ لِي أَجْرُهَا، وَيَأْكُلُ
مَهْنَأَهَا غَيْرِي".
إن الناظر في سنة الحبيب النبي (صلى
الله عليه وسلمَ) يجد ما يبين فضل هذا العمل ومكانته، ومن ذلك: ما جاء عَنْ سيدنا
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا،
أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ،
إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ" (متفق عليه)، وعنْ سيدنا جَابِرٍ (رضي الله
عنه)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا
مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً،
وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ
صَدَقَةٌ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ، وَلَا يَرْزَؤُهُ
أَحَدٌ (أي لا ينقصه ويأخذ منه) إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ" (رواه مسلم)، ليس
ذلك وفقط بل يجري عليه أجر زرعه ما أكل الناس منه، وإن مات، فعَن أَنَسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُول اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم): "سَبْعٌ يَجْرِي
لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، وهُو فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ
عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلا، أَوْ
بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ
بَعْدَ مَوْتِهِ" (مسند البزار).
إن الاعتداء على البيئة أمر مذموم، لا
يتلبس به إلا من فسد ذوقه، وساءت سريرته، وقد ربط القرآن الكريم بين فساد البيئة
وفساد الإنسان، كما في قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: ٤١)، مما يعني أن الفساد البيئي إنما هو انعكاس
لفساد النفوس، بما تحمله من جشع وإسراف، وتعد على حقوق الآخرين، وتهاون في الأمانة
التي حملها الله للإنسان في الأرض؛ ومن هنا فإن إصلاح البيئة ضرورة شرعية وحضارية،
غير أنه لا يتحقق على وجهه إلا بإصلاح النفوس؛ إذ إن صلاح النفس هو الأساس، وبه
تصلح الأرض، وتبنى الحضارة، وتصان الأمانة التي استخلف الله الإنسان فيها؛ ولقد ذكر
الإمام الطبري (رحمه الله) في (جامع
البيان) أن الْأَخْنَس بْن شَرِيقٍ أتى النبي (صلى الله عليه وسلمَ) مظهرا
الإسلام، ومحبة النبي (صلى الله عليه وسلمَ) فأدناه النبي (صلى الله عليه وسلمَ)
من مجلسه، ولما خرج من عنده (صلى الله عليه وسلمَ) مر بزرع لقوم من المسلمين وحمر،
فأحرق الزرع، وعقر الحمر، فأنزل الله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ
قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ
فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة:
204-205)، فكان من مظاهر الفساد، وسوء الطوية، إفساد البيئة.
اللهم اهدنا لأحسن
الأخلاق واصرف عنا سيئها واحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ----- اضغط هنا