recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان: تطبيقات حسن الخلق- للشيخ / محمد حســـــــن داود (17 شوال 1445هـ - 26 أبريل 2024م)

 

خطبة بعنـوان:
تطبيقات حسن الخلق
للشيخ / محمد حســـــــن داود
(17 شوال 1445هـ -  26 أبريل 2024م)

العناصـــــر :    مقدمة.
- الأخلاق ومدى ارتباطها بالإسلام والإيمان.

- الأخلاق ومدى ارتباطها بالعبادات.
- النبي (صَلى الله عليه وسلم) أحسن الناس خُلقا.
- من تطبيقات حسن الخلق.
- فضل حسن الخلق والسلوك، وعواقب سوء الخلق.
- دعوة إلى تحقيق معاني حسن الخلق.

الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة 177) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" (رواه أحمد) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

لقد جاء الاسلام لتزكية النفوس وتقويم الأخلاق وإصلاح الباطن والظاهر، جاء لتحقيق أنبل الطباع وأحسن الأخلاق وأفضل الخصال، وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم)، يعلن هذا قائلا: " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" (رواه أحمد).

فالناظر في الشريعة الإسلامية يجد مدى ارتباط الأخلاق بالإسلام؛ فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "المسلم مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".

كما يجد مدى ارتباطها بالإيمان؛ فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" (رواه أبو داود) وقال: "لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ " (متفق عليه) وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قَالَ " مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ" (رواه البخاري) وفي ذلك بيان لمكانة الأخلاق من الإيمان.

كما أن من حكمة مشروعية العبادات والطاعات تهذيب النفوس، وتزكيتها، وتربيتها على الأخلاق الفاضلة؛ فالصلاة بسجودها وركوعها وأذكارها تطهِّر النفس من الكبر، وتذكِّرها بالاستقامة على أمر الله (سبحانه وتعالى)، كما تذكرها بوقوفها للحساب يوم القيامة، فتدعو مقيمها الى البعد عن المعاصي والذنوب، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت 45).

وكذلك في الزكاة تطهير للنفس البشرية من رذيلة البخل والطمع والجشع، كما تجعل الإنسان متعاونا، إذ يواسى الفقراء، ويساعد المحتاجين، ويقيم المصالح العامة، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة 103).

وفي الصيام تعتاد النفس ضبط شهوتَي البطن والفرج، ويرتقي القلب والجوارح إلى  درجة التقوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 183) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): " ليس الصيامُ من الأكلِ و الشربِ، إنما الصيامُ من اللَّغوِ و الرفَثِ".

وانظر كيف أن الحج يبث القيم الأخلاقية الأصيلة في النفوس البشرية، وكيف يكون له التأثير في تربية النفس الإنسانية، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (البقرة 197).

ولك أن تتدبر هذا التسلسل والتناوب بين الآيات التي في صدر سورة المؤمنين؛ اذ تجد آية تتحدث عن العبادة، والتي تليها تتحدث عن الأخلاق، مما يدل على مدى قوة العلاقة بين العبادات والأخلاق؛ قال تعالى: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (المؤمنون 1-9).

ولقد عُرف النبي (صَلى الله عليه وسلم)، بأنبل الصفات، وأرفع القيم، وأجمل الخصال، وأحسن الأخلاق، قال الله (جل وعلا) في حقه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم4) و لما سُئلت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) عن خُلُقه، قالت: "كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ" وها هي أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) تتحدث عن شيء من صفاته وأخلاقه، فتقول له: " فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ".

فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ     ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ     غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ

فلقد كان النبي (صلى الله عليه وسلمَ)؛ أكمل الناس خَلقا وخُلقا، وأرجحهم عقلا، وأكثرهم أدبا، وأوفرهم حلما، وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة، وأكرمهم نفسا، وأعظمهم إنسانية ورحمة، وألينهم كلاما، وأحسنهم قولا، وأجملهم حديثا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا" (رواه البخاري).

كان أصدق الناس حديثا وأكثرهم أمانة، وأعظمهم جودا وكرما؛ بل كان أجود بالخير من الريح المرسلة؛ إن أُرسلت إليه صدقة، كانت للفقراء، وإن أُهديت إليه هدية أشركهم فيها، لا يبخل بمال ولا طعام، بل يشاركهم طعامه، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "مَا بَقِيَ مِنْهَا؟ " قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا، قَالَ "بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا" (رواه الترمذي).

يحفظ المعروف، ويعرف لكل ذي فضل فضله، إذ يقول عن أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها)" مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ" (رواه أحمد) ويقول في أبى بكر (رضي الله عنه) " إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ "(رواه البخاري).

كما كان صلى الله عليه وسلمَ، أجمل الناس صحبة وأحسنهم عشرة، فهو الزوج نعم الزوج، هو صَلى الله عليه وسلم القائل "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا". وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، أَنَّهَا سُئِلَتْ : كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا خَلا فِي بَيْتِهِ، قَالَتْ" كَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ وَأَكْرَمَ النَّاسِ وَكَانَ رَجُلا مِنْ رِجَالِكُمْ إِلا أَنَّهُ كَانَ ضَحَّاكًا بَسَّامًا ".

إذن فمن تطبيقات حسن الخلق غير ما ذكرنا: حسن القول: فقد قال الله تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء53) وقال سبحانه: (َوقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة 83) ويقول صَلى الله عليه وسلم " إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ ".

- صدق الحديث: فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (َصَلى الله عليه وسلم): عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

- الجود والكرم:، فقد قال تعالى: (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (البقرة: 227)، ويقول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): " اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكُرَماءَ ، جوادٌ يُحبُّ الجَوَدَةَ ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ".

- أداء الأمانات والوفاء بالعهود: فعن أَنَسِ بْنِ مَالِك قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ (صلى اللهُ عليه وسلم) إِلاَّ قَالَ: " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ".

- صلة الرحم وحسن الجوار: فقد قال صلى اللهُ عليه وسلم: "صلةُ الرحمِ، و حسنُ الخلقِ، و حسنُ الجوارِ، يَعْمُرْنَ الدِّيارَ، و يَزِدْنَ في الأَعْمَارِ".

- الرحمة بالضعيف والصغير، وتوقير الكبير: فقد قال صلى عليه وسلم: "ابْغُونِي فِي ضُعَفَائِكُمْ؛ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ"، وقال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا " (رواه الترمذي وأبو داود)... هذا وغيره الكثير والكثير، فحسن الخلق  يشمل بذل المعروف، وكف أذاك عن الناس.

إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه ،فقد قال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة177)، وعَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ؟ فَقَالَ: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ" (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم "خيارُكم أحاسِنُكم أخلاقًا" (متفق عليه). ولقد حفلت السنة النبوية المشرفة بأمثلة كثيرة لأناس ساءت أخلاقهم مع كثرة عبادتهم وطاعتهم، فانظر كيف كان أمرهم؛ ومن ذلك ما روي عن أَبَى هُرَيْرَةَ أنه قال : " قِيلَ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، قَالُوا : وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " (الأدب المفرد للبخاري). ومن ثم فما من شيء أثقل في ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقى سلوكه ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ : "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " (رواه الترمذي)، وقال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ" (رواه أبو داود) فالأخلاق الحسنة هي شِعار المؤمنين، وحِليَة المحسِنين، وسببٌ لطيب الحياة والفوز والفَلاح والسعادة وعلو الدرجات في الدارَيْن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ"( شعب الإيمان للبيهقي).

وإذا سألت من أقرب الناس مجلسا من الرسول (صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة لوجدت أن منهم أحسن الناس أخلاقا، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا" رواه الترمذي)، وكما أن للأخلاق الحميدة والسلوك الحسنة أثر طيب على العبد فان لسوء السلوك أثره السيئ على العبد فلقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) "وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ".

فما أحوجنا أن نتمسك بوصية النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ يقول: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ". فنعيش بالقلب والجوارح معاني هذه الوصية النبوية، ونتأسى برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ونأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وأخلاقه، وفي سائر أحواله، فقد قال تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) (الأحزاب21).

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
 
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

google-playkhamsatmostaqltradent