خطبة بعنـــــوان :
السنة النبوية المشرفة
ومكانتها في التشريع
للشيخ / محمد حســن داود
السنة النبوية المشرفة
ومكانتها في التشريع
للشيخ / محمد حســن داود
رابط بديل word
( جوجل درايف) اضغط هنا
رابط بديل
pdf( جوجل درايف)
اضغط هنا
العناصـــــر :
- السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع .
- دعوة القرآن الى طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والاخذ بالسنة .
- منزلة السنة النبوية من القرآن الكريم .
- أثر الاخذ بالسنة النبوية وفضائله .
- السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع .
- دعوة القرآن الى طاعة النبي صلى الله عليه وسلم والاخذ بالسنة .
- منزلة السنة النبوية من القرآن الكريم .
- أثر الاخذ بالسنة النبوية وفضائله .
الموضـــــوع: الحمد
لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) آل عمران164) وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه
الشريف :" إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا
أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" رواه الحاكم في المستدرك) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فلقد ختم الله
جل وعلا النبوة ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكان نورا فاض على العالم برسالته،
استنارت منه المشارق والمغارب، فملأ الله به القلوب إيماناً، وشمل البسيطة رحمة وخيراً
وسلاما، طهر الله به الأخلاق من الرذائل، وزينها بالمكارم والفضائل، قال تعالى ( هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ
لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )الجمعة2) فالكتاب هو القرآن الكريم، المعجزة الخالدة، والنعمة
الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، والنور المبين، والشفاء النافع، من قرأه
أُجر، ومن تدبره تذكر، ومن قال به صدق، ومن نطق به أصاب، ومن تمسك به نجا، ومن اتبعه
هُدي إلى صراط مستقيم، قال تعالى ( إِنَّ هَٰذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
كَبِيرًا )الاسراء9) أما الحكمة فهي السنة النبوية المطهرة،(وتشمل قوله صلى الله
عليه وسلم، وفعله، وتقريره) وهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم.
ومن يتدبر الآيات يجد أن السنة النبوية قرنت
بالقرآن الكريم، مما يدل على مكانتها ومنزلتها ودرجتها؛ ففي مقام الامتنان على النبي
صلى الله عليه وسلم، يقول الله سبحانه وتعالى ( وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ
عَظِيمًا ) النساء113) وفي مقام الامتنان على أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ يقول الله
جل وعلا ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) الأحزاب34) وفي مقام الامتنان على المؤمنين؛
يقول سبحانه ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ
مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ) البقرة231) ، وقال عز وجل ( لَقَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)
آل عمران164).
والسنة وحي من
الله جل وعلا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن هوى؛ قال الله تعالى (وَالنَّجْمِ
إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى
* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ( النجم1-4)، وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، قال: كنتُ
أَكتُبُ كلَّ شيءٍ أَسمَعُهُ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أُرِيدُ حِفْظَهُ،
فنَهَتْنِي قُرَيشٌ، وقالوا: أَتكتُبُ كلَّ شيءٍ تَسمَعُهُ ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ
عليه وسلَّم بَشَرٌ يَتكلَّمُ في الغضبِ والرِّضا؟ فأَمسَكْتُ عن الكِتابِ، فذَكَرْتُ
ذلكَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَوْمأَ بأُصبُعِهِ إلى فيه، فقال:
"اكتُبْ؛ فوالَّذي نفْسي بيدِهِ، ما يَخْرُجُ منه إلَّا حقٌّ" رواه ابو داود)
وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ
الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ".
ولقد حفل القرآن
الكريم بآيات تحثنا وتدعونا الى طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والاخذ بسنته، فقال
تعالى ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر ) وقال جل وعلا (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن
يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) النور 51) وما
زال القرآن يؤكد على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قرن الاستجابة للنبي صلى الله
عليه وسلم بالاستجابة لله تعالى، وقرن طاعته صلى الله عليه وسلم بطاعته سبحانه
وتعالى؛ فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)الأنفال 24) ، وقال سبحانه )وَأَطِيعُوا اللَّـهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ
رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ(المائدة92) بل جعل الله جل
وعلا طاعة النبي صلى الله عليه وسلم من طاعته سبحانه، فقال تعالى( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ
فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)النساء 80) فطاعته صلى الله عليه وسلم، من لوازم الإيمان بالله
ومحبته، قال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ) آل عمران 31) وقال عز وجل (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا
قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
الاحزاب 36) وفى مقابل ذلك يقول الله جل وعلا (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ
عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور63)
ويقول سبحانه (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا )النساء65) وكذلك من ينظر في نصوص السنة النبوية، يجد الأمر بطاعة النبي
صلى الله عليه وسلم، والاخذ بسنته، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ
إِلَّا مَنْ أَبَى ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنْ يَأْبَى ؟ ، قَالَ : مَنْ
أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى " رواه البخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ
اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ "رواه البخاري) ويقول أيضا
" فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " وعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ
مَعْدِ يكَرِبَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى
أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ
حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا
حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ
" رواه الترمذي) وعن جابر ابن عبد الله قال " جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ
: إِنَّهُ نَائِمٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ
، فَقَالُوا : إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلًا ، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلًا ، فَقَالَ
بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ نَائِمٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ
يَقْظَانُ ، فَقَالُوا : مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً
وَبَعَثَ دَاعِيًا ، فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِيَ دَخَلَ الدَّارَ وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ
، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّاعِيَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ
، فَقَالُوا : أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّهُ نَائِمٌ
، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ ، فَقَالُوا
: فَالدَّارُ الْجَنَّةُ ، وَالدَّاعِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ
، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ
... " رواه البخاري) وعن ابْنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أنه قال: " ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثٍ
، لَمْ تُقْبَلْ مِنْهَا وَاحِدَةٌ بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا، إحْدَاهَا: قَوْله تَعَالَى:
( أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) النساء59) فَمَنْ أَطَاعَ الله وَلَمْ يُطِعْ
رَسُولَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ، وَالثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى: ( وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) البقرة43) فَمَنْ صَلَّى وَلَمْ يُزَكِّ لَمْ يُقْبَلْ
مِنْهُ ، الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ )لقمان 14) فَمَنْ شَكَرَ الله وَلَمْ يَشْكُرْ وَالِدَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ
مِنْهُ ".
ومن يمعن النظر
يعلم مكانة السنة النبوية من القرآن الكريم ومدى الضرورة وشدة حاجة الناس إلي
السنة النبوية؛ فهي مجلية لمعاني القرآن، شارحة لألفاظه ومبانيه؛ فقد اشتمل القرآن
الكريم على مبهمات جاء في السنة بيانها، واشتمل على مجملات جاء في السنة تفصيلها، وتضمن
عمومات جاء في السنة تخصيصها، وجاءت قضايا في القرآن على إطلاقها، كان في السنة تقييدها.
فمن السنة ما جاء
شارحا للقران الكريم؛ ومن ذلك ما جاء عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، أنه قَالَ: لَمَّا
نَزَلَتْ ( حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ)
عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ
وِسَادَتِي فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي فَغَدَوْتُ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ
لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ
" رواه البخاري)
ومنها ما جاء مفصلا
لما أجمل في القرآن؛ وذلك مثل الأمر بالصلاة والزكاة والصيام والحج؛ فقد جاء الامر
بهم في القرآن مجملا اذ يقول الله جل وعلا (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة43) وقال سبحانه (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ
عَنِ الْعَالَمِينَ ) ال عمران97) أما تفصيل الافعال والاقوال، فلم يُذكر ذلك في القرآن،
وانما كان ذكره في السنة النبوية المطهرة؛ ففي الصلاة: يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
" صلُّوا كما رأَيتُموني أُصلِّي" فكان التفصيل بفعله، وكذلك بقوله صلى الله
عليه وسلم، كما جاء في الحديث: " إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ
اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القرآن، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئنَّ جَالِساً، ثُمَّ افْعَلْ ذلِكَ فِي كُلِّ صَلاَتِكَ
كُلِّهَا". ولقد جاء عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: أَنَّ رَجُلا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ
عَنْ شَيْءٍ فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: "حَدِّثُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ
وَلا تُحدِّثُوا عَنْ غَيْرِهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ، أَتَجِدُ فِي كِتَابِ
اللَّهِ أَنَّ صَلاةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا لا يُجْهَرُ فِيهَا، وَعَددَ الصَّلَوَاتِ
وَعَدَدَ الزَّكَاةِ وَنَحْوَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ
اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أبهمَ هذا وَالسُّنَّةُ تُفَسِّرُ ذَلِك" وفي الحج قال صلى الله عليه وسلم " خُذُوا عَنِّي
مَنَاسِكَكُمْ "، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ
حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قُلْتُ
نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ". عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ:
لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ"
فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: "ارْمِ
وَلاَ حَرَجَ " فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: " افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ" متفق
عليه) فلله الفضل والمنة اذ يقول في كتابه ﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين
لهم ﴾ إبراهيم4)
ومنها ما جاء مخصصا
لعام، ومن ذلك: قسمة المواريث في قول الله تعالى ﴿ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ...﴾ النساء 11)، اذ خصصت السنة النبوية من
ذلك ميراث الأنبياء؛ فهو صدقة، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رضي الله عنهن حِينَ تُوُفِّيَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ
إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله
عنها: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ
نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ" متفق عليه) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ
نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ" رواه البخاري)
ومنها ما جاء مقيدا
لمطلق، ومن ذلك إطلاق الوصية في القرآن في قول الله تعالى﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ
بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ النساء11) فجاءت السنة مقيدة هذا الإطلاق بالثلث فقط، وأنه لا
يجوز للموصي أن يوصي لأحد بأكثر من الثلث؛ لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه
قال: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَعُودُنِي وأَنَا مَرِيضٌ بمَكَّةَ،
فَقُلتُ: لي مَالٌ، أُوصِي بمَالِي كُلِّهِ؟ قالَ: "لا " قُلتُ: فَالشَّطْرِ؟
قالَ: "لا" قُلتُ: فَالثُّلُثِ؟ قالَ: "الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثِيرٌ،
أنْ تَدَعَ ورَثَتَكَ أغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِن أنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ
النَّاسَ في أيْدِيهِمْ، ومَهْما أنْفَقْتَ فَهو لكَ صَدَقَةٌ، حتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا
في فِي امْرَأَتِكَ، ولَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ، يَنْتَفِعُ بكَ نَاسٌ، ويُضَرُّ
بكَ آخَرُونَ" رواه البخاري)
ومن هنا يتبين أنه لا يمكن فهم جميع آيات القرآن
الكريم والوقوف على مقاصده بدون السنة النبوية المشرفة، بل لا سبيل الى فهم الدين فهما
صحيحا والوقوف على جميع أحكام الشريعة الاسلامية بدون السنة النبوية المطهرة، لما لها
من أحكام أختصت بها.
إن الاخذ بالسنة
النبوية باب الخيرات والفضل والبركات ونزول الرحمات قال تعالى (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )النور56) وفي الاخذ بها ضمان بالهداية وأمان من الضلالة قال
تعالى (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ
مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ
نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رواه الحاكم في المستدرك) كما
أن الاخذ بها سبيل الفوز والفلاح، قال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) النساء 69) وقال سبحانه (وَمَن يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )النساء13) ويقول جل وعلا (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور52)
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يحفظ
مصر من كل مكروه وسوء .
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس