خطبة بعنـــــوان :
عناية القرآن الكريم بالقيم الأخلاقية
للشيخ / محمد حســن داود
عناية القرآن الكريم بالقيم الأخلاقية
للشيخ / محمد حســن داود
العناصـــــر :
- الاخلاق ومدى ارتباطها بالإسلام والايمان .
- الأخلاق ومدى ارتباطها بالعبادات .
- عناية القرآن بالقيم الأخلاقية .
- حاجتنا إلى تحقيق حسن الأخلاق وطيب السلوك.
- الاخلاق ومدى ارتباطها بالإسلام والايمان .
- الأخلاق ومدى ارتباطها بالعبادات .
- عناية القرآن بالقيم الأخلاقية .
- حاجتنا إلى تحقيق حسن الأخلاق وطيب السلوك.
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا )الاسراء9) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف "إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جاء الاسلام لتزكية النفوس وتقويم الأخلاق وإصلاح الباطن والظاهر؛ جاء لتحقيق أنبل الطباع وأحسن الأخلاق وأصلح الخصال، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم، يعلن هذا قائلا " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ" رواه أحمد)
والناظر في الشريعة الاسلامية يجد مدى ارتباط الأخلاق بالإسلام؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلم مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" كما يجد مدى ارتباطها بالإيمان؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" رواه أبو داود) وقال صلى الله عليه وسلم" لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ " متفق عليه) وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ" رواه البخاري) وفي ذلك كله بيانا لمكانة الاخلاق من الدين.
فمن يتدبر القرآن الكريم يرى مدى عنايته بالقيم الأخلاقية؛ قال الله تعالى ( إِنَّ هَٰذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا )الاسراء9) حتى بين القرآن الكريم أن من حكمة مشروعية العبادات والطاعات تهذيب النفوس، وتزكيتها، وتربيتها على الأخلاق الفاضلة؛ فالصلاة بسجودها وركوعها وأذكارها تطهِّر النفس من الكبر، وتذكِّر النفس بالاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى، كما تذكرها بوقوفها للحساب يوم القيامة، فتدعو صاحبها ومقيمها الى البعد عن المعاصي والذنوب، قال تعالى ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ العنكبوت 45) ولهذا لما قيل للرسول صلى الله عليه وسلم، إِنَّ فُلانًا يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ، قَالَ: " سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ " رواه ابن حبان) وكذلك الزكاة؛ تطهير للنفس البشرية من رذيلة البخل والطمع والجشع، وتجعل الإنسان متعاونا حريصا على أخيه المسلم، إذ يواسى الفقراء ،و يسد حاجتهم ،و يساعد البؤساء منهم و المحرومين، ويقيم المصالح العامة، قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة 103) وفي الصيام تعويد للنفس على ضبط شهوتَي البطن والفرج، والرقى بالقلب والجوارح إلى درجة التقوى، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة 183) وانظر كيف أن الحج يبث القيم الأخلاقية الأصيلة في النفوس البشرية ،وكيف أن له التأثير في تربية النفس الإنسانية، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة 197) ولك أن تتدبر هذا التسلسل، والتناوب بين الآيات التي في صدر سورة المؤمنين؛ اذ تجد آية تتحدث عن العبادة، والتي تليها تتحدث عن الاخلاق؛ قال تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) المؤمنون 1-9).
ولعل من أجل القيم الأخلاقية التي نالت عناية القرآن الكريم :
- الانسانية: فالإسلام دين يحترم الإنسان وآدميته بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو المعتقد، قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الاسراء70) ومن تأكيد الإسلام على قيمة الإنسانية في اسمي المعاني دعانا إلى حسن الصلة مع الناس جميعا، إذ يقول الله جل وعلا (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة8) وعظم اجر كل ما كان فيه نفع للناس ولو قل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بيْنَما رجُلٌ يمْشِي بِطريقٍ وَجَدَ غُصْن شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ، فأخَّرُه فشَكَر اللَّهُ لَهُ، فغَفر لَهُ" وعد الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عد تقديم الخير لنفس كتقديم الخير للبشرية كلها، قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) المائدة32).
- التعاون على الخير وما ينفع الناس؛ قال تعالى ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المائدة 2) وقال سبحانه (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الحج77) وقال جل وعلا (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)البقرة 148) وإلى هذا ايضا كانت دعوة السنة النبوية؛ فللتعاون والتكافل أثر عظيم في وحدة المجتمع ونشر المودة والمحبة والالفة، كما أنه طريق نحو التقدم والرقي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم" الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ" رواه البخاري) وعَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى " متفق عليه) وعن ابن عمرَ رضي اللَّهُ عنهما: أَن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: المسلمُ أَخو المسلم، لا يَظلِمُه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كَانَ فِي حاجةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ فِي حاجتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسلمٍ كُرْبةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بها كُرْبةً مِنْ كُرَبِ يوم القيامةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ الْقِيامَةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)
- بر الوالدين وصلة الارحام وحسن الجوار؛ يقول تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا )النساء36)
- الإقبال على الناس، وطلاقة الوجه في لقائهم، فقد قال تعالى (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان18) وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" رواه مسلم ) وعَنْه أيضا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:" تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ" رواه الترمذي) ولقد ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش، وقد طمع في إسلامه، وبينما هو يخاطبه إذ أقبل ابن أم مكتوم فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء ويلح عليه، وود النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل؛ رغبة في هدايته. وعبس في وجه ابن أم مكتوم وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فنزل قوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى) سورة عبس 1/ 10) فإذا كان الله جل وعلا نهى عن العبوس في وجه من لا يرى فكيف يكون الأمر مع من يرى ؟
- حسن الكلام : فقد قال الله جلا وعلا (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ) البقرة 83) وقال عز وجل (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً) الإسراء53) فمن أراد لنفسه فوزا وفلاحا، ولعمله قبولا وصلاحا، ولذنبه غفرانا، فعليه بحفظ اللسان عن سيء الكلام، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ" رواه البخاري) فحسن الكلام سبيل لصلاح الأعمال، ومغفرة الذنوب، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) الأحزاب70/71) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ موجِباتِ المغفرةِ بذلُ السلامِ، وحُسْنُ الكلامِ ". كما أنه وقاية لصاحبه من النار، فعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " البخاري)
- اداء الأمانات وحفظها؛ فذلك من أخص الأخلاق والفضائل التي تحفظ بها الواجبات، وتستقيم بها موازين الحياة، ولقد قال الله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) النساء58) فحفظ الامانات قيمة نبيلة، وخلق جليل، وصفة حميدة، فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما لم تحملها السماوات والأرض والجبال لعظمها وثقلها، قال تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً )الأحزاب72) وعليه فإن للأمانة مكانة عظيمة، وقدر جليل، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا قَالَ" لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ " رواه احمد والبزار ) وإذا نظرنا إلى كلمة الأمانة فإننا سنجد فيها معنى الأمان والاطمئنان؛ فكأن الأمن والطمأنينة والراحة والاستقرار مرهونة كلها بتحقيق الأمانة على وجهها الصحيح؛ ومن ثم فان الأمانة أم الفضائل، هي لؤلؤة نفيسة، خلق يجمع أخلاق، وصفة تجمع صفات؛ فالأمين صادقا، حييا، عفيفا، جوادا، رحيما، مخلصا، متقنا، وفيا، يجمع مكارم الأخلاق صغيرها وكبيرها. وكما أن الأمانة عظيمه في قدرها فهي واسعة في دائرتها ، فلم تكن الأمانة قاصرة على أداء الأموال أو الوفاء بالعهود فقط، بل إن الأمانة لتسع المشارق والمغارب من أمور الدين والدنيا ، فتشمل كل ما يوكل للمرء من عمل ويكلف به من أمر؛ وكفى في فضلها أنها طريق الي الفلاح في الدنيا والآخرة فقد قال الله جل وعلا في صفات أهل الصلاح والفلاح (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) المؤمنون8)
- وفي الصدق والحث عليه، وفي الكذب والنهي عنه، يقول جل وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ التوبة 119) ويقول سبحانه﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ غافر 28)، ويقول عز وجل﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ التوبة 77).
- وفي إعلاء مقام الصبر بجميع أنواعه، والرضا؛ يقول عز وجل ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾البقرة 155 – 157)، وقال عز وجل: ﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ البقرة 177)، وقال سبحانه ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ﴾ الفرقان 75).
- وفي النهي عن الإسراف والتبذير يقول جل وعلا ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ الإسراء 26، 27)
- وفي التفكر والتدبر وإعمال العقل؛ يقول جل وعلا (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) ال عمران 190، 191).
- وفي اصلاح ذات البين؛ يقول جل وعلا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )الحجرات10) وقال سبحانه ( لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )النساء114)
هذا غيض من فيض؛ فعناية القرآن بالأخلاق لا يمكن ان نجمعها في سطور أو دقائق معدودة؛ ولكن ما ينبغي لنا أن نجمعه هو هذه القيم النبيلة والسلوك الطيبة التي دلنا عليها القران والسنة؛ استجابة لأمر الله جل وعلا، وسيرا على نهج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خُلُقه، صلى الله عليه وسلم، قالت" كَانَ خُلُقُهُ القرآن " وها هو القرآن يتحدث عن خلقه صلى الله عليه وسلم، اذ يقول المولى جل وعلا ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم4).
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ *** ولم يدانوه في علمٍ ولا كـــــــــــرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وكلهم من رسول الله ملتمــــسٌ *** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه، فقد قال تعالى ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ البقرة 177) ويقول صلى الله عليه وسلم " خياركم أحاسنكم أخلاقًا " متفق عليه) ولقد حفلت السنة النبوية المشرفة بأمثلة كثيرة لأناس ساءت اخلاقهم مع كثرة عبادتهم وطاعتهم فتدبر أمرهم؛ فقد جاء عن أَبَى هُرَيْرَةَ انه قال: " قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ ، وَتَفْعَلُ ، وَتَصَّدَّقُ ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، قَالُوا : وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ "الأدب المفرد للبخاري) ومن ثم فإن تسأل عن أهل الفوز والفلاح بأقرب المجالس من الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ لوجدت أن أحسن الناس أخلاقا هم اقرب مجلسا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحب الناس إليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) رواه الترمذي) فما احوجنا الى تحقيق حسن الاخلاق وطيب الصفات فهو سبيل النجاح والفلاح وقد قال تعالى ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) الشمس7-10 ) .
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها
وأحفظ مصر من كل مكروه وسوء .
وأحفظ مصر من كل مكروه وسوء .
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس