خطبة بعنـــــوان :
القيم الإنسانية في سورة الحجرات
للشيخ/ محمد حســن داود
القيم الإنسانية في سورة الحجرات
للشيخ/ محمد حســن داود
العناصـــــر :
- اهتمام القرآن الكريم بالأخلاق والسلوك. - تحقيق الاخوة، والإصلاح بين الناس.
- وجوب التثبت والتبين من الأخبار. - النهي عن سوء الظن بالغير.
- اجتناب الغيبة. - عدم السخرية من الناس.
- دعوة الى تقوى الله جل وعلا والتحلي بطيب الاخلاق.
- اهتمام القرآن الكريم بالأخلاق والسلوك. - تحقيق الاخوة، والإصلاح بين الناس.
- وجوب التثبت والتبين من الأخبار. - النهي عن سوء الظن بالغير.
- اجتناب الغيبة. - عدم السخرية من الناس.
- دعوة الى تقوى الله جل وعلا والتحلي بطيب الاخلاق.
الموضـــــوع: الحمد
لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (إِنَّ هَٰذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي
هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ
لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) الاسراء9) وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه
الشريف:" إنَّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخلاق" رواه أحمد)اللهم صل
وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فكما أهتم القرآن الكريم بالعقيدة والعبادة، كان له اهتماما كبيرا وعناية
فائقة بالأخلاق والسلوك والمعاملات، فما من سورة من سوره إلا وتهدف إلى تربية الإنسان
وتهذيبه وإصلاحه، قال الله تعالى (إِنَّ هَٰذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ
وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا
كَبِيرًا ) الاسراء9) وما أعظم أن نعيش في هذه الدقائق، من هذا اليوم الكريم المبارك،
مع كتاب الله جل وعلا، في رحاب آيات بينات، نستلهم منها النفحات والعظات، ونجنِي أطايب
الثمرات، من سورة الآداب والأخلاق "سورة الحجرات"، فهي مدرسة طيبة عظيمة؛
جاءت بعظيم القيم الانسانية النبيلة، والسلوك العالية الكريمة، والاخلاق الطيبة العظيمة،
ومن ذلك :
- تحقيق الاخوة والاصلاح، بين الناس: اذ يقول جل وعلا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
)الحجرات 10) فالإسلام دائما حريص على إيجاد مجتمع متكافل متراحم يتآلف ابناءه ويتعاونون
فيما بينهم على الخير والبر؛ كأنهم جسد واحد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وتعاطفهم مِثْلُ الْجَسَدِ،
إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"رواه
مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا
يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي
حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً
مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ" رواه البخاري ومسلم)
ولا شك أن من سبل تحقيق الاخوة،
بل ومن سبل استمرارها ودوامها الاصلاح بين الناس اذا ما انقطعت هذه المودة والمحبة
والالفة، فالإصلاح بين الناس قيمة عظيمة وخصلة كريمة، ومما يبين لنا مكانتها تأكيد
القرآن الكريم عليها في غير موضع، ومن ذلك قول الله تعالى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ
مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا
بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) النساء
128) وقوله جل وعلا (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا
مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ
بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا )النساء35) وقوله عز وجل
(فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الأنفال1) وما زال القرآن يؤكد على الاصلاح بين الناس
حتى بين أنه من أفضل الكلام وخير الأقوال، قال تعالى (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن
نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ
النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ
أَجْرًا عَظِيمًا )النساء114) فطوبى لمن يسعون في الاصلاح بين الناس، ولقد جاء عن
أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إِنَّ
مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ
مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ
الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى
يَدَيْهِ " رواه ابن ماجه) فكفى في فضله وعظيم أجره أن عده النبي صلى الله
عليه وسلم من خير الصفات وجليل الصدقات وعظيم الخصال وكريم الاعمال، فقال
"كُلَّ يوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بيْن الاثْنَيْنِ صَدقَةٌ"
وعنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ" أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ، وَالصَّلاةِ،
وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ
الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ" .
- وجوب التثبت والتبين مما يصل الي مسامعك: فقد قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات6) فلقد رسمت لنا هذه
الآية الكريمة منهجا طيبا في شأن تلقّي الأخبار، خاصة في هذا العصر الذي سرعان ما تنتشر
فيه الأخبار والأحداث ساعةً بساعة، بل لحظة بلحظة.
إن التثبت والتبين من الامور لهو خلق عظيم، وسلوك كريم يحبه الله جل وعلا
فعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشجِّ -أشجِّ
عبد القيس -" إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ
" رواه مسلم) وفى مستدرك الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " التُّؤَدَةُ
فِي كُلِّ شَيْءٍ خَيْرٌ إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ ". كما أن التثبت والتبين
وعدم العجلة من أخلاق الأنبياء والمرسلين، فهذا سيدنا سليمان عليه السلام، لما جاءه
الهدهد بخبر القوم لم يصدر أحكامه قبل أن يتبين حقيقة الأمر ويتثبت من الخبر، فقد حكى
القرآن على لسانه ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ النمل
27) غير أنه من صفات أصحاب العقل والرزانة فها هي بلقيس لما وصل اليها كتاب سليمان
عليه السلام وعرفت ما فيه، جمعت قومها و استشارتهم في الأمر، ثم بدا لها أن تتبين و
تتثبت من أمر سليمان ومراده، فقد حكى القرآن عنها قولها (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم
بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ )النمل 30) كما أنه منهج الصحابة
رضي الله عنهم؛ فهذا عمر رضي الله عنه لما أخبره رسول الله صَلى الله عليه وسلم، عن
فضل أويس القرني ومكانته، أخذ يبحث عنه بين الناس، فلما عثر عليه اخذ يسأله حتى يتبين
أهو صاحب الأوصاف التي ذكرها له النبي صلى الله عليه وسلم، ام أن الامر أسماء قد تشابهت،
ولقد جاء أن رجلا دخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فذكر له عن رجل شيئاً، فقال
له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذباً فأنت من أهل هذه الآية (إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) الحجرات 6)، وإن كنت صادقاً فأنت من أهل هذه الآية
(هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) القلم 11)، وإن شئت عفونا عنك؟ فقال: العفو يا أمير
المؤمنين، لا أعود إليه أبداً".
ومن يتدبر الماضي والحاضر يرى العواقب الوخيمة والاضرار الجسيمة اثر العجلة
وعدم التبين والتثبت، ولعل هذا واضح جلي في قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ
نَادِمِينَ ) الحجرات6) فكم تقطعت من أواصر، وكم تفككت من أُسر وشردت أطفال، وكم ضيعت
من أموال، وكم وقعت من خصومات وتباعدت من قرابات، وكم من محبة تحولت إلى عداوة وقرب
إلى بعد، والفة ومودة إلى جفوة وغلظة، بسبب عدم التثبت والتبين، ولقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النَّبيِّ
صلى الله عليه وسلم، قال" التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان"
رواه البيهقي وأبو يعلى)
وإذا كان التبين والتثبت واجب عند سماع أمر فلاشك أنه أوجب عند الحديث به
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجلِ زَعَموا
" رواه ابو داود) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ
بِكُلِّ مَا سَمِعَ " رواه مسلم).
- النهي عن سوء الظن بالغير: فقد قال الله جل وعلا﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾الحجرات
12) ولقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ " البخاري
ومسلم) ولقد ضرب لنا الرعيل الأول من الصحابة رضي الله عنهم أروع الامثلة في حسن
الظن بالغير ففي حادثة الإفك يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ماذا
يقول في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فيقول "هم أهلُك يا رسول الله،
والله لا نعلم إلا خيراً ". وما أروع موقف أبو أيوب الأنصاري، فلما ذكرت له زوجته، ما يقول أهل الإفك،
قال" يا أم أيوب، أكنتِ تفعلين ذاك؟ قالت: لا، والله، قال: فعائشة والله خير منك
وأطيب ".
- اجتناب الغيبة: فقد قال الله تعالى (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ الحجرات 12) والغيبة كما بينها النبي صلى
الله عليه وسلم أن تذكر في اخيك ما يكره؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ
إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ،
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" رواه مسلم) والناظر في كتاب الله
جل وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم يجد النهي الشديد عن الغيبة، فقد قال الله تعالى"
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا" الحجرات 12) ويقول
النبي صلى الله عليه وسلم "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ عِرْضُهُ
وَمَالُهُ وَدَمُهُ " رواه الترمذي) وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ
الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ" رواه أحمد، وأبو داود)
إن المُغتاب لا يضر بغِيبته إلا نفسه،
ولا ينقص بها الا صحيفة حسناته، ولا يُسوِّدَ بها إلا وجهه، فقد قال النبي صلى الله
عليه وسلم" - لمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقومٍ لهُمْ أَظْفَارٌ من نُحاسٍ، يَخْمُشُونَ
وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ، فقُلْتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذينَ يأكلونَ
لُحُومَ الناسِ، ويَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ ". وعن أبي بكرة: نفيع بن الحارث،
" مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِقَبْرَيْنِ. فَقَالَ:
" إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا
فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُعَذَّبُ فِي الْغِيبَةِ " رواه
ابن ماجه) ولقد جاء عن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً اغتابه ، فأرسل الحسن إليه
طبق رطب هدية، وقال : " لقد بلغني أنك أهديت إليَّ من حسناتك، فأردت أن أكافئك
".
فما أجمل أن يحفظ المسلم لسانه عن الغيبة، بل وما أعظم ان يرد المسلم عن عرض
أخيه، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رَدَّ
عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
رواه الترمذي وأحمد )
- عدم السخرية من الناس: قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ
مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ
وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ
لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات 11) فلقد نهى الله تعالى عن السخرية بالآخرين مهما كانت صفاتهم وأوضاعهم، فلعلَّ
مَن يُسخَر منه ويُنظَر إليه نظرة احتقار وازدراء واستخفاف؛ خير عند الله وأحب إليه
ممن تطاول على الناس فسخر منهم؛ ولنا العبرة فيما جاء عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : " مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: " مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا
؟ " ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ
خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ "
، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ ، هَذَا
حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ
قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : "هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا " رواه
البخاري) ولك أن ترى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن السخرية من الناس؛ فلما صعد عبد
الله بن مسعود شجرة ضحك القوم من دقة ساقيه، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يسأل
" مِمَّ تَضْحَكُونَ ؟ " قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ،
فَقَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ
أُحُدٍ " رواه احمد)
ان السخرية من الناس واحتقارهم لهو خلق ذميم ووصف قبيح وكفي في عاقبته
قول الله جل وعلا (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) الهمزة1) وقول النبي صلى الله عليه
وسلم :" بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ
أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
إن المتدبر في آيات سورة الحجرات يجد وصية من الله جل وعلا قد تأكد ذكرها
في غير آية، في اشارة الى اهميتها ومكانتها؛ ألا وهي تقوى الله جل وعلا؛ فقد قال
سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ
الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)
الحجرات3) وقال جل وعلا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات 10) وقال سبحانه (وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) الحجرات 12) وقال عز وجل (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13) ولقد قال
الله جل وعلا في المتقين (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ
صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) القمر 54، 55) وقال سبحانه (إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ) الحجر45) فما أحوجنا الى تحقيق تقوى الله جل وعلا فنتحلى
بجميل الآداب وكريم الصفات وطيب الاخلاق ونحفظ جوارحنا عن سيء الصفات وقبيح
الافعال فقد قال الله تعالى ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ البقرة 281)
وقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
الحشر 18) .
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،
وأحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء .
واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،
وأحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء .
===== كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس