خطبة عيد
الفطر المبارك
( 1443هـ - 2022م )
للشيخ / محمد حســـــن داود
الموضــــوع :
الحمد لله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله
أكبر، الله أكبر،الله اكبر، الله أكبر ما أشرق صبح وأسفر، الله اكبر ما صام صائم وأفطر،
الله أكبر ما قام قائم وكبر، الله اكبر ما تاب تائب واستغفر، الله أكبر ما خرج المسلمون
إلى المساجد ذاكرين الله ومكبرين، علي نعمه سبحانه شاكرين، وبفضله ورحمته فرحين، محسنين
ومتصدقين، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم
صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فها هي صفحات الأيام تطوى والساعات تنقضي،
فمنذ أيام استقبلنا شهر رمضان، وبالأمس ودعناه، شاهدا بما أودعناه من أعمال، فقد قال الحسن البصري: "ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول:
يا أيها الناس إني يوم جديد، وإني على ما يعمل في شهيد".
ومع شروق شمس هذا اليوم المبارك (يوم عيد
الفطر) اجتمع المسلمون في المساجد، بالذكر والدعاء والصلاة، يسألون الله (سبحانه) الرضا
والقبول والأجر العظيم، يكبرون الله على ما هداهم، يرددون بالقلب واللسان الحمد والشكر
لله على نعمة التوفيق للصيام والقيام، فقد قال جل وعلا (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة185)
فحق للصائمين السرور بالعيد، حق لهم أن يفرحوا بقدومه، ويهنئون بعضهم بعضا بمجيئه،
حق لهم أن يفرحوا فرحةَ القيامِ بالواجبِ، وحسن الظن بالله، والثِّقةَ بحسنِ جزائه،
فقد قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ
خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) (يونس58)
نعم، لقد بشر النبي (صلى الله عليه
وسلم) أهل الصيام بالفرح والسرور، فقال "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " (رواه البخاري) ويقول: "مَنْ
قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"
(رواه البخاري)، وقال" لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ
عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ " (متفق عليه)
فما أعظم هذه الفريضة، وقد نص الحديث على فرح العبد وسروره بها في أخراه، يوم تجزى
كل نفس بما كسبت، يوم يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب، يوم يشفع الصيام لصاحبه؛ فيقول
:أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ".
يوم يُنادى أيها الصائمون : أن ادخلوا الجنة من باب الريان، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
): "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا، يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ
الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ:
أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ ،
فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ " رواه مسلم )
غَدًا تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَتْ
*** وَيَحْصُدُ الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا
- فيا من أطعتم ربكم، فأظمأتم نهاركم، وأسهرتم
ليلكم، وأخرجتم زكاة فطركم، اعلموا أن العيد الحقيقي في المداومة على طاعة الله
(عز وجل) وهذا كان حال النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ تقول أم المؤمنين عائشة (i): "كَانَ رَسُولُ اللهِ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ" وعن المُغِيرَةَ
بن شعبة، قال: قَامَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَتَّى تَوَرَّمَتْ
قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ،
قَالَ: "أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا" (البخاري ومسلم).
فكل يوم يمر عليك وأنت في طاعة فهو يوم
عيد ، كل يوم يمر عليك وأنت في بعد عن المعاصي فهو يوم عيد، يقول الله (سبحانه
وتعالى) ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ
عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ
) (طه 123-124) ويقول عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) " ما ندمت على شيء ندمي
على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي ". ويقول ابن رجب (رحمه الله)"ليس
العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمل باللباس والركوب،
إنما العيد لمن غفرت له الذنوب" (لطائف المعارف).
- إن من ذاق حلاوة الطاعة في هذا الشهر
الكريم المبارك يأبى عليه قلبه وكذلك جوارحه، أن يستبدل الكسل بالجد، واللهو بالعبادة،
ومن ثم فإن الموفق من عباد الله من جعل حياته كلها رمضان، يصوم فيها عن المحرمات، ويجتهد
وينافس في الطاعات، ويبتعد فيها عن المعاصي والسيئات؛ فقد قال الله (جل وعلا) (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي
أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)
(الحشر18-20) فالعمر ليس رمضان، بل إن الزمان أوسع من رمضان، والحساب مقام على ما
كان في رمضان وما كان في غيره، والثواب والعقاب على رمضان وشوال وشعبان، والسؤال آت
عن عمرك كله ليس عن رمضان فحسب، فيم أتممته؟ وكيف قضيته؟
ومن ثم فإن العمر كله قل أو كثر موسم للعبادات
ومغنم للحسنات، وطريق للوصول إلى رضا ورحمة رب البريات، والرفعة في الدرجات، والفوز
بالجنة، فقد قال تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر99).
ومن ثم فينبغي أن لا نودع ما تعلمناه وتعودناه
في هذه المدرسة الرمضانية، من خلق حسن وسلوك طيب، ولقد قال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا " (رواه الترمذي) وفى مقابل ذلك
يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ".
- لقد ولت أيام رمضان المباركة بعد أن تعلقت
قلوبكم فيه بالمساجد، وقضيتم لياليه بين راكع وساجد، تقربا الى ربكم، كم أطعمتم فيه
من بائس فقير، وفرجتم فيه من كرب عسير، فحرى بالقلوب التي أخلصت لله في صيامها وقيامها
وزكاتها أن تداوم الإخلاص، وحرى بالصفوف التي تزاحمت لإقامة الصلاة في رمضان أن لا
تقطع الصلاة بعده، فالصلاة ركن من أركان الإسلام، وحري بمنا اعتاد الصدقة والإطعام
أن لا يقطع يد الخير، فما أنفقتم من خير فلأنفسكم، وما أنفقتم من خير الله يخلفه، وحرى
بمن قام الليل حتى اعتاده أن لا يترك هذا الأجر والفضل فهو أفضل الصلاة بعد الفريضة،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ
صَلَاةُ اللَّيْلِ " (رواه مسلم )
وحرى بمن اعتاد الصيام أن لا يبخل على نفسه
بأجره وفضله بعد أن اعتاده، فإن من رحمة الله تعالى بعباده أن تابع عليهم مواسم الخير
والعبادة؛ فلا يكاد ينتهي موسم طاعة حتى يحل موسم آخر، فتخرج الأمة من بر إلى بر، ومن
خير إلى خير؛ فما ودع المسلمون رمضان حتى نفحتهم ستة شوال، فبصيامها يستكمل العبد أجر
صيام الدهر كله كما قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ
سِتًّا مِنْ شَوّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ " وتفسير ذلك في قوله صلى الله
عليه وسلم " صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَصِيَامُ سِتَّةِ
أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَلِكَ صِيَامُ سَنَةٍ ". غير أن الصائمين لرمضان إذا وفوا أجورهم، ثم عاودوا
الصيام في شوال فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من
مغفرة الذنوب، ولقد كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة أصبح في نهارها صائماً، ويجعل
صيامه شكراً على التوفيق .
ولقد حذر النبي (صلى الله عليه وسلم) من
قطع صالح الأعمال وترك خصال الخير وأبواب القربات إلى الله على اختلاف ألوانها وأشكالها؛
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " يَا عَبْدَ اللَّهِ
لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ: كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ
" (متفقٌ عَلَيْهِ)
- إن يومكم عظيم وعيدكم كريم، فاقدروه حق
قدره فإن فرحة العيد تبدو واضحة بفعل الخيرات،
بحسن الجوار وصلة الارحام، بكثرة الصدقات، بإطعام
الجائع ،وكساء العاري، و قضاء الحوائج، و اغناء الفقير عن الطواف؛ فأهل المعروف في
الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأحب الناس إلى الله انفعهم للناس كما قال النبي
(صلى الله عليه وسلم) .
- كما تبدو فرحة العيد واضحة حين يشارك
رب الأسرة أسرته فرحة هذا العيد بما يضفي عليهم البهجة والسرور، فتقوى أواصر المودة
فيما بينهم، وهذا من الخير والإحسان الذي وصى به النبي (صلى الله عليه وسلم ) المسلمين
في حق أَهـلهم إذ يقول: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْـلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ
لأَهْـلِي" ، ومنه أيضا: التوسعة عليهم في حدود استطاعته، وحسب إمكانياته ومقدرته،
، فعن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن النبي (صلى الله
عليه وسلم) قال: "أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ
عَلَى عِيَالِهِ , وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , وَدِينَارٌ
يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " (رواه مسلم)
واحذروا الإسراف والتبذير، فالإسلام دين
الوسطية والاعتدال في الأمور كلها، ولقد قال الله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ
مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
) (الاعراف31) .
تقبل الله منا ومنكم ، وكل عام وانتم بخير
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- ــ اضغط هنا