recent
آخر المشاركات

سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ - للشيخ / محمد حسن داود

 

سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ 
للشيخ / محمد حسن داود



 عن أبى هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ "، قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ " (رواه مسلم).

 فذِكر الله (جل وعلا)  من أزكى الأعمال، وخير الخصال، وأعظم العبادات والطاعات والقربات، فيه شفاء للأسقام، ودواء للآلام، يستدفع الذاكرون به الآفات، ويستكشفون به الكربات؛ فلمكانته ودرجته تواترت النصوص تحثنا عليه وتدعونا إليه، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (النور41/42) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ ، قَالَ" لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ " (رواه الترمذي).

وذِكر الله هو روح العبادة ومعناها ومبناها؛ فقد سميت الصلاة بالذكر؛ قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)(الجمعة9) وأمر الله تعالى بإقامتها لذكره، قال تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه14) وغير أنها كلها ذِكْر لله سواء بالقلب أو الجوارح فقد حث النبي (صلى الله عليه وسلم) على الذِكْر ختاما لها؛ فقال: "مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً " (رواه مسلم).

أما الصيام؛ فلا شك أن أيامه كلها ذِكْر لله تعالى قولا وفعلا، وفي ختامه يقول تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة185).

وفي الحج يقول الله جل وعلا: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ) (الحج27، 28)، وفي ختامه قال تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُـمْ آبَاءَكُـمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) (البقرة200).

ومع انه أيسر العبادات عملا ، إلا أنه من أعظمها أجرا، وأكثرها فضلا ،وأعلاها شأنا، فعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى ، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، فَقَالَ : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالُوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ ، وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ؟ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ قَالُوا : بَلَى ، يَا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : تُسَبِّحُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ ، وَتَحْمَدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً قَالَ أَبُو صَالِحٍ : فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالُوا : سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الْأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا ، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ " (رواه مسلم) . ومن فضائله:

- أنه جلاء القلوب وصفاؤها ودواؤها وحياتها، قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (الرعد28) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ "(رواه البخاري).

هو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الأنفال 45).

- قرب العبد من الله، وذِكْره سبحانه للعبد، قال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي) (البقرة152)، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ...) (رواه مسلم ).

- تفريج الكربات، فقد قال الله (سبحانه وتعالى) حكاية عن سيدنا يونس (عليه السلام) وهو في بطن الحوت (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (الصافات143 -144)

- عظم الأجر ،وتكفير الذنوب، قال تعالى (...وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (الأحزاب35) وقال صلى الله عليه وسلم:" أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ "، فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ ؟ ، قَالَ: " يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ " (رواه مسلم)

- أن الله يباهى بهم الملائكة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ ؟، قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ ، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ : أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: " مَا أَجْلَسَكُمْ" ، قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ، قَالَ: " آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟" ، قَالُوا : وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالَ: "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ " (رواه مسلم)

- من أسباب إجابة الدعاء؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَدْعُو بِهِنَّ. قَالَ: "تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَشْرًا وَتَحْمَدِينَهُ عَشْرًا وَتُكَبِّرِينَهُ عَشْرًا ثُمَّ سَلِي حَاجَتَكِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: قَدْ فَعَلْتُ قَدْ فَعَلْتُ "(رواه احمد)

- جُنة من النار، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "خُذُوا جُنَّتَكُمْ" ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ ؟، قَالَ: " لَا ، وَلَكِنْ جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ ، قَوْلُ سُبْحَانَ الله ، وَالْحَمْدُ للهِ ، وَلا إِلَه إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أكْبَرُ ، فَإِنَّهُنْ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُنْجِيَاتٍ ، وَمُعَقِّبَاتٍ ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " (مستدرك الحاكم)

هو غراس الجنة، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ): " لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ " (رواه الترمذي )

فأكثروا من ذِكْر الله (عز وجل)، فهو خير ما يكنزه العبد، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ". وعن أَبُى عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، قَالَ: " مَرَّ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَوْكِبِهِ وَالطَّيْرُ تُظِلُّهُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَمَرَّ بِعَابِدٍ مِنْ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: وَاللهِ يَا ابْنَ دَاوُدَ لَقَدْ آتَاكَ اللهُ مُلْكًا عَظِيمًا فَسَمِعَ سُلَيْمَانُ كَلَامَهُ فَقَالَ: لَتَسْبِيحَةٌ فِي صَحِيفَةٍ أَفْضَلُ مِمَّا أُوتِي ابْنُ دَاوُدَ إِنَّ مَا أُوتِي ابْنُ دَاوُدَ يَذْهَبُ وَالتَّسْبِيحَةُ تَبْقَى " (حلية الأولياء )

(اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)

=== كتبه ===

محمد حســــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent