الصيــــــام والصـــــــدقة
للشيخ / محمد حســـن داود
الحمد لله، والصلاة
والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
إن من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله (جل وعلا)،
في هذه الأيام المباركة: الصدقات، وإطعام الطعام، وإجابة السائل، وقضاء الحوائج؛ فلقد
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) أكرم الناس وأجود الناس، وخاصة في هذا الشهر المبارك،
فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)
أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ،
وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ
اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ"
فما أعظم الصدقات وما أرفع شأنها، يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ):
" ذُكِرَ لِي أَنَّ الْأَعْمَالَ تَبَاهِي فَتَقُولُ الصَّدَقَةُ: أَنَا أَفْضَلُكُمْ".
إن المتدبر في أمر الصيام والصدقة، يجد بينهما ارتباطا وثيقا وعلاقة
وطيدة، فإن كان في معنى الصيام، الشعور بالفقير، ففي الصدقة الشعور به وقضاء حاجته،
ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ
لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ،
أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ
دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ
فِي هَذَا الْمَسْجِدِ( يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ) شَهْرًا" .
وكما أن الصيام طريق وصول إلى درجة التقوى، فكذلك
الصدقات، إذ يقول الله (سبحانه وتعالى): (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ...) (آل عمران133/134).
كما أنهما خصلتان
من أعظم خصال الخير، بابان إلى الجنة، ففي الحديث الشريف " مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ
دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ... " (رواه مسلم) ويقول النبي (صلى الله عليه
وسلم)" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا
مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: " هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ
الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " (رواه الترمذي)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ أَصْبَحَ
مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): أَنَا،
قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ
مِسْكِينًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): أَنَا، قَالَ:
"فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ (رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ): أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): "مَا
اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ" (رواه مسلم)
كما أنهما بابان
للمغفرة والأجر العظيم، قال تعالى(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ
لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (الاحزاب35)
كما أن في الصدقات إعانة للصائمين ، وفى ذلك يقول
النبي (صلى الله عليه وسلم): " مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ
إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ" (رواه الترمذي )
ومن الصدقة ما هو طهرة للصائم من اللغو والرفث، وهي صدقة الفطر؛
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما)، قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ
وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ "
- إن ثمرات الصدقات
لا عد لها ولا حصر؛ فالصدقة مودة، ومحبة، وألفة، فيها انشراح الصدر وسلامته، وطمأنينة
القلب، فيها طهارة النفس من البخل والشح، فيها البر والصلة.
- فكم من صدقة كانت
سببا في غفران الذنوب، قال تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ
تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة 271) وقال صلى الله عليه
وسلم: "وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةِ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ"
( رواه ابن ماجه)
- وكم من صدقة كانت
ظلا لصاحبها يوم القيامة، قال النبي (صلى الله عليه وسلم) " كُلُّ امْرِئٍ فِي
ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ"، كما ذكر صلى الله عليه وسلم
أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ
فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ".
- وكم من صدقة كانت
وقاية لصاحبها من النار، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "اتَّقُوا النَّارَ
وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ "(رواه البخاري).
- وكم من صدقة كانت
سببا في تفريج الكرب لصاحبها ولغيره، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ
كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ
الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ "رواه
مسلم ). ومن هذا كله يتبين أن الصدقة دائما ما تعود بالخير، فقد قال تعالى (هَلْ جَزَاءُ
الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) (الرحمن 60)
ومع كل هذه الفضائل
الكبرى والدرجات العظمي، إلا أن بعض الناس قد يقع في شباك الشيطان، فيزن لهم الأمور
بميزان المادة، ويصور لهم أن الزكاة والصدقات والإنفاق خسارة ومغرمًا، والحق غير ذلك
كما بيَّن لنا الله (سبحانه وتعالى) وبين لنا رسوله الكريم، فقد قال تعالى (الشَّيْطَانُ
يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً
مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة268)، وقال تعالى (وَمَا أَنفَقْتُم
مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )( سبأ39) ويقول صلى الله
عليه وسلم: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ " (رواه مسلم ). وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: أَنَّ النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "قَالَ اللهُ
(تَبَارَكَ وَتَعَالَى): يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" (متفق عليه)
ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ
إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا
خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(متفق عليه)
.
فطوبى لمن وفقه
الله لعمل الصالحات، والتقرب إليه بالصدقات،
فعن أبى هريرة (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)"
مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا
الطَّيِّبَ , وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ
كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ "(رواه
البخاري)
إنه لخير عظيم وفضل
كبير، لا ينبغي لإنسان أن يسمع به ثم يزهد فيه، يقول جل وعلا ( وَمَا تُنفِقُوا مِنْ
خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) البقرة272) .
اقضِ الحوائجَ ما
استطعتَ *** وكُــــــنْ لهَمِّ أخيكَ فارِجْ
فَلَخيــــــــــــــــرُ
أيَّامِ الفَتى *** يَومٌ قَضى فِيهِ الحَوائج
===
كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية
للتحميــل word رابط مباشر ----- اضغط هنا
للتحميــل word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
للتحميــل word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
للتحميــل pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا