خطبة بعنــــوان:
فرائض الإسلام
غاياتها ومقاصدها
للشيخ / محمد حســــن داود
16 ذو الحجة 1443هـ - 15 يوليو 2022م
العناصـــــر : مقدمة.
- فرائض الإسلام غايات ومقاصد.
- أثر السلوك والأخلاق على العبد.
- دعوة إلى حسن الخلق.
الموضــــــوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (البقرة
21) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده
ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ"
(رواه أحمد)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، وبعد
فإن العبادات في الإسلام لم تشرع مجردة
من المقاصد والغايات، بل إنها تحمل في جوهرها قيم سامية، وأثار عظيمة: تهذب النفوس
والجوارح، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ
الأخلاقِ"، فالعبادات كلها مقاصد سامية، وغايات نبيلة، وحكم باهرة، وأسرار جليلة،
ولك أن ترى هذا واضحا في:
الصلاة:
- إذ تقوي روح الإيمان في القلب، بل هي
طريق وصول الى درجة الإحسان، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "الإِحْسَانُ
أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"
(متفق عليه) ذلك إذا حقق العبد فيها الخشوع، وتدبر أنه
يقف أمام الله (عز وجل) مفتقرا إليه يدعوه ويناجيه، فلقد سئل النبي (صلى الله عليه
وسلم)، يا رسولَ اللهِ، حدِّثني حديثاً واجعلْهُ مُوجزاً، فقالَ صلى الله عليه وسلم:
"صلِّ صلاةَ مُودِّعٍ كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ كُنتَ لا تَراهُ فإنَّه يَراكَ".
فإذا خرج العبد من صلاته، ظل هذا المقام يلازمه؛ فلا تجده إلا محسنا مع ربه بامتثال
أوامره واجتناب نواهيه، ومحسنا مع الخلق في أقواله وأفعاله وأحواله وسلوكه.
- كما أن الصلاة تعالج النفس البشرية من نوازع السوء حتى تصفو من الرذائل،
ويبتعد صاحبها عن كل منكر، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ) (العنكبوت 45) ولهذا لما قيل للنبي (صلى الله عليه وسلم): إِنَّ فُلانًا
يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ سَرَقَ، قَالَ: "سَيَنْهَاهُ مَا تَقُولُ" (رواه ابن حبان)
قال السعدي (رحمه الله): "ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد
المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه،
وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة
عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها"
(تفسير السعدي).
- كما أن الصلاة باب عظيم لتحقيق معاني
الألفة والمحبة والمودة بالعون، وقد قال الله (سبحانه وتعالى) (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ
* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ
الْمَاعُونَ) (الماعون 4-7) فإنّهم لو أقاموا الصلاة حقا لله، ما منعوا العون عن عباده.
الزكاة:
- ومن أمر الصلاة في تحقيق الألفة والمحبة والمودة بالعون؛ إلى الزكاة فهي
الى تحقيق التكافل والمودة والألفة سبيل.
وفيها: تطهير النفوس من الرذائل وتنقيها
من الآفات كالشُّح والبخل وتحليها بالفضائل ومكارم الأخلاق، فقد قال تعالى: (خُذْ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة 103) قال
السعدي: "أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة.{وَتُزَكِّيهِمْ} أي: تنميهم،
وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي
أموالهم"(تفسير السعدي) وإن من تأكيد القرآن الكريم على حسن الخلق ومدى ارتباطه بالفرائض تجد
التحذير للمتصدق من المن والأذى، قال تعالى: ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ
مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ
رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ
عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )
(البقرة 263-264)
وفيها: شكر الله على نعمه والاعتراف بفضله،
ومعلوم أن حال المؤمن لا يخلو من شكر النعم، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم )
"إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ
ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" (رواه مسلم) فلما كانت الأموال محبوبة
عند الناس حباً جماً؛ كانت الزكاة اختباراً حقيقياً للنفوس ومدى صدقها مع ربها، وما
أعظم قول الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم )"وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ"
الصيام:
- ومن شكر الله (عز وجل) بإخراج الزكاة، إلى تحقيق أسمى معاني
المراقبة بالصيام: فالصيام سرٌّ بين العبد وبين ربه لا يطلع على حقيقته إلا الله، وبإمكان
العبد أن يتخفى عن أعين الناس ويُغلق بابه، ثم هو يأكل ويشرب حتى إذا خرج إلى الناس
قال أنا صائم، ولكن يمنعه من ذلك إطلاع الله عليه.
- كما أن فيه تحقيق أسمى معاني
الاستجابة لله ولرسوله رغم منازعة الهوى مما يقوي في القلب روح الايمان، والاحسان.
- وكذلك: تهذيب الجوارح وتقويم السلوك، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ،
فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ" ويقول:
"ليس الصيامُ من الأكلِ و الشربِ، إنما الصيامُ من اللَّغوِ و الرفَثِ". ويقول
أيضا: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ
حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ "(رواه البخاري)
- كما أن غاية الصيام الكبرى: تحقيق التقوى، فقد قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
(البقرة 183) ولن يحقق العبد معاني التقوى إلا إذا حسن
خلقه، واستقامت سلوكه مع الناس، وها هو النبي (صلى الله عليه وسلم) يجمع بين الوصية
بالتقوى والوصية بحسن الخلق إذ يقول: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ
السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" (رواه الترمذي)
الحج:
- فمن تهذيب الصلاة والزكاة والصيام للنفوس
والجوارح، إلى تهذيب الحج لها، فمن أعظم مقاصد الفرائض وغاياتها تهذيب الجوارح وتقويم
السلوك، فانظر كيف ان الحج يبث القيم الأخلاقية الأصيلة في النفوس البشرية، وكيف يكون
له التأثير في تربية النفس الإنسانية، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا
رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة 197)، ويَقولُ النبي (صلى
الله عليه وسلم): "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ مِنْ ذُنوبِهِ
كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ".
- كذلك من أبرز غايات الحج وحكمه: تربية العبد على تعظيم شعائر الله، وقد
قال الله (سبحانه وتعالى) في ثنايا آيات الحج: (ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ
فَإنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ) (الحج 32)
إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه
فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه، فقد قال صلى الله عليه وسلم "خيارُكم
أحاسِنُكم أخلاقًا" (متفق عليه).
ولقد حفلت السنة النبوية المشرفة
بأمثلة كثيرة لأناس ساءت اخلاقهم مع كثرة عبادتهم وطاعتهم، فانظر كيف كان أمرهم؛
ومن ذلك ما روي عن أَبَى هُرَيْرَةَ انه قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ
وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا
بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لا
خَيْرَ فِيهَا، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ"، قَالُوا: وَفُلانَةٌ تُصَلِّي
الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "هِيَ مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ" (الأدب المفرد للبخاري).
ومن ثم فما من شيء أثقل في ميزان العبد
من حسن أخلاقه ورقى سلوكه، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي
الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ
لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " (رواه الترمذي)
وإذا سألت من أقرب الناس مجلسا من النبي
(صلى الله عليه وسلم) يوم القيامة لوجدت أن منهم أحسن الناس أخلاقا، فقد قال رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ
مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا" (رواه
الترمذي) .
وكما ان للأخلاق الحميدة والسلوك
الحسنة أثر طيب على العبد، فان لسوء السلوك أثر مثله، فلقد قال النبي (صلى الله
عليه وسلم) "وَإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ
الْخَلُّ الْعَسَلَ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا:
الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ
الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ،
وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا،
وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا
مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ
أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ "
فما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح
أسمى القيم وأحسن الأخلاق، فقد قال النبي(صلى الله عليه وسلم) "أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا".
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا
سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا