خطبة
بعنــــوان:
السكينة والطمأنينة وفضائل العشر
للشيخ/ محمد حســـن داود
( 16 رمضان 1444هـ - 7 أبريل 2023م)
العناصـــــر: مقدمة.
- السكينة والطمأنينة في القرآن الكريم وسيرة النبي (صلى الله عليه وسلم).
- المؤمن مأمور بالسكينة.
- مواضع تطلب فيها السكينة والطمأنينة.
- فضائل العشر الأواخر من رمضان ودعوة إلى اغتنامها.
الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد 28)،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده
ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "يَسِّرُوا ولا
تُعَسِّرُوا، وسَكِّنُوا ولا تُنفِّروا" (رواه البخاري)، اللهم صل وسلم وبارك
عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن الحزن والقلق قد يعرضانِ
للعبد لأمر من الأمور، ولا يُذهِبهما إلا ما ينزله الله (عز وجل) في القلوب من سكينة؛
فالسكينة هي: الطمأنينة والوقار والسكون الذي يُنزله الله في قلب عبده فلا يقلقه ابتلاء،
ولا يحزنه عارض من الأمور، ولا توهنه محنة، ولا ينال منه خوف، وإنما يزداد ثباتا وإيمانا.
ومن ينظر القرآن
الكريم وسيرة الحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم) يجد معاني السكينة والطمأنينة في
أعظم صورها تتنزل في قلوب المؤمنين أوقات الشدائد، فتذهب القلق والخوف والحزن:
- فانظر أمر الهجرة:
حين سكن النبي (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه الغار، وإذ بالمشركين وقد جَدَّوا في طلبهما،
وتعقّبوا كل مكان يمكن أن يختبئا فيه، ورصدوا الجوائز لمن يظفر بهما، حتى إذا
وصلوا إلى باب الغار، اشتد الأمر على أبي بكر، ويحكي لنا (رضي الله عنه) ما كان، فيقول:
"نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا
تَحْتَ قَدَمَيْهِ"، فبماذا أجابه النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد أنزل الله
(عز وجل) عليه السكينة: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا"
(رواه مسلم)، وفي ذلك يقول الحق (سبحانه وتعالى): ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ
اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ
إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا
السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ (التوبة
40).
- ويوم حنين: وقد رأى
بعض الصحابة ما هم فيه من كثرة، فقالوا: لن نغلب اليوم من قلة. على الجانب الآخر:
كان المشركون قد كمنوا للمسلمين ونصبوا لهم فخا، فما أن رأوهم إلا وقد بادروهم
رشقا بالنبال وضربا بالسيوف حملة رجل واحد، فاضطربت مقدمة صفوف المسلمين وبدأوا في
التراجع الى الخلف وزاد ت حالة الاضطراب في الصفوف كلها، فأنزل الله سكينته على رسوله
وعلى المؤمنين فإذا بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وهو راكب يومئذ بغلته الشهباء يسوقها
نحو العدو، شجاعا كعادته وكما علمه العالم أجمع، يقول: "أنا النبي لا كذب أنا
ابن عبد المطلب"؛ حتى اجتمع عليه المسلمون مرة أخرى؛ فكان نصر الله (عز وجل)، قال تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ
جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (التوبة 25، 26)، يقول الطبري، في تفسيره: " ثم من بعد ما ضاقت عليكم
الأرض بما رحبت، وتوليتكم الأعداءَ أدباركم, كشف الله نازل البلاء عنكم, بإنـزاله السكينة،
وهي الأمنة والطمأنينة".
- ويوم الحديبية وقد رأى
بعض الصحابة شدة شروط الصلح؛ فأنزل سبحانه وتعالى عليهم السكينة والطمأنينة، حيث يقول
سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ الله
عَلِيمًا حَكِيمًا) (الفتح 4)، ويقول سبحانه وتعالى: (لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (الفتح 18)، ويقول (عز وجل): (إِذْ جَعَلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ
الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ
التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
(الفتح 26).
- ويوم وفاة النبي (صلى
الله عليه وسلم): طاشت عقول واهتزت قلوب، وارتجفت جوارح، الدهشة تعلو الوجوه،
الصمت يسكن الألسنة، العقول حائرة، النفوس
قلقة، حتى جاء صاحبه الذي كان معه في الغار، وقد أنزل الله عليه السكينة وثبت
فؤاده، فإذا به كما قالت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها): " أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ
مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ، حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَلَمْ يُكَلِّمُ
النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ، فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ
أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: "بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،
وَاللَّهِ لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ أَمَّا المَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ
عَلَيْكَ، فَقَدْ مُتَّهَا" (رواه البخاري)
إن المؤمن مأمور
بالسكينة في كل جوانب حياته، في عباداته وطاعاته، وجميع أوقاته، فقد قال النبي
(صلى الله عليه وسلم): "يَسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وسَكِّنُوا ولا تُنفِّروا"
(رواه البخاري)، ومن ذلك مثالا وليس حصرا:
في الصلاة: فعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ (رضي الله عنه)، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ
نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ
رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: "مَا شَأْنُكُمْ؟" قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا
إِلَى الصَّلاَةِ؟ قَالَ: "فَلاَ تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ
بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا"
(رواه البخاري)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ
وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا،
وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" (رواه البخاري)، وقال: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ
فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ" (رواه البخاري).
في الحج: عن عبد الله بْن
عَبَّاسٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا): أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ
بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ
فَإِنَّ البِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ"، يعني الإسراع (رواه البخاري).
والسؤال الذي يطرح
نفسه وبقوة: فيمَ تطلب السكينة؟ والجواب:
- في حِلق العلم، وتلاوة
القرآن ومدارسته، والتفقه في الدين؛ ففي الحديث: " وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ
فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ،
إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ
الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ". وعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ:
كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ
اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ)، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ،
فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، عَافَسْنَا
الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى
دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قُلْتُ: نَافَقَ
حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
"وَمَا ذَاكَ؟" قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا
بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ،
عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ
الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً
وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ(رواه مسلم) وعَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ
الْكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ
تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "تِلْكَ السَّكِينَةُ
تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ".
- حال ذكر الله (عز وجل)، فقد قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد
28).
- مع التوكل على الله: فإذا علم العبد أن الله هو الرزاق، وما عليه إلا الأخذ بالأسباب؛ ذهب همه
وانكشف غمه، فقد قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)
(الذاريات 22)، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ
ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات 58)
- مع الرضا بقضاء الله (عز وجل) إذ إن هذا التسليم
يجعل القلب في طمأنينة أن ما أصاب العبد لم يكن ليخطئه كما قال النبي (صلى الله عليه
وسلم) وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فقد قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا
إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد 22) وأن الله ( عز وجل) ربما منعك فمنحك، وحرمك
فأعطاك، وأحزنك فسرك، وظننت أنك أمام باب خير، فإذا هو باب شر فرده عنك، قال
تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا
شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة216).
- الصدق: إذ يَقُولُ الحَسَنُ
بْنُ عَلِيٍّ (رضي الله عنه): حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): "َدعْ
مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ؛ فَإِنَّ الصِّدقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالكَذِبَ
رِيبَةٌ"
- مع القيام بالعبادات
المفروضة، ومنها الصيام: فيطمئن القلب إذا أدى العبد ما عليه من طاعات وواجبات؛
وكذلك بالتقرب إلى الله (عز وجل) بالعمل الصالح؛ لاسيما ونحن في شهر البركات
والخيرات والنفحات، فها هي أيامه تمر، ولياليه تنقضي، مضت أيام وليال، وإذا نحن في
استقبال العشر الأواخر، عشر التجليات، عشر النفحات، عشر البركات، تنادي من أحسن أن
يزداد من الطاعات، ومن قصر أن يغتنم ما بقى بالعبادات، واستمعوا معي إلى السيدة عائشة
(رضي الله عنها) إذ تحكى حال النبي (صلى الله عليه وسلم) في هذه العشر فتقول:
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَجْتَهِدُ فِي
الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ " (رواه مسلم) فلقد
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخص هذه العشر بمزيد من الطاعة والعبادة، أمرا يحثنا
جميعا أن نهتدي بهديه، فنغتنم هذه العشر بصالح الأعمال، إذ تقول أم المؤمنين عائشة
(رضي الله عنها): " كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا
دَخَلَ الْعَشْرُ، شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ"(
رواه البخاري)، وعَنْ عَلِيّ (رضي الله عنه)أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) " كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخير من رَمَضَان"
(رواه الترمذي) فاغتنموا العمل الصالح بكل صنوفه: من قيام وصدقة وصلة وذكر ودعاء،
فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ
رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ
يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ" (الطبراني).
يا من بدأت شهرك بهمة ونشاط،
زد في طاعتك وأكثر من عبادتك، وأحذر أن تتناقص همتك بتناقص أيام رمضان، أو أن يرحل
جدك برحيل بعض لياليه، فأنت في أيام فتحت فيها أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، ولله
فيها عتقاء من النار.
نسأل الله أن
نكون منهم
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا