recent
آخر المشاركات

خطبة الجمعة القادمة: مظاهر رحمة النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) بأمته - للشيخ / محمد حســــن داود (14 ربيع الأول 1445هـ - 29 سبتمبر 2023م)

 

خطبة بعنــــوان:
مظاهر رحمة النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) بأمته
للشيخ / محمد حســــن داود
(14 ربيع الأول 1445هـ - 29 سبتمبر 2023م)


العناصــــــر:      مقدمة
- النبي (صلى الله عليه وسلمَ) رحمة للعالمين.
-  من مظاهر رحمة النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) بأمته.
- دعوة إلى تحقيق معاني الرحمة.

الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء107)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ" (مستدرك الحاكم) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

لقد جمع الله (سبحانه وتعالى) للحبيب النبي (صلى الله عليه وسلم) صفات الجمال والكمال البشري، فتألقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت أخلاقه القريب والبعيد، وشملت رحمته الغريب والصديق، ولقد صور لنا القرآن الكريم هذا جليا واضحا إذ يقول الله (سبحانه وتعالى): (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء107) ويقول جل وعلا: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة 128) ويقول حبيبنا، (صلى الله عليه وسلمَ) عن نفسه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ" (مستدرك الحاكم).

فالنبي (صلى الله عليه وسلم) أكمل الناس خَلقا وخُلقا وأعظمهم إنسانية ورحمة، يسجد يوم القيامة تحت عرش الرحمن فلا يرفع رأسه حتى يقال له: "يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ" فيقول صلى الله عليه وسلم: "يارب أُمَّتِى أُمَّتِى" .

آياتُ أحمـدَ لا تحدُّ لواصف *** ولوَ انَّه أُمليْ وعاش دهورَا
بشراكمُ يا أمة المختار في *** يوم القيامة جنة وحريـــــرَا
فُضِّلتمُ حقًّا بأشرف مرسَل *** خير البرية باديًا وحضــورَا
صلى عليه الله ربي دائمًا *** ما دامت الدنيا وزاد كثيـــرَا

وإن من مظاهر رحمته (صلى الله عليه وسلم) بأمته:

- أن كان يترك العمل وهو يحبه خشية أن يفرض على أمته فيشق عليهم القيام به: اذ تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ" (رواه البخاري ومسلم)؛ فانظر في سنته وسيرته تراه ينقطع عن الخروج إلى صلاة التراويح جماعة في رمضان، خشيةَ أن تفرض، وتأخر في الردِّ على من سأل عن تكرار الحج في كل عام خشية أن يفرض بهذه الصورة، ولما فرضت الصلاة ظل النبي (صَلى الله عليه وسلم) يسأل الله (سبحانه وتعالى) التخفيف، رحمة بأمته صَلى الله عليه وسلم، حتى كانت خمس في العمل وخمسين في الأجر، وتراه ينهاهُم عن الوصالِ في الصومِ رحمة بهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : "إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ" قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِنَّكُمْ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي، إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي، فَاكْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ" (مسلم).

- ومن ثم نستطيع أن نقول إن من أجل مظاهر رحمة النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) بأمته: التيسير، فالإسلام دين يسر كما قال الله تعالى: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (البقرة185) ويقول عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ)البقرة286) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قَالَ " إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" (رواه البخاري) ويقول صلي الله عليه وسلم " إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ " (رواه أحمد) ويقول أيضا " إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ " (رواه أحمد) وَهذا حاله صلى الله عليه وسلمَ؛ فعنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها) أَنَّهَا قَالَتْ:" مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ".

- يأخذ بأيديهم إلى الحق رحمة بهم: فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: "ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا". قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" قَالَ: لَا. وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟" قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" قَالَ: لَا. وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ". قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: " اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. (رواه أحمد).

- ولقد رق قلب النبي (صلى الله عليه وسلم) لجميع أبناء أمته حتى بكى خوفا أن يصيبهم من الله عذاب، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) (سورة إبراهيم آية 36 الآيَةَ )، وَقَالَ عِيسَى (عَلَيْهِ السَّلَام) (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (سورة المائدة آية 118)،فَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتِي، أُمَّتِي، وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ(عَزَّ وَجَلَّ): يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ " (رواه مسلم).

وأنظر ماذا كان منه لما مر على قبرين يعذبان، كما قال ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) مَرَّ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ" ثُمَّ قَالَ: "بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ" قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا، فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ، ثُمَّ قَالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" (متفق عليه) .

- الدعاء لأمته كل صلاة: فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) طِيبَ نَفْسٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ"، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "أَيَسُرُّكِ دُعَائِي"؟ فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ، فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كل صلاة" (رواه النسائي).

- بل بلغت رحمته صلى الله عليه وسلمَ أن يؤثر أمته على نفسه بدعوته المستجابة شفاعة لهم ورحمة بهم، إذ يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ؛ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا" (متفق عليه).

- ما أعظم رحمة النبي (صلى الله عليه وسلم) التي لم تترك بشرا إلا وكان له منها نصيب؛ فكان رحيما بالآباء والأمهات، رحيما بالأطفال: فهو القائل: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا "(رواه أبو داود والترمذي) مما يبين لنا أن الرحمة في حياتنا يجب أن تشمل الصغير والكبير، ومن ذلك:

يأتي أبو بكر (رضي الله عنه) بأبيه عام الفتح إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فإذ بالنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول له : " هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه" فيجيب أبو بكر (رضي الله عنه) " هو أحق أن يمشي إليك يا رسول الله من أن تمشي إليه "، ولما جاءه رجل فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ: "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا " (رواه النسائي وأبو داود).

وعَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ" (رواه البخاري)، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:" كانَ رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكانَ لي أَخٌ يُقَالُ له: أَبُو عُمَيْرٍ، قالَ: أَحْسِبُهُ، قالَ: كانَ فَطِيمًا، قالَ: فَكانَ إذَا جَاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَرَآهُ، قالَ: أَبَا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ(طائر صغير كالعصفور) قالَ: فَكانَ يَلْعَبُ بهِ" (رواه مسلم)، وعَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا "أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ، لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي حَجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ" ( رواه البخاري)، فانظر في ذلك كيف أن النبي (صَلى الله عليه وسلم ) كان يحب الأطفال ويتحملهم، ورضي الله عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إذ يقول: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهّ عليه وسلم)".

كما كان صلى اللهُ عليه وسلم رحيما باليتامى والمساكين والأرامل والمحتاجين، ومن على حالهم: فعنْ أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ "يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ"، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (رواه مسلم) ويقول عبد الله بن أبي أوفى، إن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) "لا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ" (النسائي ) ، ولما جاء إليه رجل فشكا إليه  قَسْوَةَ قَلْبِهِ، قَالَ لَهُ النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " إِنْ أَرَدْتَ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ" (رواه أحمد).

وفي صورة عظيمة من صور رحمته (صلى اللهُ عليه وسلم) يقضي عن الناس الدين، رحمة بهم أن يصيبهم عذاب؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهّ عليه وسلم) كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ المُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: "هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا؟" فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الفُتُوحَ، قَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ" ( رواه البخاري) .

إن هذه الرحمة النبوية المنقطعة النظير، لم تقف عند حدود البشر، بل امتدت لتشمل الحيوان، فعن عبد الله بن جعفر (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل فلما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) حنّ وذرفت عيناه فأتاه صلى الله عليه وسلم فمسح ظفراه فسكت، فقال صلى الله عليه وسلم: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ " فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له : " أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ" (رواه أحمد وأبو داود)( تُدْئِبُهُ، اى تكرهه وتتعبه)

ولم تقف رحمته صلى الله عليه وسلم عند كل ما فيه روح، بل حتى الجماد نال من رحمته صَلى الله عليه وسلم ، إذ يقول في جبل أحد "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ". ولمّا شقّ عليه صلى الله عليه وسلم طول القيام، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه، ثم ما لبث أن صُنع له منبر، فتحول إليه وترك ذلك الجذع ، فحنّ الجذع إلى النبي (صلى الله عليه وسلم ) فأنظر ماذا كان منه صَلى الله عليه وسلم اذ يقول أنس بن مالك (رضي الله عنه): فَحَنَّ الْجِذْعُ حَتَّى أَتَاهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ، لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " (رواه أحمد).

هذه صور من حياته صَلى الله عليه وسلم، تجسد رحمته، فما أحوجنا إلى أن نعيش بالقلب والجوارح هذه الرحمة فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وفي سائر أحواله، فالرحمة من قيم ديننا وأخلاق نبينا وهى إلى المغفرة نهجنا والى الجنة طريقنا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ"، وكما أنها مفتاح قلوب الناس؛ إذ يقول الله (جل وعلا) (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران 159) هي أيضا مفتاح لباب رحمة الله (تعالى)، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْحَمُوا تُرْحَمُوا، وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ "وقال أيضا "لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ" (متفق عليه)

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----        اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent