recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: حال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) مع أصحابه (رضي الله عنهم) - للشيخ / محمد حســــن داود (7 ربيع الأول 1445هـ - 22 سبتمبر 2023م

 

خطبة بعنــــوان:
حال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم)
مع أصحابه (رضي الله عنهم)
للشيخ / محمد حســــن داود
(7 ربيع الأول 1445هـ - 22 سبتمبر 2023م)



العناصــــــر:      مقدمة
- حديث القرآن والسنة عن مكانة الصحابة
(رضي الله عنهم).
- حال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) مع أصحابه
(رضي الله عنهم).
- دعوة إلى التأسي بالنبي (صَلى الله عليه وسلم).

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران 159)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "خَيْرُكُمْ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" (رواه البخاري)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فلقد جمع الله (سبحانه وتعالى) للحبيب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) صفات الجمال والكمال البشري، فكان في كل جوانب حياته أسوة حسنة؛ إذ اتصف بأنبل الصفات، وأرفع القيم، وأجمل الخصال، وأحسن الأخلاق، فكان أكمل الناس خَلقًا وخُلقًا، وأعظمهم إنسانيةً، وأرجحهم عقلاً، وأكثرهم أدباً، وأوفرهم حلماً، وأكرمهم نفسًا، وألينهم كلامًا، وأحسنهم قولًا؛ فقد قال الله (عز وجل) في حقه (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم4)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)، قَالَ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا"(رواه البخاري). فلم تتغير معاملة النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، في حسنها وجمالها، مع الصحابة (رضي الله عنهم) عن معاملته لأهله، فهو صلى الله عليه وسلمَ القائل: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ" ومن ذلك:

- أن كان يتحدث عن فضائلهم: فعنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ (رضي الله عنهما) قَالَ: قَالَ النبي (صلى الله عليه وسلمَ)"خَيْرُكُمْ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" قَالَ عِمْرَانُ لاَ أَدْرِى أَذَكَرَ النبي (صلى الله عليه وسلمَ) بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً (رواه البخاري) وقال صلى الله عليه وسلمُ: "النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ ما تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي ما يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتي ما يُوعَدُونَ" (مسلم).

فهم صفوة خلق الله تعالى بعد النبيين والمرسلين (عليهم الصلاة والسلام) ففي قول الله (عز وجل): (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) (النمل59) يقول ابن عباس (رضي الله عنهما): "هم أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلمَ)" (تفسير القرطبي)، فازوا بكل فضيلة، حيث قال فيهم الحق (سبحانه وتعالى): (والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة100).

وليس في الأمّة كالصحابهْ *** في الفضل والمعروف والإصابهْ
فإنّهم قد شاهدوا الْمُخْتَارا *** وعايَنُوا الأسرارَ والأنــــــــــوارا

- كان متواضعا معهم: إذ يقول أنس (رضي الله عنه): "وَكَانَ إِذَا لَقِيَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، قَامَ مَعَهُ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ يَنْصَرِفُ عَنْهُ، وَإِذَا لَقِيَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَتَنَاوَلَ يَدَهُ، نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَلَمْ يَنْزِعْ مِنْهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَنْزِعُ عَنْهُ"، لا يستنكف أن يمشى في حاجاتهم، فعنْ أَنَسٍ: أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ "يَا أُمَّ فُلَانٍ، انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ"، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (رواه مسلم) ويقول عبد الله بن أبي أوفى، إن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) "لا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ" (النسائي ) .

- يراعى شعورهم، فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْنِي لَهُمْ نَخْلَةً، فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهِ، قَالَ : فَضَحِكُوا مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ): "أَتَضْحَكُونَ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ جَبَلِ أُحُد."

- دائما معهم، في أفراحهم وأتراحهم، في قوتهم وضعفهم، يشهد جنائزهم ويعود مرضاهم، فعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ : "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ): يَأْتِي ضُعَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَزُورُهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ، وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ "(مستدرك الحاكم).

- يجبر خواطرهم، ويشعر بآلامهم، فيواسيهم، ويجعل لهم من محنهم منحا، ومن الحزن فرحا، ومن الألم أملا؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ" فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ (رواه مسلم) وعن قرة بن إياس، قَالَ : كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَهَلَكَ ، فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: "مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا"، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا فُلَانُ أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ، يَفْتَحُهُ لَكَ"، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ قَالَ: "فَذَاكَ لَكَ" (رواه النسائي). وفي مواساته لجابر بن عبد الله يقول سيدنا جابر: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ لِي: "يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا"؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: "أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ"؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:" مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا. فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ (عَزَّ وَجَلَّ): إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ " قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا) (آل عمران 169) (رواه الترمذي).

كان لينا معهم: فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ ، قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم " (رواه مسلم).

كان جوادا كريما: أجود بالخير من الريح المرسلة؛ إن أرسلت إليه صدقة، كانت للفقراء منهم، وإن أهديت إليه هدية أشركهم فيها، لا يبخل بمال ولا طعام، بل يشاركهم طعامه، فعن جابر بن عبد الله، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا فِي دَارِي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلْتُ الْحِجَابَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: "هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟"، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَأُتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَخَذَ قُرْصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَيْنِ، فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ: "هَلْ مِنْ أُدُمٍ ؟"، قَالُوا: لَا إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ، قَالَ: "هَاتُوهُ فَنِعْمَ الْأُدُمُ هُوَ" (رواه مسلم). وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا بَقِيَ مِنْهَا"؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ: "بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا" (رواه الترمذي).

بل كان يؤثرهم على نفسه، ويعطيهم العطاء وإن كان في حاجة إليه، فعَنْ سَهْلٍ: "أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟، قَالُوا: الشَّمْلَةُ، قَالَ:نَعَمْ، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ،(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ, فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا؟، قَالَ: الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي؟ " قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ" (البخاري).

كما كان صلى الله عليه وسلمَ يمزح معهم، ولا يقول إلا حقا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا (أي تُمَازِحُنَا )، قَالَ: "إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا "، (رواه الترمذي)، ومن صور ذلك: عن صهيب، قال قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، بِالْهِجْرَةِ وَهُوَ يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَقْبَلْتُ آكُلُ مِنَ التَّمْرِ وَبِعَيْنِي رَمَدٌ ، فَقَالَ: "أَتَأْكُلُ التَّمْرَ وَبِكَ رَمَدٌ؟" فَقُلْتُ : إِنَّمَا آكُلُ عَلَى شِقِّي الصَّحِيحِ لَيْسَ بِهِ رَمَدٌ ، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) (مستدرك الحاكم ) وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَحْمَلَ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ "حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ النَّاقَةِ " فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إِلَّا النُّوقُ" (رواه الترمذي) وعَنِ الْحَسَنِ، قَالَ : أَتَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ"، قَالَ: فَوَلَّتْ تَبْكِي، فَقَالَ: "أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا) (الواقعة 35-37) " (رواه الترمذي)

كما كان صلى الله عليه وسلمَ، وفيا لهم لا يجحد فضل من كان له فضل، إذ يقول في أبى بكر (رضي الله عنه): "إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ" (رواه البخاري(، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ" (رواه الترمذي).

فما أحوجنا إلى نكون جميعا في ألفة ومودة، فعلى ذلك حثنا الإسلام، حيث قال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة 83) وقال عز وجل: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء53) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ، وَلَا يُؤْلَفُ". ما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح أخلاق النبي (صلى الله عليه وسلَم) فنأخذ من مشكاته، ونقتدي به في سيرته وسريرته، وفي سائر أحواله، حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا، فقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )(الأحزاب21)؛ فإن كان قد فاتنا شرف صحبة المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ)، كان لزاما علينا أن نعمل حتى لا يفوتنا هذا الشرف الذي جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، عنْ أبي هريرةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رسُول اللَّه (صلى الله عليه وسلمَ) أَتَى المقبرةَ فَقَال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَار قَومٍ مُؤْمِنينِ وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لاحِقُونَ، ودِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا"، قَالُوا: أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد"، قالوا: كيف تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسولَ الله؟ فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحجَّلَةٌ بيْنَ ظهْريْ خَيْلٍ دُهْمٍ بِهْمٍ، أَلا يعْرِفُ خَيْلَهُ؟" قَالُوا: بلَى يَا رسولُ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّهُمْ يأْتُونَ غُرًّا مَحجَّلِينَ مِنَ الوُضُوءِ، وأَنَا فرَطُهُمْ على الحوْضِ" (رواه مسلم).

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----        اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent