recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان: صدقة الفطر وحق الله في المال - للشيخ / محمد حســـــــن داود

 

خطبة بعنـوان:
 صدقة الفطر وحق الله في المال
للشيخ / محمد حســـــــن داود
(26 رمضان 1445هـ -  5 أبريل 2024م)


العناصــــــر:      مقدمة :
- دعوة الإسلام إلى الإنفاق والصدقات.
- بين الصيام والصدقة.
- صدقة الفطر وحق الله (عز وجل) في المال.
- فضل الصدقات والزكوات وعواقب البخل.
- دعوة إلى اغتنام ما بقي  من رمضان بصالح الأعمال.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون) (البقرة 272)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(متفق عليه)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فلقد شرع الله لعباده من الطاعات ما يقربهم إليه، ويوصلهم إلى مرضاته، ويكون سبباً في دخولهم الجنة والنجاة من النار، وكان من ذلك فعل الخيرات، والإنفاق في وجوه الخير وصنوفه؛ تزكية للنفوس وتطهيرا لها، وتماما لمكارم الأخلاق، وفلاحا في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج 77)، وقال سبحانه: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد 7)، وقال عز وجل: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُون) (البقرة 272) ويقول النبي (صلى  الله عليه وسلم): "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ".

فالإنفاق دليل على الإيمان كما بين ذلك المصطفى (صلى الله عليه وسلمَ) إذ يقول: "والصَّلاة نور، والصَّدقة بُرهان، والصَّبر ضياءٌ". وبه يصل العبد إلى حقيقة البر، فقد قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ )(آل عمران 92).

وهو من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله (جل وعلا) في هذه الأيام المباركة؛ فلقد كان النبي (صَلى الله عليه وسلم) أكرم الناس وأجود الناس، وخاصة في هذا الشهر المبارك، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم) أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ" فما أعظم الصدقات وما أرفع شأنها، يقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): " ذُكِرَ لِي أَنَّ الْأَعْمَالَ تَبَاهِي فَتَقُولُ الصَّدَقَةُ: أَنَا أَفْضَلُكُمْ".

 إن المتدبر في أمر  الصيام والصدقة يجد بينهما ارتباطا وثيقا وعلاقة وطيدة، فإن كان في معنى الصيام، الشعور بالفقير، ففي الصدقة الشعور به وقضاء حاجته، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ( يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ) شَهْرًا" .

 وكما أن الصيام طريق وصول إلى درجة التقوى، إذ يقول الحق (سبحانه وتعالى): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 183) فكذلك الصدقات، إذ يقول الله (عز وجل): (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ...) (آل عمران133-134).

كما أنهما بابان إلى مغفرة الذنوب والأجر العظيم، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (الاحزاب35)

بابان إلى الجنة، ففي الحديث الشريف " مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ ... " (رواه مسلم)

حصنان من النار، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "الصِّيامُ جُنَّةٌ، وحِصنٌ حَصينٌ مِن النَّارِ". وقال أيضا: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " (رواه البخاري).

كما أن في الصدقات إعانة للصائمين، وفى فضل ذلك يقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "مَنْ فَطَّرَ صَائِماً كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ" (رواه الترمذي).

إن من حق الله (عز وجل) في المال الزكاة؛ ففي الحديث النبوي الشريف: "أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْفهي ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائضه، وشعيرة من شعائره؛ اجتمع ذكرها مع الصلاة في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، وهذا من عظيم شأنها والترغيب في أدائها، والترهيب من تركها أو التساهل فيها، يقول ابن عباس (رضي الله عنهما): "ثلاث آيات نزلت مقرونات بثلاث لم تقبل منها واحدة بغير قرينتها، الأولى قوله تعالى (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ) (المائدة92) فمن أطاع الله ولم يطع رسوله لم يقبل منه، والثانية قوله تعالى (وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلَوٰةَ وَاتُواْ ٱلزَّكَـوٰةَ) (النور56) فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه، والثالثة قوله تعالى (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه". ويقول الشيخ السعدي (رحمه الله): "كثيرا ما يجمع (تعالى) بين الصلاة والزكاة في القرآن، لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان" (تفسير السعدي).

ومن ذلك زكاة الفطر؛ فعن كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى:14- 15) قَالَ: "هِيَ زَكَاةُ الْفِطْرِ" (السنن الكبرى للبيهقي)" وعنه أيضأ: أن النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) " كَانَ يَأْمُرُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ يَوْمَ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى:14، 15] وعن ابن عمر "فَرَضَ رسول الله ( صلى الله عليه وسلمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: حرٍّ أو عبدٍ، أو رجلٍ أو امرأةٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ" (متفق عليه).

فلقد شرعت صدقة الفطر طهرة للصائم مما قد يقع فيه من اللغو والرفث، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ"(رواه أبو داود)، وكذلك طعمة للمساكين؛ لأن يوم العيد يوم فرح، ولا يريد الشرع أن يوجد في المسلمين في يوم فرحهم من هم جوعى.

ولم يقف حق الله (عز وجل) في المال عند هذا الحد؛ فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ في المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ"، ثم قرأ قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة: 177) (رواه الترمذي)، قال الإمام العيني (رحمه الله) في عمدة القاري: "ان المؤمنين يلزمهم القربة في أموالهم لله (تعالى) عند توجه الحاجة إليهم؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد في الترمذي مرفوعًا".

إن للإسلام منهج فريد في رعاية الفقراء، والاهتمام بهم من شتى الجوانب، فكما دعا إلى صلتهم ومجالستهم حرص على رعايتهم اجتماعيا ومساعدتهم ماليا، فحث على الصدقات والعطاء والإنفاق، ومدح أهل العطاء بعطائهم؛ وما أعظم قوله في الأشعريين: "إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ، جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ، بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ". ومن فضل الإنفاق والعطاء والصدقات:

أن في الصدقات دواء للأمراض القلبية، كما في قوله صَلى الله عليه وسلم، لمن جاء يشكو إليه قسوة قلبه: "أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ" قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "ارْحَمِ الْيَتِيمَ وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِنْ قَلْبُكَ وَتُدْرِكْ حَاجَتَكَ"، بل ودواء الأمراض البدنية كما في قوله صلى الله عليه وسلمَ: "دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ".

فيها نماء للحسنات والدرجات: فقد قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة245)، ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم) "مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ" (رواه البخاري)

من أسباب تكفير السيئات، قال تعالى (ِإِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة271) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ) "والصَّدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما يُطْفِئُ الماءُ النَّارَ".

وكل متصدق في ظل صدقته يوم القيامة، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ" (رواه ابن حبان)، وقد ذكر النبي (صَلى الله عليه وسلم) أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ" (رواه البخاري).

إن من ينظر الزكوات والصدقات يجد فيها تأليف القلوب، وتأنيس النفوس، وإشاعة جو من التعاطف والتراحم، فهي وسيلة ما أقواها في التكافل الاجتماعي الذي جاء به الإسلام؛ والإسلام لا يرضى للغني أن يُهمل الفقير وغيره من المحتاجين، فلا يجد الفقير القوت الذي يكفيه، والثوب الذي يزينه ويستره ويواريه، والمسكن الذي يؤويه، فكم سدت الزكوات والصدقات من خَلة، وكم جبرت من فاقَة، وكم فرجت عن معسر وأغنت من مسكين، وساعدت محتاج، والنبي (صلى الله عليه وسلمَ) يقول: "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ  مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى".

ومع كل هذه الفضائل الكبرى والدرجات العظمي، إلا أن بعض الناس قد يقع في شباك الشيطان، فيزن لهم الأمور بميزان المادة، ويصور لهم أن الزكاة والصدقات والإنفاق خسارة ومغرمًا، والحق غير ذلك كما بيَّن لنا الله (سبحانه وتعالى) وبين لنا رسوله الكريم، فقد قال تعالى (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة268)، وقال تعالى (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ )( سبأ39) ويقول صلى الله عليه وسلمَ: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" (رواه مسلم ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "قَالَ اللهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى): يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ" (متفق عليه) ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"(متفق عليه)

ها هو شهر رمضان قد اذنت بالغروب شمسه فلم يبق إلا بعض ساعات، فأحسنوا ختام أعمالكم في هذا الشهر بصالح الأعمال، وأحسنوا ختام أيامكم في هذا الشهر بالاجتهاد فيها، فطوبى لمن وفقه الله لعمل الصالحات، والتقرب إليه بالصدقات، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) "ومَن كانَ في حَاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عنْه كُرْبَةً مِن كُرُبَاتِ يَومِ القِيَامَةِ"، وقال: " وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ".

فلنستدرك ما بقي من خيرات وبركات ونفحات، فلربما ما تبقى أفضل مما قد مضى، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجَنَّةَ" (رواه الترمذي).

نسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال وأن يعتق رقابنا من النار
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


  

 

 

 

google-playkhamsatmostaqltradent