خطبة
بعنــــوان:
أنت عنــــد الله غــــــال
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(20 جمادى الأولى 1446هـ - 22 نوفمبر 2024م)
- أنت عند الله غال، وأثر ذلك في النفوس.
- صور من تكريم الله (عز وجل) للإنسان.
- صور من احترام الإسلام للنفس البشرية ونهيه
عن الانتقاص منها.
- عواقب إيذاء الإنسان والانتقاص منه.
- كن من المكرمين يوم القيامة.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد
لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء
بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده
ورسوله، نبي الرحمة ورسول السلام، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله،
وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فلقد خص الله (عز وجل) الإنسان من بين
المخلوقات بتكريم ومنزلة وعطايا وهبات، وأعلن ذلك في كتابه العزيز، فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الاسراء70)، فقيمة
الإنسان عند الله عظيمة وغالية، وليس ذلك التكريم مشروط بدين أو لون أو عرق؛ قال
عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات13)، ويقول النبي (صَلى
الله عليه وسلم) "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ،
وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلاَ
لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلاَ أَسْوَدَ
عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى"(رواه أحمد) ولما مَرَّتْ جِنَازَةٌ
بالنبي (صَلى الله عليه وسلم) قَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ
يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا". وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)،
أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ بْنُ حَرَامٍ كَانَ
يُهْدِي إلى النَّبِيِّ (صَلى الله عَلَيه وسَلم) الْهَدِيَّةَ فَيُجَهِّزُهُ
إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلى الله عَلَيه وسَلم):
"إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ"، قَالَ: فَأَتَاهُ
النَّبِيُّ (صَلى الله عَلَيه وسَلم) وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ
مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟
فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ (صَلى الله عَلَيه
وسَلم) جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلى الله
عَلَيه وسَلم): "مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ؟"، فَقَالَ زَاهِرٌ:
تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللهِ كَاسِدًا! فَقَالَ: "لَكِنَّكَ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ
بِكَاسِدٍ"، أَوْ قَالَ (صَلى الله عَلَيه وسَلم): "بَلْ أَنْتَ عِنْدَ
اللهِ غَالٍ" (رواه ابن حبان).
"أَنْتَ عِنْدَ اللَّهِ غَالٍ" ما
أعظمها من كلمة: تغرس في النفوس الثقة واليقين وحسن الظن بالله (عز وجل).. تدفع
القلوب إلى القرب من الله (سبحانه وتعالى).. توجه الإنسان نحو الطاعة.. تحث
الجوارح على فعل الصالحات، والقيام بالواجبات.. تعزز الثقة بالنفس وتحفز على تحقيق
الأهداف في الحياة.. تثمر في القلوب الاستقرار النفسي والروحي.. تحث على الاعتزاز
بنعم الله وتحقيق معاني شكرها.
وإننا إذا نظرنا في كتاب الله (عز وجل) وسنة
نبيه (صلى اللهُ عليه وسلم) لنرى شيئا من جوانب تكريم الله (عز وجل) للإنسان؛ لوجدنا
منها:
- أن خلقه الله (عز وجل) بيده، ونفخ فيه من
روحه، وأسجد له ملائكته، قال تعالى: (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي
خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر: 71-
72).
- خلقه في أكمل صورة وأحسن تقويم، قال تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (غافر:64). وقال عز وجل: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4).
- أكرمه بالنعم العظيمة التي لا تعد ولا تحصى، قال
تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ
رَّحِيمٌ)(النحل: 18).
- أمده بالعقل والسمع والبصر، ومنحه النطق
والفهم، قال تعالى: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا
تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ) (النحل: 78)، وقال: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا
وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد: 8- 10). وقال: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ *خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ
الْبَيَانَ) (الرحمن 1 –4).
- استخلفه في الأرض، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ
رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة: 30).
- وسخر له الكون كله؛ قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية:
13).
- أرسل له الرسل، قال تعالى: (رُسُلاً
مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ
بَعْدَ الرُّسُلِ) (النساء: 165).
- تفضل عليه فجعل جزاء العمل الصالح مضاعفا، قال تعالى:
(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ
بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:
160)، وفتح باب التوبة لمن كان عمله غير صالح، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي
يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا
تَفْعَلُونَ) (الشورى: 25).
إن الإسلام دين
يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، يعمر ولا يخرب، دين اهتم بقدسية النفس البشرية،
ومكانتها واحترامها، وعدم الانتقاص منها؛
- فكان أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا مع الناس،
واحتراما لهم، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ) "أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ
إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً" (رواه أبو داود).
- وأفضل الإسلام، بل وتمامه، أن يسلم الناس من
يد العبد ولسانه، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ (رضي الله عنه)
إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:
"مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"(رواه أحمد).
- وخير الناس وأحبهم إلى الله (عز وجل) أنفعهم
للناس، فقال صَلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ
أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ"، وقال: " خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ
لِلنَّاسِ.
- وكان حسن القول مع الناس من أفضل الخصال
والصدقات: إذ يقول صَلى الله عليه وسلم: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ
صَدَقَةٌ" (متفق عليه).
- وأن كل ما فيه نفع للناس فهو عظيم الأجر كبير
الفضل ولو قل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ
غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ
لَهُ" (رواه البخاري).
- وأن الرحمة بالضعفاء وأصحاب الهمم ومعرفة قدر
كبار السن؛ قيمة عظيمة، فقد قال النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
"إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ
الْمُسْلِمِ"(رواه أبو داود). ويقول أيضا: هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ
إِلا بِضُعَفَائِكُمْ" (رواه البخاري).
ولقد علمتم أن
الله (عز وجل) عاتب نبيه، (صلى الله عليه وسلمَ)، لما أعرض عن ابن أم مكتوم
وكان أعمى، حيث جاء ابن أم مكتوم إلى النبي (صلى الله عليه وسلمَ) قائلا: علمني
مما علمك الله، وكان النبي (صلى الله عليه وسلمَ) منشغلاً بدعوة بعض صناديد قريش،
فما أحب أن ينقطع كلامه معهم، فنزل قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ
الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ
الذِّكْرَى) (عبس:1- 4).
أما إيذاء الناس بأي صورة كان قليلا أو كثيرا هذا
الإيذاء فهو أمر منهي عنه؛ فقد قال صلى
اللهُ عليه وسلم": إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ"
فكان الاعتداء على أية نفس اعتداء على
الإنسانية كلها، كما كان تقديم الخير لنفس كتقديم الخير للبشرية كلها، قال تعالى:
(مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ
نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة32).
ولم يقف النهي عند الإيذاء المادي؛ بل يشمل النهي
كل إيذاء حتى لو كان معنويا أو حتى كان بالإشارة، فقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا
مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا
تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
) (الحجرات11) وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
" بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ
أخاهُ المُسْلِمَ" (رواه مسلم)، وتدبر قوله صلى الله عليه وسلمَ "إِذَا
كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ
يُحْزِنُهُ" وقد جاء أن ابن مسعود (رضي الله عنه) كان على شجرة فهبت الريح فكشفت
ساقيه فضحك الصحابة من دقتهما، أي من نحالتهما، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا يُضْحِكُكُمْ" ؟ قَالُوا: دِقَّةُ
سَاقَيْهِ . قَالَ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مُنْ أُحُدٍ
". وعن أبي هُرَيْرَةَ، أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) قال: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ،
فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ
لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" ( رواه مسلم) وقد جاء أن بعض الصحابة كَانُوا يَسِيرُونَ
مَعَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ،
فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ، فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم)َ: "لَا يَحِلُّ
لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ".
ولم يقتصر الأمر في حق
الإنسان عند احترامه وعدم إيذائه حال حياته، بل يمتد ليكون بعد مماته، فعَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):"كَسْرُ عَظْمِ
الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"(رواه ابن ماجه)، ومنه أيضا أن نهى النبي عن الجلوسِ على القبرِ فقال صلى اللهُ عليه وسلم
:"لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ،
فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ؛ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ" (رواهما
مسلم) .
إن المسلم، طيب الخلق،
جميل العشرة، حسن التعامل، لين الجانب، مخموم القلب، لا يحمل غلا ولا حسدا ولا
شرا، يألف ويؤلف، كما قال النبي (صَلى الله عليه وسلم):" المؤمن يأْلَف
ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف".
وإن المتدبر في القرآن
الكريم والسنة النبوية يرى موقف الإسلام ممن لا يمنع الناس بوائقه وأذاه وشروره؛ فكم
من عابد لله (تعالى) يصوم النهار ويقوم الليل وينفق القليل والكثير إلا انه يؤذى
الناس بقوله أو فعله؛ وقد جاء عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ فُلَانَةً
تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ وَتُؤْذِي
جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ): "لَا خير فيها هي من أهل النار" (رواه البخاري في الأدب
المفرد) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا
الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ
الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ
وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا
وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا
مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ
أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (رواه
مسلم).
من جانب آخر فإن قول
النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) لسيدنا زَاهِر بْن حَرَامٍ (رضي الله عنه): "أنت
عند الله غال"، يلفت أنظارنا وانتباهنا إلى أن نحافظ على تكريم الله (عز وجل) لنا فنكون من
المكرمين أهل الدرجات والفوز بالجنات يوم القيامة؛ وذلك بالطاعات والعبادات
والقربات؛ فقد قال تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ
فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 71)، وقال سبحانه: (وَيُنَجِّي اللَّهُ
الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ
يَحْزَنُونَ) (الزمر: 61)، وقال عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا
لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) (الكهف: 107- 108) فلا نحقر عملا صالحا مهما قل، فقد
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا
رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)(الحج 77)، ولا نحقر عملا
سيئا وإن قل؛ فقد قال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): "إِيَّاكُمْ
وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ
نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى
أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا
صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ" (رواهم أحمد).
خَلِّ الذُّنُوبَ حَقِيـــــــــرَهَا ***
وَكَثِيرَهَا فَهُـــوَ التُّقَى
كُنْ مِثْلَ مَاشٍ فَوْقَ أَرْ ضِ *** الشَّوْكِ يحْذَرُ مَا يَــرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيـــــــــــــرَةً *** إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
اللهم أعنا
على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
واهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها
واحفظ اللهم مصـــر مـن كل مكروه وسـوء
=== كتبه===
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا