خطبة بعنــــــوان:
اترك
عند الناس أطيب الأثر
وكن رجلًا إن أتوا بعده * يقولون: مَـرَّ، وهذا الأثر
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(20
ربيع الأول 1447هـ - 12 سبتمبر2025م)
العناصـــــر :
-
بقاء الذكر الجميل، واستمرار الثناء الحسن للعبد بعد رحيله نعمة عظيمة.
- تعظيم قيم المسئولية بصورها وبقاء الذكر الحسن والأثر الطيب.
- أعمال تورث الإنسان أثرا طيبا وذكرا حسنا وأجرا عظيما.
- نماذج تركوا أثرا طيبا بعد وفاتهم.
دعوة إلى تحقيق معاني المسئولية للفوز بالأثر الطيب.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمدُ للهِ
الذي لم يقطع عملَ عبادهِ بالموت، بل جعل لهم بعد رحيلهم أعمالًا جاريةً، يصل
ثوابها إليهم في قبورهم، وتثقل بها موازينهم يوم يقوم الناس لرب العالمين، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، إمام
المتقين، وسيد المرسلين، وخاتم النبيين، شمس الهدى التي أضاءت للبشرية طريقها،
وقمر الدجى الذي أشرق نوره في قلوب المؤمنين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد،
وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن الأعمار مضروبةٌ، والآجال مقسومة،
لا خلود في دار الدنيا لأحد، لكن الأعمال الجليلة والآثار الجميلة والسنن الحسنة
تخلد ذكرى صاحبها بين الناس، وتورثه في حياته وبعد مماته ذكراً، وثناء، فكم مر
راكب بأرض ثم مضى، ونزل نازل بمكان ثم ارتحل، غاب شخصه وبقيت آثاره، لم ير حين
أقام، ولا حين ارتحل، ولكن الآثار ظلت شاهدة، والمواقف كانت خالدة.
فمن علامات التوفيق والسداد أن يترك
العبد منا أثرًا طيبًا بعد رحيله، يُذكر به، ويكتب له به الأجر والثواب، فكم من
العلماء والفطناء والعظماء والصالحين وأصحاب المواقف الطيبة بعد أن غيبهم الأجل
وطواهم الموت، ما زالت مذاكرهم وآثارهم وممادحهم تبعث في المجالس مسكا وطيباً،
ولله در من قال:
قَد مَاتَ قَومٌ وَمَا مَاتَت
فَضَائِلُهُم *** وَعَاشَ قَومٌ وَهُم فِي النَّاسِ أَموَاتُ
فبقاء الذكر الجميل، واستمرار الثناء
الحسن، والصيت الطيب للعبد بعد رحيله عن هذه الدنيا نعمة عظيمة فاز بها من تحمل المسئولية،
فاز بها من بذلوا الخير والبر، ونشروا الإحسان ونفعوا الخلق، وجمعوا التقوى
والصلاح ومكارم الخصال وجميل الخلال.. يقول تعالى: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا
إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم
بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ
الأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ
الأَخْيَارِ * هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ
لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) (ص:45 -48) أي هذا شرف وثناء جميل يُذكَرون به،
قال القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن): "(هذا ذكر): بمعنى هذا ذكر جميل في
الدنيا، وشرف يذكرون به في الدنيا أبدا. (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ):
أي لهم مع هذا الذكر الجميل في الدنيا حسن المرجع في القيامة". وقال تعالى: (وَوَهَبْنَا
لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) (مريم:50)،
يعني: ورزقناهم الثناء الحسن، والذكر الجميل من الناس.
ولا شك أن أرفع الناس قدرا وأبقاهم
ذكرا، وأعظمهم شرفا وأكثرهم للخلق نفعا هو سيدنا النبي المعظَّم والرسول المكرَّم نبيُّنا
وسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلمَ) الذي قال الله (تعالى) في حقه: (وَرَفَعْنَا
لَكَ ذِكْرَكَ) ( الشرح:4)، والذي أوصانا فقال: "خُذْ مِن صِحَّتِكَ
لِمَرَضِكَ، ومِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ" (رواه البخاري).
ولا شك أن أعظم ما يحقق الأثر الطيب والذكر الحسن للعبد هو تعظيم قيم المسئولية؛
إذ إن المسلم الحق تتجسد في كل لحظة من لحظات حياته المسئولية بكل صورها... وإن من صورها:
- المسئولية الشخصية أو الفردية: وهي مسئولية
كل فرد عن نفسه وبدنه وعقله، علمه وعمله، عباداته ومعاملاته، ماله وعمره، أعمال قلبه
وجوارحه، فإن أحسن تحقق له الثواب والذكر الحسن، وإن أساء باء بالعقاب في الآخرة،
فقد قال تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8)، وقال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ
بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: 38)، لذلك كان من وصايا المصطفى (صلى الله عليه
وسلم): "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ
قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ
قَبْلَ مَوْتِكَ".
ومن لوازم هذه المسئولية أن يؤدى الإنسان
ما كلف به من واجبات، وكذلك ما أمر به من عبادات وطاعات فقد قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56) وفي الحديث القدسي:
"وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ
عَلَيْهِ" (رواه البخاري). ومنها
أيضا أن يرتقى الإنسان بأخلاقه وسلوكه فقد قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا *
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ
مَنْ دَسَّاهَا) (الضحى: 7-10) وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):
"إِنَّ مِن أحَبِّكُم إِليَّ وأَقربِكُم مِنِّي مجلسًا يومَ القيامَة: أَحاسِنكم
أخلاقا"... وما أجمل ما قاله سيدنا ابن عباس (رضي الله عنهما) إذ يبين لنا
شيئا من أثر هذه المسئولية؛ فيقول سَعِيد بْن جُبَيْرٍ (رضي الله عنه): جَاءَ
رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما)، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ (عَزَّ
وَجَلَّ): (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) (الدخان 29) فهَلْ
تَبْكِي السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ عَلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّهُ لَيْسَ
مِنَ الْخَلَائِقِ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ بَابٌ في السَّمَاءِ يَنْزِلُ مِنْهُ
رِزْقُهُ وَيَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ بَكَى عَلَيْهِ
بَابُهُ مِنَ السَّمَاءِ الَّذِي كَانَ يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ وَيَنْزِلُ
مِنْهُ رِزْقُهُ، وَإِذَا فَقْدَهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي كَانَ
يُصَلِّي فِيهَا وَيُذْكُرُ اللهَ فِيهَا بَكَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ قَوْمَ
فِرْعَوْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ آثَارٌ صَالِحَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ
يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْهُمْ خَيْرٌ فَلَمْ تَبْكِ عَلَيْهِمْ" (شعب
الإيمان، للبيهقي).
- المسئولية الأسرية: وتبدأ هذه المسئولية بحسن التعامل بين الزوجين فقد حث الإسلام على المعاملة
الحسنة بين الزوجين، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ
أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي
الله عنهما)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قَالَ:
"خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"
(رواه ابن ماجه).
وفي إطار المسئولية الأسرية: يأتي دور الأسرة
في تحمل مسؤولية التربية الصحيحة للأجيال، فان تربية الأجيال وإعداد النساء والرجال
مسؤولية عظمى، وإن قضية العناية بفلذات الأكباد وثمرات الفؤاد من النشء والأولاد قضية
كبرى يجب على الآباء والأمهات أن يولوها القدر الكبير من اهتمامهم؛ لأن مقومات سعادة
الأفراد والأسر بل والمجتمعات منوطة بها فإن البيت هو الركيزة الكبرى، وعليه المسئولية
العظمى في بناء الفرد، وتقع على كاهله تحديد شخصيات الأبناء، وتكوين ملامحهم الفكرية
والروحية والأخلاقية.
وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلّا لَهُ
عَمَدٌ *** وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتادُ
فعلى الأسرة أن تجتهد في تصحيح سلوكيات
أبنائها، وغرس المثُل الإسلامية في نفوسهم، وتأصيل الأخلاق الحميدة التي جاء بها الإسلام
فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ
يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ". وليرى الأبناء في الوالدين قدوةً حسنة، فلا يكون هناك
تناقض بين أقوالهم وأفعالهم، ولله
در من قال:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان
عوّده أبوه
فهناك فرق كبير بين مَن يغرس في ولده الخير
ومكانة المسئولية، ومَن يغرس عكس ذلك، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا
مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا
يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: "إِنَّ اللَّهَ
سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ
الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ" (رواه ابن حبان). وما أعظم قول النبي (صلى الله عليه وسلمَ):
"إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ ينتفعُ
به، وولدٍ صالحٍ يدعو له". إذ تبين لنا شيئا من أثر تحقيق جوانب هذه المسئولية.
المسئولية المجتمعية: وهي قيمة عظيمة،
قد كلف كل فرد في المجتمع بحملها والقيام بها تجاه مجتمعه اذ تتضمن تقديم يد الخير
والعون على اختلاف صنوفه وألوانه، من تكافل، وتراحم، ومواساة، وتواد، وتعاون، قال
تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى
الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة:
٢) وقال سبحانه: (وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة:
١٥٨) كما أن السنة النبوية المطهرة زاخرة بدعوات وحث على تعظيم قيمة المسئولية
المجتمعية، منها ما جاء عن أَبي هُرَيْرَةَ (رَضي اللهُ عنه) قال: قالَ رسُولُ
الله (صلى الله عليه وسلمَ): "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ،
كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ،
وتُعين الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها أو تَرْفَعُ لهُ متَاَعَهُ
صَدَقَةٌ، والْكَلِمةُ الطَّيِّبةُ صَدَقَةٌ، وبكُلِّ خَطْوَةٍ تَمشِيها إلى
الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأَذَى عنِ الطَّرِيِق صَدَقَةٌ "(رواه
البخاريُّ ومسلم) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رسول الله (صَلى الله عليه
وسلم): "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟" قَالَ أَبُو
بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: ":فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً" قَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ
مِسْكِينًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ
الْيَوْمَ مَرِيضًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلى
الله عليه وسلم): "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ
الْجَنَّةَ" (رواه مسلم)، ويقول رسولنا (صَلى الله عليه وسلم):
"خير الناس انفعهم للناس".
ﺻﻨﻊُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞِ ﻭَﻓﻌﻞُ ﺍﻟﺨﻴــﺮِ ﺇِﻥْ ﺃُﺛِﺮﺍ
*** ﺃﺑﻘﻰ ﻭَﺃَﺣﻤﺪ ﺃَﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺃَﺛــــــَﺮﺍ
ﺑَﻞْ ﻟﺴﺖُ ﺃَﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺳﻮﻯ *** ﻋــــﻦ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒِ ﻭﺇﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺜﺮﺍ
ﺇِﻥْ ﻛــــــﺎﻥ ﻗﻠﺒﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻔﻪ ﻋﺎﻃﻔﺔٌ *** ﻋَﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻓﺎﺳﺘﺒﺪﻝْ ﺑﻪ ﺣﺠﺮﺍ
إن من الأعمال التي تورث الإنسان أثرا
طيبا وذكرا حسنا وأجرا عظيما وفضلا كبيرا، وحسنات كثيرة بعد موته: تحقيق معاني الاحسان
بكل صوره ومعانيه: قال تعالى: وتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ
عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصّافّات:
78-80).
غَدًا
تُوَفَّى النُّفُوسُ مَا كَسَبَتْ *** وَيَحْصُدُ
الزَّارِعُونَ مَا زَرَعُوا
إِنْ أَحْسَنُوا أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِـمْ *** وَإِنْ
أَسَاؤُوا فَبِئْسَ مَا صَنَعُــوا
ومنها: الدلالة
على الخير: فقد قال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): " مَن دَلَّ علَى
خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" (رواه مسلم). ومنها: ما جاء في حديث
أبي هُريرةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) أن رَسُول اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ) قال:
"إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ
مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أوْ
مُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لابنِ السَّبِيلِ
بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي
صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ"(رواهُ ابنُ ماجه). ومنها:
غرس الغرس، فقد قال سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): "ما مِن مُسْلِمٍ
يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ
أَوْ بَهِيمَةٌ؛ إِلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ" (رواه البخاري).
وإن المتدبر في القرآن الكريم والسنة النبوية
والتاريخ والسير يرى أروع الأمثلة في تعظيم قيم المسئولية ونتاج ذلك في بقاء الأثر الطيب والثناء الحسن: حيث أخبرنا عن
مسؤولية ذي القرنين، قال تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ
يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا
عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ
رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا *
آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ
انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ
قِطْرًا) (الكهف: 94- 96)، كما
أخبرنا عن هذه
النملة التي حذرت قومها أن يصيبهم أذى من جنود سليمان (عليه السلام) وهم لا
يشعرون؛ قال تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ
وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ
قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ
سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) (النمل: 17) ولما مات سيدنا علي بن الحسين (رضي الله عنه) فغسلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار سوداء
بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره، يعطيه فقراء أهل
المدينة، فوجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة (حلية الأولياء).
إن التقدم والرقي والأثر الطيب والثناء
الحسن لا يكون أبدا بالسلبية والأنانية بل يقوم على القيام بواجبات المسئولية على
أكمل وجه، فكل لحظة تتجسد فيها قيم المسئولية بكل صورها، هي خطوة إلى الأمام، وكل
لحظة يتغافل فيها الإنسان عن المسئولية هي خطوات للخلف، ولله در من قال:
دَقّاتُ قَلــــــــبِ المَرءِ
قائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَوانـــي
فَارفَع
لِنَفسِكَ بَعدَ مَوتِكَ ذِكرَها *** فَالذِكرُ لِلإِنسانِ عُمرٌ ثاني
اللهم احفظ مصر
من كل مكروه وسوء
واجعلها أمنا أمانا سخاء رخاء يا رب العالمين
=== كتبه ===
محـمد حســــن داود
إمام وخطيب ومـــدرس
دكتوراة في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ----- اضغط هنا