recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : فضل الدفاع عن الأوطان، والعمل على وحدة صفها، للشيخ / محمد حســـــن داود


خطبة بعنوان :
فضل الدفاع عن الأوطان، والعمل على وحدة صفها
للشيخ / محمد حســـــن داود


 
لتحميل الخطبة : word  اضغط هنا

لتحميل الخطبة :  pdf     اضغط هنا



الموضـــــوع: 
 الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )آل عمران169-171) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله"رواه الترمذي وحسنه) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن من أعظم النعم واجلها، أن يكون للإنسان وطن يعيش تحت ظلاله، ويتنفس هواءه، يجد فيه معنى السكينة، وحقيقة الطمأنينة، فيه تتصل أمجاد الأجداد بالأحفاد، وتتلاحم قلوب الأهل والأحباب، فالوطن نعمة جليلة ومنة عظيمة؛ من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فلينظر في كتاب الله جل وعلا، فقد قرن خروج الجسد من الوطن بخروج الروح من الجسد، قال تعالى(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) النساء66)؛ من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فليتدبر جيدا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها " رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن) إذ يقدم نعمة الأمن والطمأنينة على نعمة من اجل النعم وهى العافية وصحة الجسد؛ من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فلينظر إلى حال من فقدها، وليتدبر قيمتها في ميزان من حرمها؛ فهي مهد الصبا ومدرج الخطى ومرتع الطفولة، وملجأ الكهولة، ومنبع الذكريات، وموطن الآباء والأجداد، ومأوى الأبناء والأحفاد، فكم زلزلت بحب الأوطان مكامن وجدان، وأطلق حبها قرائح شعراء، و سكبت في حبها محابر أدباء، وضحى من اجلها بالغالي والنفيس الأوفياء، وإننا لنجد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمى الأمثلة لحب الوطن ، وترجمته في الواقع عملا وبناء، حماية ودفاعا وتضحية، فلقد وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى إجادة الانتماء للوطن، وحسن الولاء له، وإخلاص الوفاء له، داعيا إلى ترجمة هذا الحب إلي عمل وجد، من اجل الوطن، وحفاظ عليه، ودفاع عنه ضد قوى الشر؛ إذ يلقى درسا بليغا يقرع كل الآذان، ويتردد صداه في كل زمان ومكان, وذلك عندما خرج صلى الله عليه وسلم مهاجرا، ووصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"وفي رِوَاية "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"، بل انظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم حينما وطأت قدمه وطنه الثاني (المدينة) إذ يتوجه إلى الله داعيا أن يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة ، كما في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ ".  فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش هذا الحب والانتماء الوطني بكل وجدانه وجوارحه؛ فقد جاء في (البخاري ومسلم) عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية: " باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا "، وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، انه قَالَ" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ - أَيْ أَسْرَعَ بِهَا - وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا "، ولقد اثر، أن العرب كانت إذا غزتْ وسافرتْ حملتْ معها من تُربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه عند نزْلةٍ أو زكام أو صُداع "الرسائل للجاحظ) ولقد قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ حين ينتعل كل شيء ظله؟ قال "يمشي أحدنا ميلا، فيرفض عرقا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى" أي حب هذا؟ حتى يقول(أنا في وطني بهذه الحالة ملك مثل كسرى في إيوانه)ياله من حب، وياله من وفاء، وياله من انتماء، فللمولى سبحانه الحمد على نعمة الوطن، هذه النعمة التي لا تقدر بالأموال، ولا تساوم بالأرواح، بل تبذل الأموال لأجلها وترخص الأرواح في سبيل الدفاع عنها، فالمخلصون ، يؤمنون بضرورة تقديم كل ما بوسعهم، وبأقصى جهدهم، وبأعظم طاقتهم، لخدمة الوطن وبنائه، وحمايته، والدفاع عنه، والتضحية بالمال والنفس في سبيل أمنه واستقراره، أولئك لهم بشرى الله جل وعلا في قوله (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )التوبة111) إذ أن شرف الشهادة في سبيل الله دفاعا عن الوطن لا يحصره قلم، ولا يصفه لسان، ولا يحيط به بيان، شرفا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "  وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا ، ثُمَّ أُقْتَلُ " رواه البخاري) شرفا علمه الشهداء فتمنوا الرجوع إلى الدنيا فيقتلوا مرارا، لما رأوه من الكرامة والرفعة،  فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ "رواه مسلم ) فهم أحياء عند ربهم يرزقون، قال تعالى( وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ) البقرة154)وقال تعالى(وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)آل عمران 169)تجرى عليهم أعمالهم، فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ" رواه مسلم ) آمنون من العذاب يوم القيامة قال رسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"الترمذي والطبراني والبيهقي)هم في الفردوس الأعلى، فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهِيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ" يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ، قَالَ: يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى" . رواه البخاري)
كما أننا لنجد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمى الأمثلة في الدفاع عن الوطن وحمايته إذ لم يقتصر هذا الحب عند العاطفة فحسب؛ بل كان ذلك ظاهرا جليا في أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، حفاظا على الوطن، ودفاعا عنه، وتضحية من اجله، فلقد جاء عن انس رضي الله عنه انه  قال " وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ ، فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ ، وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ ، فَقَالَ : لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا . أَوْ : إِنَّهُ لَبَحْرٌ " كما تراه صلى الله عليه وسلم يبرم وثيقة المدينة (معاهدة الدفاع المشترك) بينه وبين غير المسلمين من الطوائف التي كانت تسكن المدينة بهدف الدفاع عن الوطن، والحماية له من أي عدو يناوئه أو أي خطر يتهدده، وفى ذلك إشارة إلى أهمية الوحدة والتماسك بين جميع أبناء الوطن، فليست ثمة قضية أجمع عليها قديما وحديثا مثلما أجمع على خطورة التفرق ، وأن الوحدة قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة، وان التفرق ضعف لا يضاهيه ضعف،  كما أن المتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد أن جميع الغزوات التي شارك فيها كانت حماية للوطن ودفاعا عنه وعن استقراره وأمنه وأمانه، وردا لعدوان أعدائه وإبطالا لحيلهم ومكرهم، قال تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) التوبة190) ففي غزوة الخندق اجتمعت الأحزاب من كل حدب وصوب لحصار المدينة والإغارة عليها فكان القتال دفاعا عن النفس والوطن والعرض . وفي غزوة أحُد؛ أراد المشركون أن يستبيحوا حرمة المدينة وان يعتدوا على المسلمين في وطنهم؛ فكان الدفاع عن الأرض والعرض ردا للعدوان وحماية للوطن.
كما ضرب لنا الصحابة الأطهار الأخيار رضي الله عنهم أروع الأمثلة في التضحية دفاعا عن دينهم ووطنهم ؛ فهذا عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ ففي غزوة بدر ، :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ " ، فيَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ ؟ ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ : " فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا " ، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. رواه مسلم ) وهذا أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ وَقَالَ: تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: أَيْنَ؟! أَيْنَ؟! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ قَالَ: فَحَمَلَ فَقَاتَلَ , فقُتِلَ فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَطَقْتُ ما أطاق فقالت أخته: والله ما عرفت أَخِي إِلَّا بِحُسْنِ بَنَانِهِ فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً ضَرْبَةُ سَيْفٍ وَرَمْيَةُ سَهْمٍ وَطَعْنَةُ رُمْحٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب23) صحيح ابن حبان) وعَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَعْرَابِ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ ؟ فَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ أَوْ حُنَيْنٍ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ فَجَاءَهُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَا هُنَا , وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ : " إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ " ، فَلَبِثُوا قَلِيلا ، ثُمَّ دَحَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ ، فَأُتِيَ بِهِ يُحْمَلُ وَقَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : " أَهُوَ هُوَ ؟ " ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : " صَدَقَ اللَّهُ فَصَدَقَهُ " ، فَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ، وَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ : " اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ , فَقُتِلَ شَهِيدًا , فَأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ " المستدرك على الصحيحين) وها هو سيدنا حنظلة بن أبى عامر رضي الله عنه؛ إذ تزوج سيدنا حنظلة في ليلة كانت صبيحتها غزوة احد، ومع ذلك إلا انه لما سمع المنادى ينادى لجمع الناس ردا للعدوان ودفاعا عن الدين والوطن؛ لم يكن له أن يتأخر أو يتكاسل، بل خرج إلى حماية الأرض والعرض وهو على جنابة، فلما استشهد غسلته ألملائكة ولقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال عنه " إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ الْمَلائِكَةُ "وانظر ماذا كان من سيدنا سعد بن خيثمة وابيه، فعنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ ، أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبَانَ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ أَرَادَ سَعْدَ بْنَ خَيْثَمَةَ وَأَبُوهُ جَمِيعًا الْخُرُوجَ مَعَهُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا فَاسْتَهَمَا " ، فَقَالَ خَيْثَمَةُ بْنُ الْحَارِثِ لابْنِهِ سَعْدٍ : إِنَّهُ لا بُدَّ لأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ فَأَقِمْ مَعَ نِسَائِكَ ، فَقَالَ سَعْدٌ : لَوْ كَانَ غَيْرُ الْجَنَّةِ لآثَرْتُكَ بِهِ أَنِّي أَرْجُو الشَّهَادَةَ فِي وَجْهِي هَذَا ، فَاسْتَهَمَا فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ ، فَقَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِوَدٍّ . بل انظر إلى موقف هذا الصحابي الذي رخص له النبي صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج؛ عمرو بن الجموح رضي الله عنه، فلقد كان شيخاً من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر قال لبنيه : أخرجوني ( أي للقتال ) فذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم عرجه ، فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال ، قلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد ، فقال لبنيه أخرجوني، فقالوا له : قد رخص لك رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في عدم الخروج للقتال، فقال لهم هيهات هيهات، منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد، فأبى إلا الخروج للقتال ، فأخرجه أبناؤه معهم ، فجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم يوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ الْيَوْمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ "نَعَمْ " قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أرجعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا عَمْرُو، لَا تَألَّ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَهْلًا يَا عُمَرُ، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَّره، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ يَخُوضُ فِي الجنة بعرجته " رواه ابن حبان )
كما ضرب لنا أبطال قواتنا المسلحة البواسل وأبطال الشرطة البواسل، أروع الأمثلة وأعظمها في الحفاظ على الوطن والدفاع عنه والتضحية من اجله؛ فلقد ضحوا من اجل الوطن وحمايته على مدى العصور والأزمان حتى ضحوا بأرواحهم دفاعا عنه، ولازالوا يقدمون أعظم وأروع الأمثلة في الحفاظ عليه والدفاع عنه وحماية أمنه؛ ولعل من بديع قدر الله أن تأتى الذكرى السادسة والثلاثون لتحرير سيناء هذا العام متوازية مع تلك الجهود المشرفة لقواتنا المسلحة الباسلة ورجال الشرطة البواسل في العملية الوطنية (سيناء2018) هذه الأرض المباركة الطيبة ارض الوادي المقدس طوي، والبقعة المباركة، التي ورد ذكرها في ثنايا الحديث عن سيدنا موسى عليه السلام، قال تعالى (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى )طه12) وقال سبحانه(فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )القصص30) كما اقسم الله جل وعلا بطور سيناء في سورة سميت باسمه قال تعالى (وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ *وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ )الطور1-6)واقسم به صراحة في سورة التين، مقدما القسم به على القسم بالبلد الأمين، مع ماله من مكانة وقدسية،قال تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ )1-3) وإننا أبدا لن ننسى هذا الوفاء الذي يستوجب علينا الوفاء لحماة الوطن والوقوف خلفهم صفا واحدا متماسكا في مواجهة الإرهاب وأهله ومن عاونه ومن ناصره، كما أننا أبدا لن ننسى دماء الشهداء على مر التاريخ ، دماء الشهداء التي حفرت على جدار التاريخ المجد للبلاد والعباد، لا ننسى أبدا الشهداء الذين قدموا أرواحهم من اجل حرية وكرامة الوطن، ولا شك أن من أقل أقل حقوق هؤلاء الشهداء على أبناء الوطن تخليد أسماءهم، وذكراهم ،ليس في سجلات التاريخ فحسب، بل أيضا في كل قلب وعلى كل لسان، ليس من قبيل سرد البطولات التي قاموا بها فحسب، بل أيضا من أجل أن يكونوا نموذجا للاقتداء بهم، وحافزا للأجيال بعدهم على التضحية من أجل الوطن، ورفعته ،وتقدمه ،وحريته .
إن الدفاع عن الوطن واجب شرعي كما انه واجب وطني يحتم علينا أن نكون قلبا واحدا وصفا واحدا مدافعا عنه ومحافظا على أمنه وسلامته واستقراره وكما يظهر الدفاع عن الوطن في التضحية من اجله؛ يظهر أيضا في إخلاص كل عامل في عمله ، في نشر القيم والأخلاق الفاضلة ، يظهر في التنافس في خدمته كل حسب طاقاته وقدراته، يظهر في احترام أنظمته وقوانينه, وطاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" رواه البخاري) يظهر، في التصدي للشائعات والأراجيف والأباطيل التي يقصد بها ملء القلوب من الفتن والمصائب، وشحْن القلوب بالأحقاد والبغضاء على المجتمع والتشكيك في الانجازات، والبناء والتعمير، فمروج الشائعات لئيم الطبع، منحرف التفكير، عديم المروءة، ترسب الغل في أحشائه، ساع في الأرض بالفساد، للبلاد والعباد؛ وقد قال تعالى (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ *الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ". وليكن منهج كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6)يظهر في الحفاظ على الوحدة بين أبناء الوطن، وان اختلفت العقائد؛ فمما لا شك فيه أن الأديان بحكم انتمائها إلى السماء لا تأمر إلا بالخير والصلاح، ولا تدعو إلا إلى البر والحب والإحسان، ولا توصي إلا بالأمن والسلم والسلام، والتماسك والتعاضد؛ يظهر في مناهضة كل دعوة هدامة، و مناهضة الأفكار المتطرفة، ففي مناهضتها توجيها للعقول والقلوب إلى الوسطية والاعتدال والسلم والسلام والمحبة والمودة، وليس ذلك مقصورا على عقول الشباب فحسب، بل لابد أن يمتد ذلك حتى يصل إلى النشء؛ يظهر في مضاعفة الجهد في العمل والإنتاج حتى آخر لحظة من لحظات الدنيا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا ، فَلْيَغْرِسْهَا " .

(اللهم من أراد بمصر خيرا فوفقه إليه، ومن أراد بها سوءا فاجعل كيده في نحره)


google-playkhamsatmostaqltradent