recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: التنمر والسخرية وأثرهما المدمر على الفرد والمجتمع - للشيخ / محمد حســــن داود (2 ذو القعدة 1445هـ - 10 مايو 2024م)

 

خطبة بعنــــوان:
التنمر والسخرية وأثرهما المدمر على الفرد والمجتمع
للشيخ / محمد حســــن داود
(2 ذو القعدة 1445هـ -  10 مايو 2024م)

العناصــــــر:      مقدمة :
- التنمر في الشريعة الإسلامية والفطرة السليمة والعقول الراقية.
- نهي الإسلام عن التنمر والسخرية.
-  أحوال الناس لا يعلمها إلا الله (عز وجل).
- أثر التنمر و السخرية على الفرد والمجتمع.
- دعوة إلى الأخلاق الحسنة ونبذ التنمر والسخرية.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: " بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ " (رواه مسلم)، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

لقد جاء الإسلام داعيا إلى أحسن الخلق وأجمل الصفات، وأنبل القيم وأفضل السمات، ناهيا عن كل ما هو مذموم من الطباع والعادات، ومن الأخلاق التي نهي الإسلام عنها، والصفات التي حذر منها: " التنمر والسخرية": ومعناهما انتقاص العبد والنظر إليه بعين الاستصغار والاحتقار وذكر عيوبه على وجه ينال منه بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة.

وهذا مما ترفضه الشريعة الإسلامية وتحرمه، وترفضه الطباع القويمة والفطرة السليمة والعقول الراقية؛ إذ إن الناظر في الشريعة الإسلامية يعلم جيدا أن كمال الٍإسلام يتطلب عدم إيذاء الناس؛ حيث قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): "المسلم مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"، وأن كمال الإيمان يتطلب حسن الأخلاق مع الناس؛ حيث قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): " أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" (رواه أبو داود).

فقد جاء النهي عن التنمر والسخرية في كتاب الله (عز وجل) وسنة رسوله (صلى الله عليهِ وسلم)، حيث قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (الحجرات 11)، يقول ابن كثيرٍ (رحمه الله) في "تفسير القرآن العظيم": "الآيةُ تنهَى عن الاستهزاءِ بالآخرينَ أو إهانتِهِم، كما تنهَى الآيةُ عن لمزِ الناسِ، بأنْ نقولَ لهُم ما يُهينُهُم، أو يُحقّرُهُم ويصغّرُهُم، وتنهَى أيضًا عن التنابزِ بالألقابِ، فلا يجوزُ مناداةُ الأشخاصِ بأسماءٍ، أو صفاتٍ سيئةٍ يكرهونَ سماعَهَا". كذلك يقول النبي (صلى الله عليهِ وسلم): " ‌الْمُسْلِمُ ‌أَخُو ‌الْمُسْلِمِ، ‌لَا ‌يَظْلِمُهُ ‌وَلَا ‌يَخْذُلُهُ ‌وَلَا ‌يَحْقِرُهُ"، ويقول أيضا: " لا ضَررَ ولا ضِرارَ". وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قلت للنبي (صَلى الله عليه وسلم): حَسْبُكَ من صفية كذا وكذا - تعني قصيرة - فقال: "لقدْ قلتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بماءِ البحْرِ لَمَزَجَتْهُ". فكيف تكون عواقب مجالسَ تطول الساعات قائمة على السخرية والاستهزاء والتهكم والاحتقار.

إن الله (سبحانه وتعالى) خلق الناس جميعا من أصل واحد، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13)، ويقول النبي (صلى الله عليهِ وسلم): "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ". فلا يحق لأحد أن يفخر على غيره أو يتعالى عليه أو ينتقص منه، أو يسخر منه بأي صورة من الصور.

فمن سخر من عبد لتقصير؛ فليعلم أننا جميعا مقصرون، ومن ادعى الكمال لنفسه فهو مغرور؛ وقد قال تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) (النجم: 32).

ومن سخر من عبد لضعف أو فقر أو غير ذلك فإن هذا لا يليق بمؤمن موقن بأن الله (تعالى) هو الخالق الرازق، قال تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14)،  وقال (عز وجل): (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍۢ فَمِنَ ٱللَّهِ) (النحل: 53)، ويقول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): " هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ". ، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " إنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم ". ومن الذي يأمن تبدل الحال، وتغير المآل ، فقد يمسي الجميل قبيحا، والغني فقيرا، والضاحك باكيا .

إن العباد لا يعلم أحوالهم إلا الله (عز وجل)، يقول النبي (ًصلى الله عليه وسلمَ): "رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ"

فلعلَّ مَن يُسخَر منه ويُنظَر إليه نظرة احتقار وسخرية خير عند الله وأحب إليه ممن تطاول على الناس فسخر منهم؛ ولنا العبرة فيما جاء عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ (رضي الله عنه) أَنَّهُ قَالَ: "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: " مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا ؟ " ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : " مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ " ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : "هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا " (رواه البخاري) ولما صعد عبد الله بن مسعود شجرة ضحك القوم من دقة ساقيه، فإذا بالنبي (صلى الله عليه وسلمَ) يسأل " مِمَّ تَضْحَكُونَ ؟ " قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ " (رواه أحمد). وعن ‌مالك ‌بن دينار قال: احتبس علينا المطر بالبصرة فخرجنا يوماً بعد يوم نستسقي فلم نر أثراً لإجابة. فخرجت أنا وعطاء السليمي وثابت البناني ومحمد بن واسع وحبيب الفارسي وصالح المرب وآخرين حتى صرنا إلى المصلى بالبصرة فاستسقينا فلم نر أثراً لإجابة. وانصرف الناس وبقيت أنا وثابت في المصلى فلما أظلم الليل إذا بأسود دقيق الساقين عظيم البطن عليه مئزران من صوف، فجاء إلى ماء فتمسح ثم صلى ركعتين خفيفتين ثم رفع طرفه إلى ‌السماء فقال: سيدي إلى كم ترد عبادك فيما لا ينقصك أنفد ما عندك؟ أقسمت عليك بحبك لي إلا ما سقيتنا غيثك الساعة الساعة. فما أتم الكلام حتى تغيمت ‌السماء وأخذتنا كأفواه القرب فما خرجنا حتى خضنا الماء. ثم بادر يسعى. فقلت: ارفق بنا. قال: أنا مملوك علي فرض من طاعة مالكي الصغير. فدخل دار نحاس فلما أصبحنا أتيت النحاس فقلت له: عندك غلام تبيعنيه للخدمة؟ قال: نعم عندي مائة غلام فجعل يخرج إلى واحداً بعد واحد وأنا أقول غير هذا. إلى أن قال: ما بقي عندي أحد فلما خرجنا إذا الأسود قائم في حجرة خربة فقلت: يعني هذا. قال: هذا غلام مشؤوم لا همة له إلا بالبكاء فقلت: ولذلك أريده فدعاه وقال لي: خذه بما شئت بعد أن تبرئني من عيوبه. فاشتريته بعشرين ديناراً. فلما خرجنا قال: يا مولاي لماذا اشتريتني؟ قلت: لنخدمك نحن. قال: ولم ذاك؟ قلت: أليس أنت صاحبنا البارحة في المصلى؟ قال: وقد اطلعت على ذلك فجعل يمشي حتى دخل مسجداً فصلى ركعتين ثم قال: إلهي وسيدي سر كان بيني وبينك أظهرته للمخلوقين، أقسمت عليك إلا قبضت روحي الساعة. فإذا هو ميت.

إن إيذاء الناس بالتنمر والسخرية منهم لهو ضرر وإيذاء للنفوس والقلوب، داء يفرق القلوب ويوغر الصدور، يقطع الروابط والصلات وينتزع المودة والمحبة والألفة، وينثر بذور الشحناء والبغضاء، هو دليل على ضعف الإيمان وسوء الأخلاق ولؤم الطباع ودناءة النفس، هو  وليد الكبر ، فهي صفاتٌ ذميمة يتوالد بعضها من بعض والنبي (صلى الله عليه وسلمَ)، يقول: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ ، وَيُسِيءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ".

ومن ينظر التاريخ والسير يعلم جيدا أنه هذا الفعل إنما هو من أفعال أصحاب الأخلاق السيئة ذمهم الله (عز وجل) بفعلهم، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ) ( المطففين 29-33) وعن أبي مسعودٍ قال: لمَّا نزلتْ آيةُ الصدقةِ كُنَّا نتحاملُ على ظهورِنَا، فجاءَ عبدُالرحمنِ بنُ عوفٍ فتصدّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالُوا: مُرائِي. وجاءَ رجلٌ اسمُهُ ( أبو عقيل ) فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لغنيٌّ عن صدقةِ هذا الصعلوكِ. فنزلتْ (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (التوبة: 79).

فالسخرية من صفات الجاهلية ؛ فعَنْ الْمَعْرُورِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ (صلَى الله عليه وسلم): "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ ‌بِأُمِّهِ، ‌إِنَّكَ ‌امْرُؤٌ ‌فِيكَ ‌جَاهِلِيَّةٌ".

تذهب بالحسنات؛ فعن أَبَى هُرَيْرَةَ أنه قال: " قِيلَ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ، وَتَفْعَلُ، وَتَصَّدَّقُ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، قَالُوا : وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " (الأدب المفرد للبخاري).

وكفى في عاقبتها قول الله (جل وعلا): (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ ) (الهمزة 1) وقول النبي (صَلى الله عليه وسلم)  :" بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ " (رَوَاهُ مسلم) أي يكفيه حظًا ونصيبًا من الشر أن يكون بهذه الصفة ؛ وقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "يَا مَعْشَرَ مَنْ ‌آمَنَ ‌بِلِسَانِهِ ‌وَلَمْ ‌يَدْخُلِ ‌الْإِيمَانُ ‌قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ ".

لا تكشفنَّ مساوي الناس ما ستروا *** فيهتك اللهُ سترًا عن مساويكَا
واذكـــر محاسنَ ما فيهم إذا ذُكِرُوا
*** ولا تعِبْ أحــدًا منهم بما فِيكَا

إن من شأن المسلم المحب لأخيه، الراعي لحرمته، المقدر لشخصه، أن يوصل إليه النفع بكل صوره، ويكف عنه الضرر بكل أشكاله، ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه، يرعى للرحم والجوار والصداقة والزمالة والأخوة مكانتها، ويحفظ لها قدرها، ويربأ بنفسه عن كل مخل بها، ويصون لسانه عن كل خادش لها، وقد قال تعالى:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83). فأعظم الناس حزما من وفقه الله فوزن ألفاظه قبل أن يقولها، وفكر في عواقبها ونتائجها، فما كان من الكلام خيرا نطق به، وما كان شرا أمسك عنه، وقد قال تعالى: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وجوهِهِم، أو على مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم" ويقول يحيي بن معاذ: "ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه".

المرء إن كان عاقــلاً وَرِعا *** أشغَلَهُ عن عيوب غيره وَرَعُهْ
كما السقيمُ المريض يشغلهُ *** عن وجـــع الناس كلِّهم وجعُهْ

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء

كتبه: محمد حســـن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

google-playkhamsatmostaqltradent