recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : خطورة المخدرات والإدمان على الفرد والمجتمع - للشيخ / محمد حسن داود


خطبة بعنـــــــوان :
خطورة المخدرات والإدمان
 على الفرد والمجتمـــــــــــــع
للشيخ / محمد حســـــــن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا 

العناصـــــــر
1- نعمة العقل ووجوب المحافظة عليها. 
2- تحريم الإسلام للإدمان والمخدرات.
3- آثار ومخاطر الإدمان والمخدرات على الفرد والمجتمع .
4- ضرورة مواجهة الإدمان والمخدرات. 
5- دعوة إلى نبذ الإدمان والمخدرات.
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين،القائل في كتابه العزيز(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾المائدة90/91) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" رواه مسلم ) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن نعم الله عز وجل لا يحدها حد، ولا يحصيها عد، قال تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ )النحل18) ويقول سبحانه ( وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) لقمان20) و من أعظم النعم التي اختص الله بها الإنسان، وكرمه بها: نعمة العقل، قال تعالى ( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ ) الملك23) فالعقل نور؛ به يدرك الإنسان حقائق الوجود، ويميز بين الحق والباطل، به يهتدي إلى تحقيق المصالح واتقاء المضار، به يتواصل الإنسان مع بني جنسه، يعمل، وينتج، ويدبر أموره وشئونه؛ فهو عنوان الرشاد، هو سبب في سلوك طريق الهدى، والبعد عن موارد الردى، إذا تم، تم معه كل شيء، وإذا ذهب، ذهب معه كل شيء؛ فهو مناط التكليف ، ومحط التكريم، ومن الضرورات التي من مقاصد الشريعة حفظها وصيانتها، هو جوهرة ثمينة، يحوطها العقلاء بالرعاية والحماية؛ اعترافا بفضلها، وخوفا من ضياعها ، ولله در القائل :
وأفضـــــل قَسْمِ الله للمرء عقله *** وليس مــن الخيرات شيء يقاربه
ويزري به في الناس قلة عقله *** وإن كــرمت أعراقـــه ومنــاسبـه
ومع ذلك فقد أبى البعض إلا أن وضعوه تحت أقدامهم، فاتبعوا شهواتهم، وأعموا أبصارهم, فجاروا على أجسادهم وعقولهم، بالإدمان والمخدرات، مع ما كان للإسلام من موقف صريح من المخدرات والمسكرات على اختلاف ألوانها، فعَنْ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ، قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ نُعَالِجُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا ، وَإِنَّا نَتَّخِذُ شَرَابًا مِنْ هَذَا الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا ، قَالَ : هَلْ يُسْكِرُ ؟ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَاجْتَنِبُوهُ  "رواه أبو داود) ومن هذا يتبين أن الخمر وما كان في معناها من مخدرات أو عقارات، بل كل ما يدخل الجسد طعاما أو شرابا أو حقنا أو شما كان من شأنه ذهاب العقل وستره؛ حرمه الإسلام ونهى عنه وحذر منه، وان تغير الشكل واللون والاسم، قل أو كثر، فعن أَبى مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا " رواه أبو داود) وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيَسْتَحِلَّنَّ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ ". وعَنْ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" رواه مسلم ) حتى وان لم يذهب العقل إلا بالكثير منه فقليله حرام ،فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ "رواه ابو داود ) وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ " رواه الترمذي) وفي رواية: " الْحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ".
إن الإدمان والمخدرات وتعاطي العقارات وما كان على شاكلة الخمر في فعلها وصنيعها بعقل الإنسان وجسده، جرم كبير وذنب عظيم؛ قرنه الله جل وعلا في كتابه بعبادة الأصنام، إشارة إلى شدة هذا الجرم، وإنكار هذا الفعل؛ قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾المائدة90/91) من شربها في الدنيا ولم يتب منها حرم منها في الآخرة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ ، لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ ) رواه مسلم) كما لعنها الله تعالى ولعن كل من شارك فيها من قريب أو من بعيد، فعن ابْنَ عُمَرَ، رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ" رواه أبو  داود ) كما أشار رسولنا صلى الله عليه وسيلم أن لحظة تعاطي الخمر والمخدرات هي لحظة سقوط الإيمان من قلب المؤمن، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ" متفق عليه) ولم يقبل من شاربها صلاة ما داوم على شربها ولم يتب إلى الله تعالى منها ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: " عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " رواه بن ماجه) وعَنْ جَابِرٍ، رضي الله عنه، قال :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  " إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " رواه مسلم)
وفى صورة طيبة مضيئة يجسد لنا انس بن مالك رضي الله عنه، موقف الصحابة وسرعة استجابتهم لله ولرسوله في اجتناب الخمر وما كان في معناها، الأمر الذي وجب علينا أن نفقهه بقلوبنا وعقولنا فنأخذ منه عبرة وعظة ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ مِنْ فَضِيخِ زَهْوٍ وَتَمْرٍ ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ : إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ "، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه " قُمْ يَا أَنَسُ فَأَهْرِقْهَا فَأَهْرَقْتُهَا " رواه البخاري ومسلم)
إن الإدمان والمخدرات جميعها على اختلاف الأشكال والأسماء داء خطير من صنوف الخبائث، عظيمة الأخطار، جسيمة المضار، وخيمة العواقب على الفرد والمجتمع؛ فما انتشرت في مجتمع إلا و أكلت الأخضر واليابس من شبابه، فدمرت عقولهم، وهدمت بنيانهم ، وقطعت أرحامهم ،وأفسدت أخلاقهم، فهي رجس من عمل الشيطان، توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، تهون ارتكاب القبائح والآثام ،وتخرج من القلب تعظيم المحارم ،وتهوى بالإنسان إلى المنكرات والفواحش، تهتك الأستار، وتظهر الأسرار، كم بها وبسببها نفوس أزهقت، وأُسر شتت، وأعراض دنست، وعقول عطلت، وأموال ضيعت، كم أبكت هذه المواد السامة من ولد ووالده، كم رملت من زوجة، ويتَّمت من طفل، كم من النقم جلبت، ومن النعم حرمت وسلبت، كم أفقرت من غني، وكم أذلت من عزيز، ووضعت من شريف ،وكم أوقعت في بلية، وكم قربت من منية ،وكم أورثت من حسرة، وكم فرقت بين رجل وزوجته ،وفرقت بين ابن وأبيه، كم من المنكرات اقترفت في غياب عقل الإنسان وإرادته، كم وكم من الجرائم التي تضج منها الفلوات ارتكبت تحت تأثير الإدمان والمخدرات ، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول " وَلا تَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ " رواه البخاري في الأدب المفرد) وعَن عبد الله ابْنِ عُمَر أَنَّ أَبَا بَكْر وَعُمَرَ وَنَاسا جَلَسُوا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا أَعْظَمَ الكَبَائِرِ فَلَمْ يَكُنْ عَندَهُمْ فِيهَا عِلْمٍ فَأَرْسَلُونِي إلَى عَبدِ اللهِ بن عَمْرو أَسْأَلهُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَعْظَمَ الكَبَائِرِ شُرْب الخمْرِ فَأَتَيْتُهُمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ فَأَكْثَرُوا ذَلِكَ وَوَثَبُوا إِلَيْهِ جمِيعًا حَتى أَتَوْهُ في دَارِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ بَني إِسْرَائِيل أَخَذَ رَجُلاً فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الخمْرَ أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا أَوْ يَزْني أَوْ يَأْكُلَ لحْمَ خِنْزِير أَوْ يَقْتُلُوهُ فَاخْتَارَ الخمْرَ وَإِنَّهُ لمَّا شَرِبَ الخمْرَ لَمْ يمْتَنِعْ مِنْ شَيءٍ أَرَادُوهُ مِنْهُ وَإِنَّ رَسَولَ اللهِ قَالَ لَنَا ( حِينَئِذٍ ) مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْرَبهَا فَتُقْبَلَ لَهُ صَلاَة أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَلاَ يمُوت وَفي مَثَانَتِهِ مِنْهُ شَيء إِلاَّ حرَّمَتْ بهَا عَلَيهِ الجَنَّة فَإِنْ مَاتَ في أَرْبَعِينَ لَيْلَةٍ مَاتَ ميتَة جَاهِلِية،" رَوَاهُ الطَّبَرَاني ).
فالمخدرات على اختلاف صنوفها تجعل شاربها يهذى، لا يفرق بين حلال و حرام ،ولا بين قبيح و مليح ،إذ يبكي بلا سبب ويضحك من غير عجب، فتهزأ به الصبيان ويمقته العقلاء ويبغضه أهله وجيرانه ورحم الله عدي بن حاتم، إذ قيل له: مالك لا تشرب الخمر؟ فقال " ما أحب أن أصبح حكيم قومي وأمسي سفيههم " وإننا لنسمع بقصص نحسبها من ضرب الخيال ولكنها في حياة المدمنين ومتعاطي المخدرات، واقع وحقائق يندى لها الجبين فهذا قيس بن عاصم المتقري قد شربها يوما فغمز ابنته وشتم والديه وضرب امرأته فلما أفاق أخبر بما صنع فأنشد قائلا:
رأيت الخمر فاسدة و فيها *** خصال تفسد الرجل الحليـم
فإن الخمر تفضح شاربيها *** و تجنيهم بها الأمر العظيم
فلا و الله أشربها صحيحـا *** و لا أشفي بهـا أبدا سقيــم
ولما  سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه : هل شربت الخمر في الجاهلية ؟ قال : " أعوذ بالله  فقيل له : ولِمَ ؟ قال : كنت أصون عرضي ، وأحفظ مروءتي ، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته"، ومن ذلك يقول عُثْمَان، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْس، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَه " رواه النسائي) .
ومن هذا يتضح لنا مدى مخاطر الإدمان والمخدرات في إفساد العلاقات وانحطاط الأخلاق، والإقبال على الجريمة، غير ما يكون من متعاطي المخدرات من حوادث الطرقات، وقطع الأرحام والصلات، وإيذاء الناس في أموالهم تحايلا أو سرقة أو سطوا أملا في الحصول عليها، غير أن لها أضرارها النفسية، فيما تفضي إليه من الاضطراب النفسي والغضب والبلادة وقلة المبالاة وفقد السيطرة والسلوك. ولها أضرارها الأسرية، في تمزيق الروابط العائلية ،وانحراف أفرادها، وكثرة حالات الطلاق، وتدمير الأسرة وعدم النفقة عليهم، فكم من أسرة باتت من الجوع طاوية، وبطونها من الزاد خاوية، تفترش الأرض، وتلتحف السماء ، وربها المدمن ينفق المال على المخدرات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ " صحيح ابن حبان) كما أن لها مخاطرها المالية، في إتلاف مال الشارب بشراء تلك المواد المخدرة والعقاقير المدمرة، ورحم الله الحسن البصري إذ يقول " لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده". وما أكثر مخاطرها الصحية، إذ تفسد على الإنسان جسده وتأكل قوته، وتذهب صحته، هذه النعمة التي هي قوام الحياة وبها تقوم الأمم والشعوب والحضارات، فلا تقوم حضارة على علل ولا تستقيم نعم الدنيا مع مرض يجلبه الإنسان بيده لنفسه، ولقد قال الله تعالى (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة 195) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي الْعَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيَكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ " وما أصعب مخاطرها الاقتصادية ،إذ أن مدمني المسكرات والمخدرات يشكلون عائقا كبيرا في طريق التنمية والتقدم الاقتصادي، لما للإدمان والمخدرات من تأثير على إنتاج الفرد في العمل، ولما كان إنتاج المجتمع حصيلة مجموع إنتاج الأفراد فإنه يتأثر تأثرا مباشرا باعتلال إنتاج الفرد، هذا غير المبالغ الطائلة التي تنفقها الدولة محاربة لهذه السموم ومروجيها، ومحاربة للجرائم التي تنتج نتيجة الإدمان والمخدرات، وإنشاء المصحات لمن وقع في شباكها ، فشتان بين من يسعى لخدمة وطنه ويعمل على بنائه ويدافع عنه ويضحى من اجله بالغالي والنفيس، وبين من يدمر جسده بالمخدرات والمسكرات.
انه لمن البديهي انه لا تقدم للأمم والأوطان إلا بسواعد أبنائها، ولا قوة لها إلا بقوتهم، وخاصة الشباب؛ فهم عماد الأمم، وذخرها وسندها، هم سلاح الشعوب، وسواعد البناء، وموضع العطاء، ومن هنا يجب أن تتضافر جهود المجتمع بكل ما من شأنه أن يجنب شبابنا وأبناءنا مخاطر الإدمان والمخدرات، ولا ننسى دور الإباء في الحفاظ على الأبناء من هذه السموم فقد قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )التحريم6) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه "
فيا شبابنا إن عقولكم وأجسادكم أمانة فلا تعتدوا، وخذوا العبرة من فعل السلف الصالح ومدى حرصهم على طاعة الله ونبذ كل مسكر؛ فعن الزهري ، أن عروة بن الزبير لما وقَعَت الأَكَلَة في رِجْلِهِ ، فقيل له : ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال : " إن شئتم " ، فجاء الطبيب ، فقال : أسقيك شراباً يزول فيه عقلك ؟ فقال : " امضِ لشأنك ، ما ظننتُ أنَّ خلقاً شرب شراباً يزول فيه عقْله حتى لا يعرف ربّه "،قال : فوضع المنشار على ركبته اليسرى ، ونحن حوله ، فما سمعنا حساً .فلما قطعها جعل يقول : " لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن ابتليت لقد عافيت " وليعلم الشباب كعلم الآباء أنكم قدوة للأبناء والأهل فلا تكونوا إلا خير قدوة، وليحذر الجميع من الشعارات الكاذبة التي يرددها خبثاء النفوس الذين نسوا الله جل وعلا فما علموا له حقا، ولا علموا لوطنهم حقا، بل كان همهم المال، إذا روجوا لمثل هذه المخدرات والعقاقير بوعد المتعة واللذة والنشاط والحيوية، فما منها إلا الوقوع في كل محرم، و فعل كل منكر، و ضياع الصحة والمال، ثم احذروا أصدقاء السوء لأن الصاحب ساحب ،ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طعامك إلا تقي " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِطُ " رواه احمد) واعلموا أنكم موقوفون أمام الله مسئولون عن المال والصحة فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ مالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ؟ "رواه الترمذي)

 ( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent