recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: دين الإنسانية في أسمى معانيها "حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع" - للشيخ / محمد حســــن داود (8 ذو الحجة 1445هـ - 15 يونيو 2024م)

 

خطبة بعنــــوان:
دين الإنسانية في أسمى معانيها
 حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع
للشيخ / محمد حســــن داود
(8 ذو الحجة 1445هـ -  15 يونيو 2024م)



العناصـــــر :    مقدمة.
   - الإسلام دين الإنسانية في أسمى معانيها .
   - حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع.
  - دعوة إلى اغتنام يوم عرفة بالعمل الصالح.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) (الاسراء: 70)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "اعْلَمُوا أَنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا"، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فلقد جاء الإسلام لتحقيق أنبل القيم وأفضل السمات، وأحسن الخلق وأجمل الصفات، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، فهو دين الإنسانية في أسمى معانيها؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) (الاسراء: 70).

ولقد خطب النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في حجة الوداع خطبة جامعة مانعة، في كلمات غاية البلاغة كانت بمثابة أعظم ميثاق عالمي لحقوق الإنسان، أرسى فيها صَلى الله عليه وسلم المبادئ والقيم، ودعائم السلام بين الناس، وأظهر لنا فيها جوانب الإنسانية في أسمى المعاني.

وتأتى في مقدمة هذه الحقوق والقيم: حرمة الدماء والأموال والأعراض، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلمَ) يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا نَعَمْ، قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ" (رواه البخاري).

حيث أكد الإسلام على حرمة الدم البشرى، قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) (الأنعام: 15) ويقول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): " قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا". وعليه فان للدم المعصوم عند الله شأن عظيم وحرمة عظيمة لك أن تتدبر مداها حينما تسمع قول الله (جل وعلا): (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32) إذ اعتبر الإسلام النفوس كلها واحدة، من اعتدى على إحداها فكأنما اعتدى عليها جميعا، ومن قدم لإحداها خيرا فكأنما قدم الخير للإنسانية جميعها.

لك أن تتدبر مدى هذه الحرمة عندما تسمع قوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء: 93)، حيث إن الناظر في القرآن الكريم لن يجد مثل هذا الوعيد في أي جرم أو ذنب؛ ومن ذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" (رواه البخاري)، ويقول ابن عمر (رضي الله عنهما): "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ" (رواه البخاري).

لك أن تتدبر مدى هذه الحرمة حينما تسمع قوله صلى الله عليه وسلمَ: " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ" (رواه ابن ماجه)، ففي هذا الحديث يظهر جليا مدى حرمة الدماء، وفى حديث آخر يتوعد النبي (صَلى الله عليه وسلم) هذا القاتل، حتى لو كان أهل الأرض جميعًا، فقال صلى الله عليه وسلمَ: " لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ، وَأَهْلَ الْأَرْضِ، اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ، لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ ".

إن الدماء لمكانتها كانت هي أول ما يقضي فيه بين العباد، فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ"، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ " وفي مسند أحمد : أن رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلَم) يَقُولُ: "ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مَتَعَمِّداً، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذاً قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِيَسَارِهِ، وَآخِذاً رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ، تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَماً فِي قُبُلِ الْعَرْشِ يَقُولُ ياَ رَبِّ سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِي".

- وكما دعا النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في خطبة حجة الوداع إلى حفظ الدماء وبين رعاية الإسلام لهذا الحق، دعا إلى حفظ الأموال وجرم الاعتداء عليها، وهذا مقصد عظيم من مقاصد الإسلام وجانب من أجل الجوانب الإنسانية ؛قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء: 29)،وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: " مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاك" (رواه مسلم). ويقول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): "مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، فإنَّه يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ ". ومن أعظم ما دل على مكانة الأموال ما جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ: "أَعَلَيْهِ دَيْنٌ؟ " فَقَالُوا : نَعَمْ دِينَارَانِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ"، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَمَّا فَتْحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قَالَ: "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ وَمَنْ تَرَكَ مَالا فَلِوَرَثَتِهِ ". (رواه ابن حبان) .

والناظر في الشريعة الإسلامية يجد أنها من شدة اهتمامها وعنايتها بحق المال حرمت مجرد المماطلة بقضاء الديون مع القدرة على السداد، فقال (صلى الله عليه وسلم) : " مَطْلُ الغنيِّ ظُلمٌ". وكذلك يدخل في أكل المال من حرام، ما كان بسبب غش أو تدليس، وقد قال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي " (رواه مسلم)، أو كان بسبب تطفيف كيل، وقد قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفينَ * الَّذينَ إِذا اكْتالوا عَلى النّاسِ يَسْتَوْفونَ * وَإِذا كالوهُمْ أو وَزَنوهُمْ يُخْسِرونَ * أَلا يَظُنُّ أولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعوثونَ * لِيَوْمٍ عَظيمٍ* يَوْمَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمينَ ) (المطففين: 1-6) أو كان بسبب احتكار، وقد قال النبي (صلى الله عيه وسلمَ): " مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ ، وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ "، وكفي في عواقب أكل الحرام والاعتداء على حق المال قول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) : "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (51: سورة المؤمنون)، وقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (172: سورة البقرة) ،" ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" (رواه مسلم)، وقوله أيضا: " لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ" ( رواه الترمذي وحسنه) .

- حرمة الأعراض: كذلك أكد النبي (صَلى الله عليه وسلم) في خطبة حجة الوداع على حفظ الأعراض وصيانتها، فعن حِذْيَمِ بْنِ عُمَرَ السَّعْدِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ فِي خِطْبَتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "اعْلَمُوا أَنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، وَكَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا". وإذا رجعت إلى كتاب الله وسنة رسوله، لعلمت إلى أي مدى كانت رعاية الإسلام للأعراض والنهى الصريح عن الاعتداء عليها؛ فلقد حرم الإسلام السب والشتم والغيبة والنميمة والقدح في الأعراض؛ إذ يحسبه البعض هينا وهو عند الله عظيم، قال تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات: 12) وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور: 24) وعن ابن عمر ( رضي الله عنهما) قال : " صعِدَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلمَ) المنبر فنادَى بصوتٍ رفِيع ، فقال : يا معشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيرُوهُمْ ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم ؛ فإنَّ مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَه ، ومنْ تتبعَ الله عورتَه يفضحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه ". وفى الحديث النبوي أيضا ‏"‏اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ"‏‏. قيل يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟، قَالَ: "الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ‏"0

كما أن الإسلام صيانة للأعراض وحفاظا عليها حرم الزنا وكل ما كان إليه سبيل، فقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) (الإسراء: 32) وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان: 68-70).

إننا ما زلنا بفضل الله (عز وجل) في أفضل أيام الدنيا، كما قال النبي (صَلى الله عليه وسلم) "أفضل أيام الدنيا أيام العشر".

 ومن جملة فضلها أن فيها يوم عرفة؛ ففي فضله يقول النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ "(رواه مسلم). ويقول: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " (رواه مسلم). فأكثروا فيه من العمل الصالح، أكثروا فيه من الدعاء، وذكر الله (سبحانه وتعالى)؛ فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (رواه الترمذي) ،قال القاري، في: "مرقاة المفاتيح": خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ"; لأنه أجزل إثابة، وأعجل إجابة". وقال ابن عبد البر، في: "التمهيد": في الحديث أيضا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب".

فما أحوجنا أن نغتنم الأيام بصالح الأعمال، وأن نعيش بالقلب والجوارح هذه القيم الإنسانية، والمبادئ الأخلاقية.

نسأل الله أن يرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

google-playkhamsatmostaqltradent