recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة - للشيخ / محمد حســــن داود (1 ذو الحجة 1445هـ - 7 يونيو 2024م)

 

خطبة بعنــــوان:
أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة
للشيخ / محمد حســــن داود

(1 ذو الحجة 1445هـ -  7 يونيو 2024م)





العناصـــــر :    مقدمة.
   - خصائص وفضائل عشر ذي الحجة .
   - العمل الصالح والحرص عليه أيام العشر.
   - أعمال يتقرب بها العبد إلى الله (عز وجل) في هذه العشر.
   - دعوة إلى اغتنام مواسم الخيرات بالأعمال الصالحات.

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ) (الفجر 1- 5) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" (رواه البخاري)، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

% فمن فضل الله (جل وعلا)، أن جعل لنا مواسم للطاعات، مواسم للخيرات، تحمل النفحات والبركات، تكثر فيها الحسنات، وتُرفع فيها الدرجات، ولا شك أن من أعظمها شرفا، وأرفعها قدرا، وأكثرها فضلا: "العشر الأول من شهر ذي الحجة".

- فهي عشر مباركة؛ إذ أقسم الله بها في كتابه، وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً، حيث الإشارة إلى تعظيم الله لها، والتنويه بشأنها وفضلها، قال تعالى (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (الفجر 1- 5)،(والليالي العشر: هي عشر ذي الحجة).

- كما شهد لها الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنها أفضل أيام الدنيا، فقال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر".

 - ومن جملة فضلها أن فيها يوم النحر، وهو أفصل أيام العام، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ " (رواه أبو داود).

- ومن جملة فضلها أن فيها يوم عرفة؛ اليوم الذي أتم الله فيه النعمة وأكمل فيه الدين، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، وما أعظم فضل هذا اليوم إذ يعتق الله فيه من الرقاب، ويباهى الملائكة بأهل عرفة، فقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم)"مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى المَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ".

- كذلك من جملة فضلها: اجتماع أمهات العبادة فيها؛ قال ابن حجر في "الفتح": "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره".

% ولقد وجه القرآن الكريم كما وجهت السنة النبوية إلى اغتنام فضائل هذه الأيام بالطاعات والعبادات والقربات، قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) (الحج28) (والأيام المعلومات: أيام العشر) وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلمَ) أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" (رواه البخاري). قال ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف": "وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده".

والعمل الصالح أعم وأوسع من أن يحصر في فعل أو قول؛ اذ يشمل كل ما فيه طاعة الله (جل وعلا) والتقرب اليه، فمنه الطاعات والعبادات؛ ولقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج 77) ومنه ما ينتفع به الناس؛ ولقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" وقال: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ". ومنه مكارم الاخلاق وحسن السلوك؛ فقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): "ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ " (رواه الترمذي).

ولقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) ومن سار على دربهم يغتنمون بالعبادات فضل هذه الأيام حتى ورد أن سعيد بن جبير (رضي الله عنه) كان "إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يَقْدِرُ عليه" .

وإن من أعظم وأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله في هذه الأيام :

- الاكثار من التوبة والاستغفار: فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة، ففيها الفلاح في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31) وها هو إمام التائبين وسيد المستغفرين صلى الله عليه وسلمَ، يقول كما في "صحيح مسلم": "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّة". فإذا كان النبي (صَلى الله عليه وسلم)، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر الله (سبحانه وتعالى) ويتوب إليه مرات ومرات، فما بالنا نحن بمعاصينا وغفلتنا، أفلا نستغفر آناء الليل وأطراف النهار دون عدد ولا حساب .

- المحافظة على أداء الفرائض، ففي الحديث القدسي: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ " (رواه البخاري)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا، إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ؛ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ ".

- الصيام؛ فلقد كان النبي (صَلى الله عليه وسلم) يصوم تسع ذي الحجة؛ فعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحَجَّةِ وَيْوَمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ" (رواه أحمدوفى صيام يوم عرفة يقول صَلى الله عليه وسلم: " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " (رواه مسلم).

- ومنها: الإكثار من ذكر الله (عز وجل): فقد قال تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) (الحج: 28)، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ، مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ" (رواه أحمد)، ولقد كان الصحابة (رضي الله عنهم) يكثرون في هذه الأيام من ذكر الله (عز وجل): قال البخاري: "كان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ (رضي اللهِ عنهما) يخرجانِ إلى السوقِ في أيامِ العشرِ يكبرانِ ويكبرُ الناسُ بتكبيرِهِمِا". وقال: وكان عمرُ (رضي الله عنه) ‌يُكَبِّرُ ‌فِي ‌قُبَّتِهِ ‌بِمِنًى، ‌فَيَسْمَعُهُ ‌أَهْلُ ‌الْمَسْجِدِ ‌فَيُكَبِّرُونَ، ‌وَيُكَبِّرُ ‌أَهْلُ ‌الْأَسْوَاقِ ‌حَتَّى ‌تَرْتَجَّ ‌مِنًى ‌تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ، تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا ". وفي فضل ذكره سبحانه، يقول عز وجل في الحديث القدسي: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ" (رواه البخاري)، ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "سبَق المُفرِّدونَ" قالوا: يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ؟ قال: "الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ" ( رواه ابن حبان).

- الإكثار من الصلاة على النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): فقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56)، وعن أُبَيِّ بن كعب، قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ". قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: "مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" (رواه الترمذي)، وفي رواية عند الإمام أحمد: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ، قَالَ: "إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ " .

- ذبح الأضاحي يوم النحر وأيام التشريق لمن استطاع؛ تقرباً إلى الله (عز وجل) ،فقد قال تعالى: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج: 36،37) وقال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر: 2) وكفى في فضلها قول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ، أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا". حيث إن فيها أسمى معاني الشكر لله (عز وجل) على نعمه، وفيها إحياء لسنة سيدنا إبراهيم (عليه السلام) ،وتأسيا بسنة المصطفى (صَلى الله عليه وسلم)، غير أنها من أوسع أبواب التكافل الاجتماعي،  علما بأنه كما يتحقق فعلها بيد المضحي يتحقق أيضا بالوكالة من خلال صكوك الأضاحي.

- الدعاء: فقد قال رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (رواه الترمذي)، فسألوا الله حاجتكم كلها، قليلها وكثيرها، دقيقها وجليلها، قريبها وبعيدها، وأعلموا أن الدعاء نافع بكل حال، فثمرته مرجوة حتى وإن لم تتحقق في الدنيا، فلقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا"، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ؟، قَالَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ"(رواه الترمذي).

- إجابة السائل، وإعانة المحتاج، وتفريج الكرب، وقضاء الحوائج: إذ يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): " َأَحَب الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا"، ويقول عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): "ذُكِرَ لِي أَنَّ الْأَعْمَالَ تَبَاهِي فَتَقُولُ الصَّدَقَةُ: أَنَا أَفْضَلُكُمْ"، وروي عن الحسن البصري أنه أمر أحد الصالحين بالمشي في حاجة رجل، فقال أنا معتكف، فقال له: أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك خير لك من حجة بعد حجة؟.

- كما يتأكد في هذه العشر: صلة الأرحام، وحسن الجوار، وغير ذلك من صنوف الخيرات، قال الله تعالى: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) (البقرة: 197).

إن اللبيب العاقل دائما يسارع ويبادر إلى الخيرات، ويغتنم مواسم الطاعات، فقد قال الله (جل وعلا): (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران133) ويقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ"، فنافس في الخير ما دمت في فسحة ونفس، فالصحة يفجؤها السقم، والقوة يعتريها الوهن، والشباب يعقبه الهرم، ولا ينبغي للمسلم أن يحتقر بابا من أبواب الخير مهما قل، فقد قال النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلمَ): "لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (رواه مسلم)، ولله در القائل:

تزود من معاشك للمعــــــاد * * * وقم لله واعمل خيـر زاد
أترضى أن تكون رفيق قوم * * * لهم زاد وأنت بغير زاد ؟

وكما علَى المسلم أَن يحرِص على أبواب الخير ولو كانت قليلةً، فعليه أن يحذَرَ أبواب الذنوب ولو كانت حقيرةً؛ فقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ" لا سيما ونحن في أيام لها مكانتها ودرجتها، قال فيها الحق سبحانه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) (التوبة: 36)، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "اختص الله (سبحانه وتعالى) أربعة أشهر جعلهن حرماً، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيها أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم".

خَلِّ الذُّنُوبَ حَقِيـــــــــرَهَا *** وَكَثِيرَهَا فَهُـــوَ التُّقَى
كُنْ مِثْلَ مَاشٍ فَوْقَ أَرْ ضِ *** الشَّوْكِ يحْذَرُ مَا يَــرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيـــــــــــــرَةً *** إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء.

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

 

google-playkhamsatmostaqltradent