recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان: (لا تَحْــزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَــــا) - للدكتـــور/ محمد حسـن داود (6 محرم 1446هـ - 12 يوليو 2024م)

 

خطبة بعنـوان:
(لا تَحْــزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَــــا)
للدكتـــور
/ محمد حسـن داود
(6 محرم 1446هـ -  12 يوليو 2024م)

العناصــــــر:      مقدمة :
- (لا تحزن إن الله معنا) من دروس الهجرة النبوية المشرفة.
- دعوة الإسلام إلى التفاؤل والأمل، والتحذير من الحزن.

- معية الله (عز وجل) أنواع ونماذج.
- أسباب وأبواب معية الله (عز وجل) الخاصة.
- أثر معية الله (تعالى).

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (التوبة40)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

إن الهجرة النبوية حدث يجدر أن يقف فيه الفكر متدبرا متأملا يرى في طياته ومجرياته أنوارا من الدروس الواعظة، والوقفات التربوية النافعة، والعبر الكريمة الطيبة، فلما خرج النبي (صلى الله عليه وسلمَ) مهاجرا من مكة إلى المدينة ومعه صاحبه الصديق (رضي الله عنه) ووصلا غار ثور، كان المشركون قد فزعوا لهجرة النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) فجدوا في طلبهما، وطاردوهما في كل مكان، وقعدوا لهما كل مرصد، وتعقّبوا كل مكان يمكن أن يختبئا فيه، وتتبعوا آثارهما، حتى وصلوا إلى باب الغار، وهنا وقد اشتد الأمر على أبي بكر، فعاجله النبي (صَلى الله عليه وسلم) بأن عناية الله تحوطهما، يقول أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُءُوسِنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا" (رواه مسلم). ومن عظم هذا المشهد أن سجل القرآن الكريم أحداثه، قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا) (التوبة40).

ويتكرر المشهد في معناه ويرى أبو بكر (رضي الله عنه) بقلبه ووجدانه وعينه واقعا يجسد معاني: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا) وذلك عندما لحق بهما سراقة بن مالك؛ إذ يقول أبو بكر (رضي الله عنه) "فَارْتَحَلْنَا بَعْدَمَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: وَنَحْنُ فِي جَلَدٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أُتِينَا، فَقَالَ: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا" فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَارْتَطَمَتْ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، أُرَى فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ فَدَعَا اللهَ، فَنَجَا، فَرَجَعَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا قَالَ: قَدْ كَفَيْتُكُمْ مَا هَاهُنَا، فَلَا يَلْقَى أَحَدًا إِلَّا رَدَّهُ" (رواه مسلم).

 (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا)، قالها النبي (صلى الله عليه وسلمَ) لصاحبه بحسن ظن بالله (عز وجل)، وقد جاء في الحديث القدسي: "أنا عند ظنِّ عبدِي بي إنْ ظنَّ خيرًا فلهُ ، وإنْ ظنَّ شرًّا فلهُ". (لا تَحْزَنْ): قالها النبي (صلى الله عليه وسلمَ) لصاحبه في لحظة طوق فيها عليهما، وأُغلقت الأبواب، وقطعت الحبال، ولم يكن هناك إلا معية الله (عز وجل) ولطفه وكرمه وفضله وجوده ورحمته، فكان الفرج والنجاة. (لا تحزن): كلمة يجب أن تتجسد في أعماقنا، وتسري في كل خلايا أجسادنا، بكل معاني حسن الظن بالله (عز وجل) وبكل معاني الثقة في فضل الله (عز وجل). (لا تحزن): فلقد جاء الحزن في القرآن منهيا عنه، قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا) (آل عمران: 139). (لا تحزن): فلقد كان من دعاء النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): "اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ". (لا تحزن): فحزنك مراد الشيطان، فقد قال تعالى: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) (المجادلة: 10). (لا تحزن): فمن نعيم أهل الجنة أن أذهب الله عنهم الحزن: قال تعالى: (وَقَالُوا۟ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِیۤ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورࣱ شَكُورٌ ) (فاطر: ٣٤). (لا تحزن): ففي كل أمرك خير، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له". (لا تحزن)، "وَارْضَ بِما قَسَمَ الله لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النّاسِ". (لا تحزن): اذا كنت مبتلى، وتذكَّر قول النبيِّ (صلى الله عليه وسلمَ): "إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ" (رواه الترمذي). (لا تحزن): فالشدة لا تدوم، بل يعقبها فرج ويسر، فرح وسرور، فقد قال تعالى: (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: 7)، وقال جل وعلا : (فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا) (الشرح: 5-6)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (رواه أحمد) ولله در القائل:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا *** وعند الله منها المخـــــــرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتهـــــــا *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج

(لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا): ومعية الله (عز وجل) على نوعين: عامة، وخاصة: فأما العامة: فهي اطلاع الله (سبحانه وتعالى) على أفعال العباد في  كل وقت وعلى كل حال، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (المجادلة7).

وأما الخاصة فهي معية حفظ ورعاية وتأييد ونصر وعناية؛ هذه المعية هي التي قصدها النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في قوله لأبي بكر: (إن الله معنا) ، هذه المعية هي التي طمئن الله (سبحانه) بها قلب موسى وهارون (عليهما السلام)  حيث قال: (لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ) (طه: 46)، هذه المعية هي التي ذكرها موسى (عليه السلام) حين قال: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء: 62)، هذه المعية التي لازمت يونس (عليه السلام) في السفينة بين الناس، إلى بحر متلاطم الأمواج، إلى بطن الحوت، وهو في ظلمات ثلاث: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء 87)، فكان الفرج والسرور، إذ يقول الله تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء 88). وها هي السيدة هاجر، فقد عاشت واقعا يجسد معية الله (سبحانه وتعالى)، لما تركها سيدنا إبراهيم (عليه السلام) هي وولدها إسماعيل بأمر من الله (تعالى) إلى جوار بيت الله، حيث لا زرع، ولا ماء، ولا نبات، ولا إنسان؛ وعندما هَمَّ بالعودة، نادته السيدة هاجر: يا إبراهيم! فلم يجب ولم يلتفت، فقالت له: آالله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قالت: إذن لن يضيَّعنا) ثم دعا عليه السلام بهذه الدعوات وهو على ثقة بأن الله لن يضيع زوجته وابنه وأن الله معهما ( رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) (إبراهيم: 37) فاستجاب الله (جل وعلا) وكانت رحمته وفضل معيته. هذه المعية التي عاشت أثرها أمنا عائشة (رضي الله عنها) البريئة الطاهرة - لما قيل في أمرها ما قيل باطلا و ظلما –  تقول " فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وقد بكيت ليلتين ويوماً حتى أظن أن البكاء فالق كبدي". لكن معية الله كانت أعظم إذ رفعها الله درجات ودرجات، بآيات تتلى إلى قيام الساعة شاهدة على براءتها مما قالوا.

إن لهذه المعية أبواب وأسباب دلنا عليها الكتاب وكذلك السنة النبوية المطهرة، فمن كانت غايته معية الله فلا يغفل هذه الأبواب، ولا يترك هذه الأسباب؛ ومنها:

- تحقيق معاني الإيمان، فقد قال الله (سبحانه وتعالى): (وأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنفال19).

- التزام الفرائض، والتقرب إلى الله بالنوافل، ففي الحديث القدسي: "وَمَا ‌تَقَرَّبَ ‌إِلَيَّ ‌عَبْدِي ‌بِشَيْءٍ ‌أَحَبَّ ‌إِلَيَّ ‌مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بها، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بها، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعطينَّه، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعيذنَّه".

- تحقيق تقوي الله (جل وعلا)، فقد قال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة194) .

- تحقيق معاني الإحسان: فقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) (النحل: 128) ويقول سبحانه: ( وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت: 69)

- الصبر بجميع ألوانه، قال تعالى: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).

- حسن التوكل على الله (عز وجل)، فقد قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق 2،3) ويقول عز وجل (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (آل عمران 159).

- ذِكْر الله (جل وعلا)، فقد قال سبحانه: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) البقرة152) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلى الله عليه وسلم)ََ، يَقُولُ اللهُ تعالى:" أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً" رواه مسلم) .

إن إحساس المسلم واستشعاره لمعية الله (تعالى) يجعله يعيش في راحة وطمأنينة وسكينة.

كما أن استشعار معية الله (عز وجل) يحيي القلوب الموات، ويوقظ الضمائر من السبات، ويحرك في الإنسان دواعي الخير، ويميت فيه نوازع الشر، فهذا المقام هو الذي جعَل الفتاة التي أمرَتْها أمُّها أنْ تخلط اللبن بالماء قبل بَيعِه للناس أنْ تُراجِع أمها قائلةً: يا أمَّاه، ألاَ تَخافِين من عمر؟ تعني: أمير المؤمنين، فقالت لها أمُّها: إنَّ عمر لا يَرانا، فقالت الفتاة: إنْ كان عمر لا يَرانا فرَبُّ عمر يَرانا؛ هذا المقام هو الذي جعل راعى الغنم لا يفرط فيما ائتمن عليه، قَالَ نَافِعٌ : خَرَجْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابٌ لَهُ فَوَضَعُوا سُفْرَةً لَهُمْ ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعٍ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : هَلُمَّ يَا رَاعِي فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ ، فَقَالَ : إِنِّي صَائِمٌ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ : فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الشَّدِيدِ حَرُّهُ وَأَنْتَ بَيْنَ هَذِهِ الشِّعَابِ فِي آثَارِ هَذِهِ الْغَنَمِ ، وَبَيْنَ هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذِهِ الْغَنَمَ وَأَنْتَ صَائِمٌ ؟ فَقَالَ الرَّاعِي : أُبَادِرُ أَيَّامِيَ الْخَالِيَةَ . فَعَجِبَ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ : هَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ ، نَجْتَرِزُهَا نُطْعِمُكَ مِنْ لَحْمِهَا مَا تُفْطِرُ عَلَيْهِ وَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا ؟ قَالَ : إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي إِنَّهَا لِمَوْلايَ . قَالَ : فَمَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ لَكَ مَوْلاكَ إِنْ قُلْتَ : أَكَلَهَا الذِّئْبُ ؟ فَمَضَى الرَّاعِي وَهُوَ رَافِعٌ إِصْبَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَهُوَ يَقُولُ : فَأَيْنَ اللَّهُ ؟ . قَالَ : فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ الرَّاعِي فَأَيْنَ اللَّهُ ! فَمَا عَدَا أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَبَعَثَ إِلَى سَيِّدِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ الرَّاعِيَ وَالْغَنَمَ ، فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ .

إن استشعار معية الله شجرة طيبة، إذا نبت أصلها في القلب اطمأن وامتدت فروعها إلى الجوارح، فنبذت الشرور والمفاسد والآثام، وأثمرت عملا صالحا وقولاً حسنا وسلوكاً قويما وفعلاً كريما؛ فمن تحقق في قلبه معية الله (جل وعلا واستحضر عظمته)، استقام على الطاعة، وقد قال الله (تعالى): (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (النحل: 97)، وقال جل وعلا: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى) (طه: 123).

اللهم احفظ مصرنا بحفظك وأحطها بمعيتك إنك أكرم الأكرمين

=== كتبه ===
محمد حســـــــــن داود
إمام وخطيب ومــــدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent