recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: كيف تكون محبوبا عند الله (سبحانه وتعالى) - للدكتـــــور/ محمد حســــن داود (12 صفر 1446هـ - 16 أغسطس 2024م)

 

خطبة بعنــــوان:
 
كيف تكون محبوبا عند الله (سبحانه وتعالى)
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(12 صفر 1446هـ -  16 أغسطس 2024م)

العناصـــــر :   


- محبة الله (عز وجل) للعبد مكانتها وفضلها.
- أحب الناس إلى الله (جل وعلا) أنفعهم للناس.

- أعمال وخصال يكون العبد بها محبوبا عند الله (سبحانه وتعالى).

الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، جعل الخير في التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، والبعد عن سفاسف الأمور، ورتب على ذلك أجزل الثواب وأعظم الأجور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، كان القرآن الكريم بسوره وآياته منهل أخلاقه؛ فبلغ في الشمائل أفضلها، وفي الفضائل أعظمها، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن الوصول إلى محبة الله (عز وجل) أمنية تعلو كل الأمنيات، وغاية تسبق كل الغايات، فهي مُنية قلوب العباد، وشوق أرواحهم، هي المنزلة التي فيها يتنافس المتنافسون؛ فأي شرف أعظم من أن يفوز العبد بهذا الفضل الكبير، وأي فضل أسمى من أن يحظى العبد بهذه المكانة العظيمة؛ وفي الحديث القدسي: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ ‌كُنْتُ ‌سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" (رواه البخاري)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلى الله عليه وسلم) قَالَ: "إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ‌فَيُحِبُّهُ ‌أَهْلُ ‌السَّمَاءِ ‌ثُمَّ ‌يُوضَعُ ‌لَهُ ‌الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ" (رواه البخاري)، وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ صَبِيٌّ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، فَمَرَّ النَّبِيُّ (صَلى الله عليه وسلم) وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ الْقَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا، فَسَعَتْ وَحَمَلَتْهُ، وَقَالَتْ: ابْنِي ابْنِي، قَالَ: فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النَّارِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلى الله عليه وسلم): " لَا، وَلَا يُلْقِي اللهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ " (رواه أحمد).

والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، ما هي أسباب تحصيل هذه المنزلة العظيمة؟.

لا شك أن أسباب تحصيلها كثيرة، لكننا وفي هذه الدقائق المعدودة نقف مع إجابة النبي (صلى الله عليه وسلمَ) عن هذا السؤال؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنهما) أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):  أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا، أَوْ تَطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ -، شَهْرًا" (رواه الطبراني).

نعم، إن خصال الخير، وصنائع المعروف كثيرة، ومتعددة الطرق، وواسعة الأبواب، لكن من أعظمها أجرا، وأكثرها فضلا ما كان فيه نفع للغير، وإلى هذا دعانا القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، فقد قال الله (جل وعلا): ( فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) (البقرة: ١٨٤) وقال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة: 2) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" (رواه مسلم)، ويقول أيضا: "المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ، وخيرُ النَّاسِ أنفَعُهم للنَّاسِ". ومن ينظر القرآن الكريم، يرى كيف أعلي من مكانة فعل الخيرات، وتقديم ما ينتفع به الناس، حتى قًرن الأمر به بالأمر بعبادة الله (جل وعلا) وطاعته، فقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: 77)، قال السعدي (رحمه الله) في "تفسيره": "يأمرهم بفعل الخير عموما، وعلق (تعالى) الفلاح على هذه الأمور فقال: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي تفوزون بالمطلوب المرغوب، وتنجون من المكروه المرهوب، فلا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق، والسعي في نفع عبيده، فمن وفق لذلك، فله القدح المعلى، من السعادة والنجاح والفلاح ".

ﺻﻨﻊُ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞِ ﻭَﻓﻌﻞُ ﺍﻟﺨﻴــﺮِ ﺇِﻥْ ﺃُﺛِﺮﺍ *** ﺃﺑﻘﻰ ﻭَﺃَﺣﻤﺪ ﺃَﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻔﺘﻰ ﺃَﺛــــــَﺮﺍ
ﺑَﻞْ ﻟﺴﺖُ ﺃَﻓﻬﻢ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﺳــﻮﻯ *** ﻋــــﻦ ﺍﻟﻀﻌﻴﻒِ ﻭﺇﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺜﺮﺍ
ﺇِﻥْ ﻛــــــﺎﻥ ﻗﻠﺒﻚ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻔﻪ ﻋﺎﻃﻔﺔٌ *** ﻋَﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺎﻛﻴﻦ ﻓﺎﺳﺘﺒﺪﻝْ ﺑﻪ ﺣﺠﺮﺍ

لقد فصل لنا النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) معنى نفع الناس في الحديث، بخمس خصال، هي من أحب الأعمال إلى الله (عز وجل)، وهي سبب في محبة الله (سبحانه وتعالى) للعبد؛ وهي:

- "سُرُورٍ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ": إذ إن إدخال السرور على القلوب، وإسعاد النفوس، ورسم البسمة على الوجوه، أمر لا يتحلى به إلا الأنقياء الأصفياء.

ومع أن إدخال السرور على المسلم عبادة من العبادات التي قد تهون في عين العبد، حيث إن إدراكها قد يكون بالسلام، أو حسن الكلام، أو إجابة السؤال، أو الهدية، أو الصدقة؛ لكنها عظيمة في فضلها وأثرها؛ حيث إنها تجلب المحبة، وتثبت المودة، وتؤلف القلوب، وتذهب ضغائن الصدور، وكفي في فضلها قول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "مَنْ لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ بِمَا يُحِبُّ لِيُسِرَّهُ ‌سَرَّهُ ‌اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه الطبراني في الصغير).

- "أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً": إذ إن تفريج الكرب سلوك إسلامي أصيل، وخلق نبوي قويم، تدفع إليه المروءة والفضيلة ومكارم الأخلاق. والساعي في نفع الناس وتفريج الكرب موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق؛ فقد قال تعالى: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنْفُسِكُمْ) (الإسراء: 7)، فالجزاء من جنس العمل؛ إذ يقول النبي (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" (رواه مسلم)، ويقول ابن عباس (رضي الله عنهما): "صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد متكئاً ".

فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير، مغلاقا للشر، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ" (رواه ابن ماجه).

- "أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دِينًا": ما أشد الدين على القلوب والنفوس؛ إذ يشغل البال، ويكدر الحال، يكسر الفؤاد، ويستخفي صاحبه عن العباد، استعاذ منه النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) فكان يقول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ ‌مِنْ ‌الْهَمِّ ‌وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ".

لذلك كان في إنظار المعسر وإمهاله، أو وضع الدين عنه أو القضاء فضل عظيم وأجر كبير، قال فيه الحبيب النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ لَهُ، أَظَلَّهُ ‌اللَّهُ ‌يَوْمَ ‌القِيَامَةِ ‌تَحْتَ ‌ظِلِّ ‌عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ" (رواه الترمذي). وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ) "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شئ إلا أنه كان ‌يخالط ‌الناس، وكان مؤسرا، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ (عز وجل): نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ، ‌تَجَاوَزُوا عَنْهُ".

- "أَوْ تَطْرَدُ عَنْهُ جُوعًا": فذلك من أعظم القربات وأفضل الطاعات التي دعانا إليها ديننا الحنيف، ولقد كان النبي (صلى الله عليه وسلمَ) أجود الناس، لا يبخل بمال ولا طعام، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَا بَقِيَ مِنْهَا"؟ قَالَتْ: مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ: "بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا" (رواه الترمذي)، وها هو (صلى الله عليه وسلمَ) يمدح الاشعريين بالتكافل وحرصهم على إطعام الطعام، إذ يقول: "إِنَّ الأَشْعَرِيين إِذَا أَرْمَلُوا في الْغَزْوِ أَو قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِم بالمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِندَهُم في ثَوبٍ وَاحدٍ، ثُمَّ اقتَسَمُوهُ بَيْنَهُم في إِنَاءٍ وَاحِدٍ بالسَّويَّةِ، فَهُم مِنِّي وَأَنَا مِنهُم" (متفقٌ عَلَيْهِ).

ومن ينظر القرآن الكريم والسنة النبوية يجد أن إطعام الجائع له أجر عظيم، وفضل كبير فقد قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (الإنسان: 8- 12). ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ" (رواه الترمذي). وَعنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ" ( رواه الترمذي). وَعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَ) عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلمَ) قَالَ: "إِنَّ اللهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمُ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ" (رواه ابن حبان). وعلى الجانب الآخر: من منع الطعام عن الجوعى فهو على خطر؛ إذ يقول تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَٰلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) (سورة الماعون).

- "وَلِأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ- يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ-، شَهْرًا": إن السعي في قضاء حوائج الناس دليل على طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة، هو باب إلى الخيرات، وقربة إلى رب البريات، ولقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج طيبة، كانت قدوة في قضاء حوائج الناس؛ ومن ذلك ما كان من سيدنا موسى (عليه السلام) ومساعدته لامرأتين كانتا تستسقيان لرعي أغنامهما، قال تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) (القصص ٢٣، ٢٤).

كما كان النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) أعظم الناس قضاء لحوائج الناس؛ فعن أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ" فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (رواه مسلم).

اقضِ الحوائجَ ما استطعتَ *** وكُنْ لهَمِّ أخيـــكَ فارِجْ
فَلَخيـــــــــــــــرُ أيَّامِ الفَتى *** يَومٌ قَضى فِيهِ الحَوائجْ

وعلى هذا الخلق الطيب والقيمة النبيلة، كان الصحابة والصالحون؛ ورضي الله عن عثمان بن عفان، فلقد اشترى بئر رومة من ماله. وهذا عمر بن الخطاب، وقد خرج في سواد الليل، فرآه طلحة بن عبيد الله، فذهب عمر، فدخل بيتًا، ثم دخل بيتًا آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت، فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا، يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى" (حلية الأولياء). وقد بعث الحسن البصري محمدا بن نوح، وحميدًا الطويل في حاجة لأخٍ له، وقال: مروا بثابت البناني، فأشْخِصانه - (أي: فليذهب) - معكم، فأْتِيَا ثابتًا، فقال لهم ثابت: إني معتكف، فرجع حميد إلى الحسن، فأخبره بالذي قال ثابت، فقال له: ارجعْ إليه، فقل له: يا أعمش، أما تعلم أنَّ مشيك في حاجة أخيك المسلم خيرٌ لك مِن حجة بعد حجة، فقام وذهب معهم، وترك الاعتكاف (البر، لابن الجوزي). وها هي العيون قد هدأت، والجفون قد نامت، فلا تكاد تسمع في المدينة أنيسا، ولا متحدثا ولا ماشيا، إلا علي بن الحسين يحمل جراب الدقيق على ظهره إلى بيوت الأرامل والفقراء في المدينة، فلما مات جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره حال غسله، يتساءلون ما هذا، فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.

بل كانوا يحبون قضاء حوائج الناس، ويعدونه نعمة من نعم الله عليهم؛ إذ يقول الحسن بن علي (رضي الله عنهما): "لقضاء حاجة أخ لي في الله أحب إليَّ مِن اعتكاف شهر (البداية والنهاية، لابن كثير). ويقول محمد ابن الحنفية (رضي الله عنه):  "أيها الناس، اعلموا أن حوائج الناس إليكم نعم الله (عز وجل) إليكم، فلا تملوها فتتحول نقمًا، واعلموا أن أفضل المال ما أفاد ذخرًا، وأورث ذكرًا، وأوجب أجرًا، ولو رأيتم المعروف رجلًا لرأيتموه حسنًا جميلًا يَسُرُّ الناظرين، ويفوق العالمين (شعب الإيمان للبيهقي). وكفى في فضل ذلك قول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لهُ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ" وقول ابن عباسٍ (رضي الله عنهما): "إنَّ للهِ عبادًا يستريحُ الناسُ إليهِم في قضاءِ حوائجِهِم وإدخالِ السرورِ عليهِم أولئك هم الآمنونَ مِن عذابِ يومِ القيامةِ".

الناس بالناس ما دام الحياء بهــم *** والسعد لا شك تارات وهبــــــــات
وأفضل الناس بين الورى رجــــل *** تُقضى على يده للناس حاجـــــات
لا تمنعن يد المعروف عن أحـــــد *** ما دمت مقتدراً فالسعد تـــــــارات
واشكر فضائل صنع الله إذ جعلت *** إليك لا لك عند الناس حاجـــــــات
قد مات قوم وما ماتت مكارمهــم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات

اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك
وأن تحفظ مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود

إمام وخطــيب ومدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent