recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف - للدكتـــــور/ محمد حســــن داود (19 صفر 1446هـ - 23 أغسطس 2024م)

 

خطبة بعنــــوان:
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود

(19 صفر 1446هـ -  23 أغسطس 2024م)


العناصـــــر :   
- معنى المؤمن القوي، ومكانة قوة العقل.
- المؤمن القوي لا يضعف أمام المخدرات.

- المؤمن القوي لا يضعف أمام الشائعات.

الموضــــــوع: الحمد لله الذي أكرم الإنسان، وعلمه البيان. سبحانه وتعالى، جعل الخير في التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، كان القرآن الكريم بسوره وآياته منهل أخلاقه؛ فبلغ في الشمائل أفضلها، وفي الفضائل أعظمها، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ" (رواه مسلم)، وقوة المؤمن في هذا الحديث هي قوة شاملة، تشمل قوة الإيمان، وقوة العلم، وقوة الطاعة، وقوة النفس، وقوة البدن، وقوة الروح، وقوة العزيمة، وقوة العقل.

ولقد حدثنا القرآن الكريم عن القوة المادية في قصة ذي القرنين، حين قال لقوم من الأقوام: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) (الكهف: 95)، فكان البناء والعمران. كما حدثنا عن قوة العقل والمعرفة والحكمة، إذ قال تعالى في أمر سيدنا يحي (عليه السلام) وقد أعطاه العلم والفهم حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال: (يا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (مريم: 12) فكانت القوة والجد مفتاح العلم والفهم. كما حدثنا النبي (صلى الله عليه وسلمَ) عن قوة النفس، القوة الداخلية، القوة المعنوية، فقال: " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ" (متفق عليه)، كما حدثنا عن القوة في العمل؛ وتتمثل في الإتقان، فقال صلى الله عليه وسلمَ: "إِنّ اللَّهَ (تَعَالى) يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ".

واذا كانت قوة البدن تقتضي صيانته من الأمراض والعلل، وحفظ الجوارح أن تقع في الذنوب والسيئات، وقوة العلم أو الطاعة تقتضي الاستزادة، وقوة النفس تقتضي أمورا منها الحكمة، وقوة العمل تقتضي الإتقان؛ فإن قوة العقل هي ضابط مشترك بين كل هذه القوى؛ لذا كان عليها مدار خطبتنا اليوم:

إذ إن العقل من أعظم النعم التي اختص الله بها الإنسان، وكرمه بها، قال تعالى: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ) (الملك23)، جعله الحق (سبحانه وتعالى) طريقًا إلى تدبر آياته، والتفكر فيما أودع في خلقه من بديع مصنوعاته، ووسيلةً إلى الاعتبار بما جرى من العاقبة الحسنة لأهل طاعته، ومن العاقبة السيئة لأهل معصيته، قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).

فالعقل نور؛ به يدرك الإنسان حقائق الوجود، ويميز بين الحق والباطل، به يهتدي إلى تحقيق المصالح واتقاء المضار، به يتواصل الإنسان مع بني جنسه، يعمل، وينتج، ويدبر أموره وشئونه؛ فهو عنوان الرشاد، وهو سبب في سلوك طريق الهدى، والبعد عن موارد الردى، قال مُطَرِّفُ بنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: "مَا أُوتِيَ رَجُلٌ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ) خَيْرًا مِنَ الْعَقْلِ"، وقال عُرْوَة: "َأفْضَلُ مَا أُعْطِيَ الْعِبَادُ فِي الدُّنْيَا الْعَقْلُ وَأَفْضَلُ مَا أُعْطُوا فِي الْآخِرَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ (عَزَّ وَجَلَّ)". فإذا تم العقل فقد تم معه كل شيء، وإذا ذهب فقد ذهب معه كل شيء، هو مناط التكليف، ومحط التكريم، ومن الضرورات التي من مقاصد الشريعة حفظها وصيانتها، هو جوهرة ثمينة، يحوطها العقلاء بالرعاية والحماية؛ اعترافا بفضلها، وخوفا من ضياعها، ولله در القائل:

وأفضـــــل قَسْمِ الله للمرء عقله *** وليس مــن الخيرات شيء يقاربه

وقوة العقل تقتضي أن لا يضعف أمام الشهوات، ولا يساق خلف المهلكات، فالمؤمن أكمل الناس عقلا وأرقاهم تفكيرا، إلا أن البعض قد أبى إلا أن يجور على عقله بما يضره، ومن ذلك:

1. المخدرات: إن موقف الإسلام من المخدرات والإدمان صريح وإن اختلف لونها أو اسمها، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" (رواه مسلم)، ومن هذا الحديث يتبين أن المخدرات أمر قد حرمه الإسلام ونهى عنه وحذر منه كثر ذلك أو قل؛ فعنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ" (رواه أبو داود)، وعَنْ عَائِشَةَ (رضي الله عنها)، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ" (رواه الترمذي) وفي رواية: " الْحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ".

إن الإدمان والمخدرات لفعلها وصنيعها بعقل الإنسان وجسده، جرم كبير وذنب عظيم؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة: 90-91)، لعنها الله (تعالى) ولعن كل من شارك فيها من قريب أو من بعيد، فعن ابْنَ عُمَرَ، (رضي الله عنهما) قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ" (رواه أبو داود).

وفى صورة طيبة مضيئة يجسد لنا أنس بن مالك (رضي الله عنه) موقف الصحابة وسرعة استجابتهم لله ولرسوله في اجتناب الخمر وما كان في معناها، الأمر الذي وجب علينا أن نفقهه بقلوبنا وعقولنا فنأخذ منه عبرة وعظة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) قَالَ: "كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ مِنْ فَضِيخِ زَهْوٍ وَتَمْرٍ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ"، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ (رضي الله عنه) " قُمْ يَا أَنَسُ فَأَهْرِقْهَا فَأَهْرَقْتُهَا" (رواه البخاري ومسلم).

إن الإدمان والمخدرات جميعها على اختلاف الأشكال والأسماء داء خطير من صنوف الخبائث، عظيمة الأخطار، جسيمة المضار، وخيمة العواقب على الفرد والمجتمع؛ إذ تأكل الشباب، وتدمر العقول، وتهدم الأجساد، وتفسد الأخلاق؛ فهي رجس من عمل الشيطان، توقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، تهون ارتكاب القبائح والآثام ،وتخرج من القلب تعظيم المحارم ،وتهوى بالإنسان إلى المنكرات والفواحش، تهتك الأستار، وتظهر الأسرار، كم بها وبسببها عقول عطلت، وأموال ضيعت، كم أبكت من ولد ووالده، كم من النقم جلبت، ومن النعم حرمت وسلبت، كم أفقرت من غني، وكم أذلت من عزيز، وكم أوقعت في بلية، وكم أورثت من حسرة، وكم فرقت بين رجل وزوجته ،وفرقت بين ابن وأبيه، كم من المنكرات اقتُرفت في غياب عقل الإنسان تحت تأثير الإدمان والمخدرات، ورحم الله عدي بن حاتم، إذ قيل له: مالك لا تشرب الخمر؟ فقال: "ما أحب أن أصبح حكيم قومي وأمسي سفيههم" وإننا لنسمع بقصص نحسبها من ضرب الخيال ولكنها في حياة المدمنين ومتعاطي المخدرات واقع وحقائق يندى لها الجبين ، وفي ذلك يقول الشاعر:

رأيت الخمر فاسدة و فيها *** خصال تفسد الرجل الحليـم
فإن الخمر تفضح شاربيها *** وتجنيهم بها الأمر العظيم
فلا والله أشربها صحيحــا *** و لا أشفي بهـا أبدا سقيــم

ولقد سُئل أبو بكر الصديق (رضي الله عنه): هل شربت الخمر في الجاهلية ؟ قال: "أعوذ بالله  فقيل له : ولِمَ ؟ قال : كنت أصون عرضي ، وأحفظ مروءتي ، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته"، ومن ذلك يقول عُثْمَان، (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ زِيدُونِي، فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْس، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَه " (رواه النسائي)، وفي ذلك وغيره يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): "وَلا تَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ" (رواه البخاري في الأدب المفرد).

غير أن لها أضرارها النفسية، فيما تفضي إليه من الاضطراب النفسي والغضب والبلادة وقلة المبالاة وفقد السيطرة والسلوك. ولها أضرارها الأسرية، في تمزيق الروابط العائلية، وإهمال المسئولية الزوجية، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ" (رواه ابن حبان). كما أن لها مخاطرها المالية؛ ورحم الله الحسن البصري إذ يقول: "لو كان العقل يُشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده". وما أكثر مخاطرها الصحية، إذ تفسد على الإنسان جسده وتأكل قوته، وتذهب صحته، ولقد قال الله (تعالى): (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة: 195) ويقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): "لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ: عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعَنْ مالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ؟"(رواه الترمذي)، غير ما لها من مخاطر أخلاقية واقتصادية.

2. الشائعات: إن الشائعات مرض فتاك وخطر مدمر إذا تملك من أسرة قطع أواصرها، وإذا تملك من مجتمع أفسده على أهله، وغيب أمانه واستقراره ومن ثم كانت دعوة الإسلام إلى حفظ العقول عن تصديقها والخوض فيها مع الخائضين، فقد قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (الاسراء: 38) وقال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).

كما كانت دعوة الإسلام إلى حفظ اللسان عن نشرها وترويجها، فقد قال تعالى: ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (ق: 18): وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ" (رواه البخاري)، فنشر الشائعات وإذاعتها مما جاء فيه الوعيد الشديد؛ فعَنْ أَسْمَاءَ، بِنْتِ يَزِيدَ، (رضي الله عنها)، أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ" (رواه أحمد)، ويكفي في ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلمَ): "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" (رواه الترمذي) .

ونظرا لما يشهده العالم من تطور كبير في وسائل التواصل؛ لا شك أن الشائعات أصبحت أوسع وأكثر انتشارا، مما يحتم علينا أن نكون لها أكثر وعيا ويقظة، ومنها أكثر حذرا؛ فلا نصغى لقائلها ولا نروج لها أو نرددها؛ فقد ذم القرآن الكريم قوم كونهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) (المائدة: ٤١) فكيف بمن يردده ويخوض مع الخائضين؛ ففي ترديد الشائعات انتشارها ومساهمة في ترويجها، ويحسبه البعض هينا لكنه عند الله عظيم؛ قال الله (جل وعلا): (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور: 15) ويقول رسولنا الكريم  (صلى الله عليه وسلمَ)" كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وعَنْ المغيرة بن شعبة أن النبي (صلى الله عليه وسلمَ) قال: "مَن حَدَّثَ بحديثٍ، وهو يَرى أنَّه كَذِبٌ؛ فهو أحَدُ  الكاذِبَيْنِ" (رواه مسلم).

ومن ثم فالواجب على كل مخلص لدينه ووطنه أن يحذر الوقوع في مخالب الشائعات فليكن منهجه في حديثه قول الرسول (صلى الله عليه وسلمَ) "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" (متفق عليه) وليكن منهجه في سمعه قول الله (عز وجل): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).

اللهم عافنا في أبداننا وعقولنا، واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســـــــن داود

إمام وخطــيب ومدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

google-playkhamsatmostaqltradent