recent
آخر المشاركات

مواقف من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) في معاملة الأبناء -- للدكتور / محمد حســــــن داود

مواقف من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) في معاملة الأبناء
للدكتور / محمد حســــــن داود


لقد ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة وأزكاها وأطيبها في معاملة الأطفال عامة، ومعاملة الأبناء والأحفاد خاصة، فهو صلى الله عليه وسلم القائل: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" (رواه الترمذي)، إذ اجتمعت في قلبه عظم رحمة النبوة، وخصال عطف الأبوة، وسمو جوانب الإنسانية .

 ولقد تجلت معاملته صلى الله عليه وسلم لأولاده وأحفاده، في كثير من المظاهر والمواقف: إذ يظهر فرحه صلى الله عليه وسلم بولادة إبراهيم (عليه السلام) ، فلما جاءه أبو رافع، يبشره به، وهب له عبدا، مكافأة على بشارته.

كما تراه يختار لهم الأسماء الحسنة: فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ " (رواه مسلم) وعَنْ عَلِيٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، قَالَ : لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سميته حربا ، فجاء رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ: " أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ " ، قَالَ : قُلْتُ : حَرْبًا ، قَالَ : " بَلْ هُوَ حَسَنٌ " ، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ : " أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ " ، قَالَ : قُلْتُ : حَرْبًا ، قَالَ : " بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ " ، فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا ، فَجَاءَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ : " أَرُونِي ابْنِي ، مَا سَمَّيْتُمُوهُ ؟ " ، قُلْتُ : حَرْبًا ، قَالَ : " بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ " رواه أحمد) ولعل من العلة في  دعوة النبي إلى حسن اختيار اسم الطفل: مراعاة الجانب النفسي عند الطفل ،فهذا الجانب يمثل أساسا من أهم الأسس التي تبنى شخصية الفرد من طفولته .

كما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) رءوفا رحيماً بهم، عطوفا عليهم، شفيقا بهم، لينا معهم، يحبهم ويضمهم إليه، ويقبلهم عطفا بهم وشفقة ورحمة؛ فها هو النبي يخطب في الناس فأقبل الحسن والحسين (رضي الله عنهما)، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما فصعد بهما ، ثم قال : " صَدَقَ اللَّهُ : إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ (سورة التغابن: 15) رَأَيْتَ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ " ثم أخذ في الخطبة .

وها هو صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الناس في صلاة يحمل الحسن أو الحسين، وفى الصلاة سجد سجدة أطالها؛ يقول عبد الله بن شداد عن أبيه (شداد بن الهاد بن بشر) قَالَ أَبِي : فَرَفَعْتُ رَأْسِي مِنْ بَيْنِ النَّاسِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ، (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، سَاجِدٌ ، وَإِذَا الْغُلَامُ رَاكِبٌ عَلَى ظَهْرِهِ فَعُدْتُ فَسَجَدْتُ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ، (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلَاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا أَفَشَيْءٌ أُمِرْتَ بِهِ ؟ أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ ؟ قَالَ " كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ " (رواه الحاكم) .

ولما قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (رضي الله عنهما) وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ " (رواه البخاري).

وها هو تدمع عيناه عند وفاة ابنه إبراهيم ، فيقول له سيدنا عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه): وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فيقول‏"‏ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ‏" ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" (رواه البخاري) .

ولم يكن هذا الحب والعطف وحسن المعاملة للبنين فقط كما عليه بعض الناس اليوم من تفضيل للبنين، وإهمال للبنات ،بل كان، صلى الله عليه وسلم، يعتني بالبنات ويهتم بهن اشد العناية والاهتمام، فهو القائل: "مَنْ كَانَتْ لَهُ أُنْثَى فَلَمْ يَئِدْهَا وَلَمْ يُهِنْهَا وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ عَلَيْهَا - يَعْنِي الذُّكُورَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ "(رواه أبو داود) فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : رَأَيْتُ " النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَؤُمُّ النَّاسَ ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ،عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ، وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ السُّجُودِ، أَعَادَهَا " (رواه مسلم).

كما كان، صلى الله عليه وسلم، إذا دخلت عليه ابنته فاطمة (رضي الله عنها)، أخذ بيدها، وقبلها، وأجلسها في مجلسه، فعنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ  (رضي الله عنها)، قَالَتْ : "اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ، فَقَالَ : مَرْحَبًا بِابْنَتِي ، فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا ...".

 ومن عظم إنسانيته صلى الله عليه وسلم ورحمته أن هذا الاهتمام والحب والعطف وهذه الرحمة لم تقف عند أبنائه وأحفاده بل شملت جميع الأطفال، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) " (رواه مسلم) فكان يسلم عليهم، ويمسح على رؤوسهم فعن أنس بن مالك (رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) قال" أتى رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)، على غِلْمانٍ يلعبون فسلَّم عليهم" (رواه أبو داود) وعنه أيضا، قال:" كان رسول الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)، يزور الأنصار، ويُسلِّم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم"  (رواه النسائي وابن حبان).

ولما كانت مرحلة الطفولة، مرحلة أساسية في بناء شخصية وسلوك الفرد، الذي بدوره هو جزء من المجتمع، كان اهتمام النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمر تربية الأطفال ورعايتهم سلوكيا وأخلاقيا اهتماما بالغا، فهم جيل الغد و رجال المستقبل ، ولقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم6) (ومن اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم) وعنايته بالأطفال غرس الوازع الديني في قلوبهم وتعويدهم على مراعاة حق الله (جل وعلا) إذ يقول: " مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ "(رواه أبو داود )كما اهتم النبي (صلى الله عليه وسلم) بتعويدهم حسن الآداب والأخلاق ؛ فلما رأى عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ تطيش يده في الصفحة قال له" يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" يقول عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ " فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ ". وكما كان صلى الله عليه وسلم يعلم الأولاد ما ينفعهم و يصلح دينهم ودنياهم وآخرتهم كان يحذر مما يضرهم ويفسد دينهم ودنياهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُـولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ "قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ "(رواه  أبو داود ).

وإن من أعظم ما يجب على الآباء في تربية أبنائهم؛ اهتمامهم بفكرهم وتربيتهم وتنشأتهم على الوسطية والاعتدال والابتعاد عن أفكار الهدم والتشدد والانغلاق .

 و كذلك الاهتمام بغرس محبة الوطن والوفاء له في قلوبهم منذ الصغر حتى يكونوا معاول بناء وسواعد إنتاج وحفاظ ودفاع عن وطنهم  .

وكذلك الاهتمام بتربيتهم على كف الأذى، وتقديم الخير وحسن القول للناس جميعا فقد قال صلى الله عليه وسلم " الْمُسْلِمُ : مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ " .

إن صغاركم اليوم هم شباب الغد ،وهم آباء المستقبل، فأحسنوا نشأتهم، و اعلموا أنكم مسئولون عنهم أمام الله (عز وجل)، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه "

===كتبه===
محمد حســـــن داود
إمام وخطيـــب ومدرس
دكتوراه في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent