recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) للدكتـــــور/ محمد حســــن داود (29 ربيع الآخر 1446هـ - 1نوفمبر 2024م)

                                           خطبة بعنــــوان:

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)
للدكتـــــور/ محمد حســــن داود
(29 ربيع الآخر 1446هـ -  1نوفمبر 2024م)



العناصــــــر:      مقدمة :
- دعوة الإسلام إلى الأخذ بالأسباب.
- الأخذ بجميع أسباب القوة صور ونماذج.
- الأخذ بأسباب القوة من منهج الأنبياء (عليهم السلام).
- دعوة إلى تحقيق معاني الأخذ بالأسباب.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السماوات والأرض، وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، إمام المتقين وسيد المتوكلين، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

إن الناظر في كتاب الله (عز وجل) وسنة نبيه (صَلى الله عليه وسلم): يجد دعوة الإسلام إلي الأخذ بالأسباب في كل الأمور؛ قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة: 105)، وقال عز وجل: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الإسراء:19)، وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَعُلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَقَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: قِيلَ: فَفِيمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟، قَالَ: "كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" (رواه مسلم) وفي رواية: عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن النبي (صَلى الله عليه وسلم) قال: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ "(متفق عليه). ويقول سهل بن عبد الله التستري: "من طعن في الحركة (يعني: في الأخذ بالأسباب) فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي (صلى الله عليه وسلمَ)، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركن سنته.

ومن ذلك أن أكد الإسلام على الأخذ بجميع أساب القوة في مواجهة التحديات، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60)، فالشرع الشريف يبني في النفوس معنى القوة الشاملة: قوة الإيمان، وقوة العلم، وقوة الطاعة، وقوة النفس، وقوة البدن، وقوة الروح، وقوة العزيمة، وقوة العقل، وقوة الاقتصاد، وغير ذلك.

- فلقد دعانا الإسلام في مواجهة التحديات إلى الأخذ بجميع أسباب القوة البشرية: حيث قال النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): "المؤمنُ القَوِيُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ". وفي قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم) وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ " (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ أَلاَ إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ" وإطلاق الرمي في الحديث يشمل كل ما يُرمى به العدو من أسلحة، في إشارة واضحة جلية إلى الاهتمام بهذا الجانب؛ يقول ابن عباس (رضي الله عنهما): "القوة هاهنا السلاح والقِسِيّ ".

ومن اهتمام القرآن الكريم بالقوة البشرية البدنية حدثنا عنها في قصة ذي القرنين، حين قال لقوم من الأقوام: (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) (الكهف: 95).  كما حدثنا عن قوة موسَى (عليهِ السلام)، قال تعالى: ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ) (القصص: 62)، عن ابنِ عباسٍ، قال: "(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ ) (القصص: 62)، قال: فأحفظتْهُ الغَيْرةُ أنْ قالَ: وما يدريكِ ما قوّتُهُ وأمانتُهُ؟ قالتْ: أمّا قوّتُهُ، فما رأيتُ منهُ حين سقَى لنا، لم أرَ رجلًا قط أقوىَ في ذلك السقيِ منه. وأمَّا أمانتُهُ، فإنَّه نظرَ حين أقبلتُ إليهِ وشخصتُ لهُ، فلمَّا علمَ أنِّي امرأةٌ صوّبَ رأسَهُ فلم يرفعْهُ، ولم ينظرْ إليَّ حتى بلغتهُ رسالتَكَ"(تفسير الطبري).

- كما دعانا الإسلام في مواجهة التحديات إلى الأخذ بجميع أسباب القوة الاقتصادية، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15). ولما جاء رجل من الأنصار يسأل النبي (صَلى الله عليه وسلم)، كان التوجيه إلى العمل والسعي والكسب في إشارة قوية عظيمة إلى الأخذ بأسباب القوة الاقتصادية؛ إذ قَالَ له النبي (صَلى الله عليه وسلم):" أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟" قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: "ائْتِنِي بِهِمَا"، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، بِيَدِهِ، وَقَالَ: "مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟" قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: "مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثًا"، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: "اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ، وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ"، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ، وَلا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا"، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):"هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

وهذا كان أيضا منهج الصحابة والتابعين، فلما رأى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعض الكسالى قابعين في المسجد ينتظرون الرزق قال:" لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضةً، وإن الله تعالى يقول: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة:10). يروى أن شقيقاً البلخي، ذهب في رحلة تجارية، وقبل سفره ودع صديقه إبراهيم بن أدهم، حيث يتوقع أن يمكث في رحلته مدة طويلة، ولكن لم يمض إلا أيام قليلة حتى عاد شقيق ورآه إبراهيم في المسجد، فقال له متعجباً: ما الذي عجّل بعودتك؟ قال شقيق: رأيت في سفري عجباً، فعدلت عن الرحلة، قال إبراهيم: خيراً ماذا رأيت؟ قال شقيق: أويت إلى مكان خرب لأستريح فيه، فوجدت به طائراً كسيحاً أعمى، وعجبت وقلت في نفسي: كيف يعيش هذا الطائر في هذا المكان النائي، وهو لا يبصر ولا يتحرك؟ ولم ألبث إلا قليلاً حتى أقبل طائر آخر يحمل له العظام في اليوم مرات حتى يكتفي، فقلت: إن الذي رزق هذا الطائر في هذا المكان قادر على أن يرزقني، وعدت من ساعتي، فقال إبراهيم: عجباً لك يا شقيق، ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى الكسيح الذي يعيش على معونة غيره، ولم ترض أن تكون الطائر الآخر الذي يسعى على نفسه وعلى غيره من العميان والمقعدين؟ أما علمت أن اليد العليا خير من اليد السفلى؟ .

- كما دعانا الإسلام في مواجهة التحديات إلى الأخذ بجميع أسباب القوة العلمية، فما وجدنا في كتاب الله أمرا للنبي بطلب الاستزادة من شيء كما وجدناه في العلم؛ قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه: 114) فبه تتفاضل الناس، كما تتفاضل به الأمم؛ فقد قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) ولله در القائل :

العلم يرفع بيوتا لا عماد لها *** والجهل يهدم بيوت العز والكرم

فالقوة العلمية من مقومات الحياة في المجتمع، ولا يمكن أن تبنى حضارة دون أن يكون أحد أركانها العلم؛ ولله در من قال:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم  ***لم يبن ملك على جهل وإقلال

فبالعلم تتطور الأمم والمجتمعات وتنهض وتتقدم؛ وإن الناظر في تاريخ الأمم قديمها وحديثها، يلحظ أن تحضرها ورقيها كان مرتبطا بالعلم ارتباطا وثيقا؛ فالعلم ابتكار وتطوير.

ومن ثم فإن القوة العلمية لا تقف عند العلوم الشرعية، بل إن القوة العلمية تتمثل في كل علم نافع في جميع المجالات التي فيها مصلحة البشرية، وتيسير أمور حياتها؛ كالطب والهندسة والكيمياء، والرياضيات، والميكانيكا، وعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، والبناء، والملاحة ... الخ ؛ فحينما مدح الله (سبحانه وتعالي) داود وسليمان (عليهما السلام) في القرآن بالعلم، فقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) (النمل: 10) لم يقتصر هذا على الدين فحسب؛ بل كان منه صناعة الحديد ومنه منطق الطير، كما قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (النمل: 16)، كما أن قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28) جاء في معرض الحديث عن العلوم الكونية، إذ يقول الله (سبحانه وتعالى): (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 27-28) مما يدل على اهتمام الإسلام ودعوته إلى العلم النافع في جميع المجالات.

- فيما ينبغي أن نعلم أن القوة الإيمانية، القوة النفسية لها دور عظيم في حياة الإنسان؛ فالمؤمن يثبت دائما مهما اشتد عليه البلاء، ثابت قوي لا تكسره المحن ولا تضعفه الشدائد ولا ترهقه الآلام؛ بل هو في قوة وثبات.

إننا إذا تدبرنا حال الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) لوجدنا أن الأخذ بأسباب القوة من نهجهم وسنتهم: فهذا داود (عليه السلام) يصنع من الحديد الدروع والسيوف أخذا بأسباب القوة، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (سبأ: 10-11). وانظر كيف كان فعل سيدنا يوسف (عليه السلام) في السبع الرخاء للسبع الشداد، وكيف أخذ بأسباب القوة والنجاة من مجاعة مهلكة وخطر محدق، قال تعالى: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) (يوسف:47-49). وهذا سيدنا نوح (عليه السلام) أمره ربه (تبارك وتعالى) بإعداد سفينة عملاقة، في توجيه إلهي إلى الأخذ بالأسباب للنجاة من الغرق، قال تعالى: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ) (هود: 37). وها هو الحبيب النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) لم يترك الأخذ بأسباب القوة في أموره جميعها؛ ومن ذلك غزواته: ففي بدر يأخذ بمشورة الحباب بن المنذر، وفي الأحزاب يأخذ بمشورة سلمان الفارسي في حفر الخندق، وفي أُحد ظَاهَرَ بينَ دِرْعَيْنِ (والأمثلة كثيرة).

وهذا الأخذ بالأسباب على عمومه مما وجه النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إليه وحث عليه للوصول إلى حياة كريمة مشمسة بالخير والتقدم والرقى حتى في أقل الأشياء؛ فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ ( يعنى ناقته، وكأنه كان يفهم أن الأخذ بالأسباب ينافي التوكل على الله تعالى، فوجهه النبي (صلى الله عليه وسلمَ) إلى أن مباشرة الأسباب أمر مطلوب ولا ينافي بحال من الأحوال التوكل على الله تعالى وإنما هو منه) فقال له: " اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ ". وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ:" لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا " (مستدرك الحاكم).  

نسأل الله أن يحفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومدرس
دكتوراة في الفقه المقارن

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


google-playkhamsatmostaqltradent