خطبة بعنوان :
فضائل العشر وليلة القدر
فضائل العشر وليلة القدر
للشيخ
/ محمد حســــــن داود
العناصــــــــر :
1 - من هدى النبي
صلى الله عليه وسلم في العشـر.
2-
أعمال يتقرب بها العبد إلى الله في هذه العشر .
3 - ليلة القدر خير من ألف شهر .
4- دعوة الى اغتنام العشر الأواخر من رمضـان
وليلة القدر .
الموضـــــوع: الحمد لله رب
العالمين، القائل في كتابه العزيز( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر *
ِوَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) سورة القدر) وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف
"َ... رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ
أَنْ يُغْفَرَ لَهُ..." رواه الترمذي) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
ها هي أيام شهر رمضان تمر، ولياليه تنقضي،
فقد مضت أيام وليال، وإذا نحن في العشر الأواخر، عشر التجليات، عشر النفحات ،عشر البركات،
تدعو من أحسن أن يزداد من الطاعات، ومن قصر أن يغتنم ما بقى بالعبادات، واستمعوا معي
إلى السيدة عائشة رضي الله عنها إذ تحكى حال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر
فتقول " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ
فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ " رواه مسلم) فلقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر بمزيد من الطاعة والعبادة، أمرا يحثنا
جميعا أن نهتدي بهديه، فنغتنم هذه العشر بصالح الأعمال، ومن ذلك :
- إحياء الليل: بالقيام ؛ فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
، قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ
الْعَشْرُ ، شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ " رواه
البخاري)وعن عبد الله بن أبي قيس قال: قالت لي عائشة - رضي الله عنها - " لَا
تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَانَ لَا يَدَعُهُ , وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ , صَلَّى قَاعِدًا " رواه
أبو داود) فمع أن النبي صلى الله عليه وسلم، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إلا
انه لم يتغافل يوما عن قيام الليل ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ
نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى
تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ، فَقَالَتْ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَقَدْ
غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ " أَفَلَا
أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا " رواه البخاري) فكيف بنا ؟ والرسول صلى
الله عليه وسلم يقول " مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ " ، قَالُوا
: وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ
أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ
" رواه الترمذي ) كيف بنا ؟ ولما مر صلى الله عليه وسلم بقبر قال " مَنْ
صَاحِبُ هَذَا القَبْرِ ؟" قالوا: فلان، قال" رَكْعَتَانِ أَحَبُّ إِلَى
هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ " رواه الطبراني في الأوسط). إن قيام الليل أفضل الصلاة بعد الفريضة، كما قال رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم " وَأَفْضَلُ
الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ "رواه مسلم ) فهو دليل على تقوى العبد، قال تعالى (إِنَّ
الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ
كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )الذاريات15-18)وهو طريق للحسنات وتكفير السيئات،يقول
النبي صلى الله عليه وسلم "عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ
الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ
، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ " رواه الترمذي ) بل هو طريق إلى الجنة فلما سأل (رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ) (النبي صلى الله عليه وسلم) مرافقته في الجنة، قال له " فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ ، بِكَثْرَةِ
السُّجُودِ " رواه مسلم).
- ومن هدى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه
العشر حث الأهل على الطاعة والعبادة، فعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخير من رَمَضَان
" قال الترمذي حسن صحيح) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أيضا عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ انها قالت" لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ
مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه "
وعلى هذا كان الصحابة الأطهار، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، فهذا عمر رضي الله عنه " كان يصلى
من الليل ما شاء الله حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم الصلاة الصلاة
ثم يتلو هذه الآية (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ
رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه132) ولما لا والنبي صلى
الله عليه وسلم يقول " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى،
ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ،
وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا
فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ)رواه الترمذي) .
- كثرة الاستغفار: فهو باب الخيرات والبركات
ودفع البلاء قال
تعالى ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء
عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ
وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا) نوح 10-12) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا
، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " رواه
أبو داود وابن ماجه وغيرهما) ويكفى في فضله ما جاء في الحديث القدسي " يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ
السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي" رواه
الترمذي).
- ذكر الله سبحانه وتعالى ، فبه تعظم الأجور
؛إذ لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم " فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا
؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا" وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ " ، قَالُوا : وَمَا الْمُفَرِّدُونَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ
" رواه مسلم).
- قراءة القران : فلقد كان جبريل يلقى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن،وكفى في فضل تلاوته الشفاعة
لأصحابه يوم القيامة فعن أَبي أمامه الْبَاهِلِيّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ"رواه مسلم) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
" الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ
الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي
فِيهِ . وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ
. قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ " رواه احمد)
- الدعاء، فقد قال تعالى( وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ
لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة 186)وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ : دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ ، ودعوةُ
الصائِمِ ، ودعوةُ المسافِرِ " رواه البيهقي) إن الدعاء شأنه عظيم، ونفعه عميم،
ومكانته سامية، ومنزلته عالية، فما من شيء أكرم على الله تعالى منه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
رضي الله عنه، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
" لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ "(رواه الترمذي
وبن ماجة وأحمد، وصححه بن حبان والحاكم) ) فهو باب للرحمات ،وتفريج الكربات ،والرفعة في الدرجات
،ومغفرة السيئات، يزيل الله به الهم ،ويكشف به الغم، فما استجلبت النعم بمثله، ولا
استدفعت النقم بمثله، ومن ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ ، إِلَّا أَعْطَاهُ
اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ
يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا
" ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ ، قَالَ :" اللَّهُ أَكْثَرُ " رواه
الترمذي واحمد)
- الجود والكرم وقضاء الحاجات والتكافل،
فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان اجود ما يكون في هذا الشهر، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما " كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ
حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ
الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ
الْمُرْسَلَةِ" وان من يتدبر الصيام والصدقات ليجد بينهما علاقة وطيدة فإن كان في معنى الصيام، الشعور بالفقير، ففي الصدقات
الشعور به، بل وقضاء حاجته، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ
النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ
سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ
عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ،
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ
شَهْرًا، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ،
وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا، أَثْبَتَ اللَّهُ
قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ" . وكما أن الصيام طريق وصول إلى درجة
التقوى، فكذلك الصدقات، إذ يقول الله تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ
عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران133/134) كما أن في الصدقات
إعانة للصائمين ، وفى ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَنْ فَطَّرَ صَائِماً
كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ"
رواه الترمذي ) فكم من صدقة كانت سببا في غفران الذنوب، قال صلى الله عليه وسلم"
وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةِ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ" ابن ماجه)
وكم من صدقة كانت ظلا لصاحبها يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
" كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ "
وكم من صدقة كانت وقاية لصاحبها من النار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"
اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
"رواه البخاري) فاتقوا النار ولو بشق تمرة .
وإن من اجل ما تفضل الله به على عباده في
هذه العشر، ( ليلة القدر )، تلك الليلة المباركة، التي قال المولى سبحانه و تعالى في
فضلها وعظم قدرها ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر* ِوَمَا أَدْرَاكَ
مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ *تَنَزَّلُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ *سَلَامٌ هِيَ
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )سورة القدر) والسبب في أن سميت بهذا الاسم، ما أضفاه الله
عليها من جموع الفضائل و الشرف؛ فهي ليلة نزل فيها القران، قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْر ) القدر1) و فيها تقدر مقادير الخلائق على مدى العام ، قال تعالى
(إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ *فِيهَا
يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) الدخان 4) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: (فِيهَا
يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قَالَ: " يُكْتَبُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي
لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ مِنْ رِزْقٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ
أَوْ مَطَرٍ، حَتَّى يُكْتَبَ الْحَاجُّ ؛ يَحِجُّ فُلانٌ ، وَيَحِجُّ فَلانٌ
" . وعَنِه أيضا انه قَالَ : " إِنَّكَ لَتَرَى الرَّجُلَ يَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ
، وَقَدْ وَقَعَ اسْمُهُ فِي الْمَوْتَى" ، ثُمَّ قَرَأَ ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ
حَكِيمٍ) يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ:يُفْرَقُ أَمْرُ الدُّنْيَا
إِلَى مِثْلِهَا مِنْ قَابِلٍ" مستدرك الحاكم) وللعبادة فيها قدر عظيم، فهي
خير من عبادة في ثلاثة وثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر ،قال تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر)القدر 3) عَنْ الِإمَامِ مَالِك أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ
بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ:" إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ؛
فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ
الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ؛ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" موطأ مالك) وعَنْ مُجَاهِدٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَبِسَ السِّلاحَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَلْفَ شَهْرٍ ، فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر* ِوَمَا أَدْرَاكَ
مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ *تَنَزَّلُ
الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ *سَلَامٌ هِيَ
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) وفى تلك الليلة تضيق الأرض بالملائكة الذين ينزلون فيها
بالخير والبركة والرحمة والمغفرة، قال تعالى (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ
فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ)القدر 4 )عن أبى هريرة رضي الله عنه"
أن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى " وهى ليلة سلام كلها خالية
من الشر والأذى ولا يخلص الشيطان فيها إلى ما كان يخلص في غيرها، قال تعالى (سَلَامٌ
هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)القدر 5) وفيها غفران الذنوب لمن قامها إيمانا بالله
مصدقا بثوابها واحتسب في ذلك الأجر عند الله، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ
قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ ، ".
وعن ميعادها فهي في العشر الأواخر من شهر
رمضان، فقد قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَحرُّوا
ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ " رواه البخاري) والأغلب أن تكون
في الليالي الوتر منها ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ
فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ". والحكمة في إخفائها؛
ليتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان كلها، وخاصة في العشر الأواخر، طمعا من العباد
في إدراكها؛ ولاشك إن عرفت في ليلة بعينها لعم الكسل والخمول و ترك الكثير الطاعة والاجتهاد
. ولها علامات في أثنائها وكأنها بمثابة الحث على اغتنامها والمرغب في الاجتهاد فيها،
وهي أنها تكون ليلة مضيئة ،صافية ، فيها سكينة ،لا برد فيها ولا حر فعَنْ جَابِرٍ ،
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي
كُنْتُ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ، ثُمَّ نُسِّيتُهَا ، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ
، وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ
كَوَاكِبَهَا ، لا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَجْرُهَا " . وأما
العلامة التي تكون بعد انقضائها وكأنها بمثابة المبشر بالأجر والدرجات فهي كما جاء
عن أبي بن كعب "وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا
بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا " رواه مسلم)
إن هذه الفضائل العظمى والمنح الكبرى لتبعث
في النفس الكثير والكثير من الإقبال على الطاعات والقربات؛ اقتداء بالنبي صلى الله
عليه وسلم واجتهاده في هذه العشر، وطمعا في مغفرة الذنوب، فقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ،
وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ
لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ
الْجَنَّةَ " رواه الترمذي) وطمعا في إدراك ليلة القدر ؛ فمن لم يجتهد مع هذا
الفضل فمتى يجتهد والنبي صلى الله عليه وسلم
يقول" إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا
إِلَّا مَحْرُومٌ "فأحسنوا ختام شهركم، واغتنموا أيامكم بالطاعات والقربات فقد
قال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )آل عمران133) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا
لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٌ مِنْ رَحْمَتِهِ
يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ
، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ " فاطرقوا أبواب العمل الصالح، ولا تبخلوا
على أنفسكم بالدعاء، فعَن عَائِشَةَ، قالَتْ:
قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أرَأيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ،مَاأقُولُ
فِيها؟قَالَ"قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ
عَنِّي " رواه الترمذي)
( اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف
عنا )
محمد
حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
إمام وخطيب ومدرس