خطبة بعنوان :
فضل الصيام وسلوك الصائمين
للشيخ محمد حسن داود
فضل الصيام وسلوك الصائمين
للشيخ محمد حسن داود
ولتحميل الخطبة : word اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf اضغط هنا
العناصــــــــر
:
1 - من فضائل شهر رمضان .
2 - فضائل الصيام وثمراته .
3 - سلوك الصائمين .
4 - دعوة إلى اغتنام شهر رمضان بالعبادة.
1 - من فضائل شهر رمضان .
2 - فضائل الصيام وثمراته .
3 - سلوك الصائمين .
4 - دعوة إلى اغتنام شهر رمضان بالعبادة.
الموضـــــوع: الحمد لله رب
العالمين، القائل في كتابه العزيز(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ) البقرة 185) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري) اللهم صل وسلم وبارك
عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد أظلنا شهر عظيم مبارك، شهر البركات والنفحات، شهر الصيام والقيام
،شهر المحبة والإحسان، شهر العتق من النار، شهر تفتح فيه أبواب الرحمة، فعن أبى هريرة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" إِذَا كَانَ رَمَضَانُ ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ
جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ " رواه مسلم) شهر تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها
باب، شهر تغلق فيه أبواب النار فلا يفتح منها باب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ
: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: " قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ
صِيَامَهُ ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ
، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ
حُرِمَ خَيْرَهَا ، قَدْ حُرِمَ " رواه احمد)وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ
مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ
النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، فَلَمْ
يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا
بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ
"رواه ابن ماجه) شهر شرفه الله بنزول
القران فيه، فقد قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ)البقرة185)شهر فضله الله بليلة هي خير من ألف شهر، قال تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ )القدر3) فيا باغي
الخير اقبل، يا باغي الرحمة اقبل، يا باغي الجنة اقبل، يا باغي العتق من النار اقبل،
يا باغي المغفرة اقبل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ
ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ
رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ
عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ " رواه الترمذي)
أَهْلاً بِصَوْمَعَةِ الْعُبَّـــــادِ
مُـذْ بَزَغَتْ *** شَمْسٌ وَمَجْمَعِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْقِيَــمِ
هَذِي الْمَـآذِنُ دَوَّى صَوْتُهَـــا طَرَبًا *** تِلْكَ الْجَـوَامِـعُ فِيْ أَثْوَابِ مُبْتَسِــــــمِ
نُفُوْسُ أَهْلِ التُّقَى فِيْ حُبِّكُمْ غَرِقَتْ *** وَهَزَّهَا الشَّوْقُ شَوْقُ الْمُصْلِحِ الْعَلَمِ
هَذِي الْمَـآذِنُ دَوَّى صَوْتُهَـــا طَرَبًا *** تِلْكَ الْجَـوَامِـعُ فِيْ أَثْوَابِ مُبْتَسِــــــمِ
نُفُوْسُ أَهْلِ التُّقَى فِيْ حُبِّكُمْ غَرِقَتْ *** وَهَزَّهَا الشَّوْقُ شَوْقُ الْمُصْلِحِ الْعَلَمِ
فبشرى لمن أدركوه، وطوبى لمن اغتنموه، يقول الحسن البصري رحمه الله:
"إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم
ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا " فلقد فرض الله على عباده فيه الصيام؛ ركنا من أركان
الإسلام، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ،
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ ،وَصَوْمِ رَمَضَانَ "رواه البخاري )
فللصيام، مكانة رفيعة ودرجة عالية سامية، فهو من اجل الطاعات، وأحب الأعمال
إلى رب البريات، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي
عَلَى عَمَلٍ ، قَالَ " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ،
فَإِنَّهُ لا عِدْلَ لَهُ " رواه ابن حبان) فهو من اجل خصال الخير، فعَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ، قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ
يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي
بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ . قَالَ "
لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي
الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ " . ثُمَّ قَالَ
" أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ
تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ
جَوْفِ اللَّيْلِ " . قَالَ ثُمَّ تَلاَ ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ
الْمَضَاجِعِ ) حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ) ..." رواه الترمذي وقال حسن
صحيح) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ
أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟"قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟" قَالَ أَبُو
بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ
مِسْكِينًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ:
"فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟" قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا اجْتَمَعْنَ
فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه مسلم) ) أضافه الله سبحانه وتعالى
لنفسه تعظيما لشأن هذه الفريضة ورفعة لقدرها، فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
،قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ
: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا
أَجْزِي بِهِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، ..." رواه البخاري) فرحة لصاحبه في
دنياه وأخراه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ
يَفْرَحُهُمَا : إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ
"يشفع لأصحابه يوم ألقيامه، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ " الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ
يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ : الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ ، مَنَعْتُهُ
الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ
: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ فَيُشَفَّعَانِ
" هو باب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فقد قال تعالى( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ
وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ
وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )الاحزاب35) فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَقُولُ :
" الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى
رَمَضَانَ ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ " رواه
مسلم )وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ
إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" رواه البخاري)
هو طريق إلى الجنة وباب من أبوابها ، فلقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا
، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ
هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ ، وَأَطْعَمَ
الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ
" رواه الترمذي وقال حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا ، يُقَالُ لَهُ : الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ، يُقَالُ : أَيْنَ
الصَّائِمُونَ ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ ، فَلَمْ
يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "رواه مسلم).
فحق للمسلمين أن يفرحوا بقدوم هذا الشهر، و يتزينوا بالأعمال الصالحة
فور وصوله، ويبشرون بعضهم بعضا بمجيئه ،ويحسنون فيه الطاعة، ويحققون ما شرع الصيام
من اجله، فلا تعجب أخي المسلم إن قلت لك أن غاية هذه الرسالة هي تزكية النفوس والرقى
بالسلوك، وإتمام مكارم الأخلاق ؛ وهاهو المصطفى صلى الله عليه وسلم يعلن هذا قائلا " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ
صالحَ الأخلاقِ"رواه أحمد) فلقد أكد الإسلام على الأخلاق والسلوك، حتى كان لها
ارتباطها الوثيق بالإيمان ؛ فبقدر ما مع العبد من استقامة الخلق بقدر ما معه من استقامة
الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم " أَكْمَلُ
الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا "رواه أبو داود) ومازال الإسلام
يؤكد على حسن السلوك وفضائل الأخلاق حتى كان لها ارتباطها الوثيق بالعبادات؛ فمن حكمة
مشروعية العبادات والطاعات تهذيب النفوس، و تزكيتها ،وتربيتها على الأخلاق الفاضلة
،فكل عبادة فَرضها الله على المسلمين، ليس المقصود منها مجرد صورتها الظَّاهرية وفقط،
وإنما يقصد منها أيضا روحها ولبها، الذي يهذب الخلُق، ويصلح النفس، ويباعد بينها وبين
الشُّرور والآثام، وهذا يظهر جليا في فريضة الصيام، كما يظهر في غيرها من الفرائض،
إذ يقول الله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)البقرة 183) فلم
تقتصر نظرة الإسلام إلى الصيام بمعنى أنه حرمان مؤقت عن الطعام والشراب، وهذا ما بينه
المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله
" لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ
اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ..." رواه ابن خزيمة) بل إن الإسلام اعتبر الصيام مدرسة
عظيمة، يسمو الإنسان فيها بالنفس إلى درجة التقوى، ويعود نفسه فيها الصبر على طاعة
الله، ويتعلم فيها الأمانة في العبادات، يشعر فيها بالفقير والمحتاج، ويقضى حاجة الأرملة
واليتيم، يصون فيها الحواس عن الشرور والآثام، يلتزم فيها المسلم بالسلوكيات الحسنة،
والمعاملات الطيبة، فقد قال صلى الله عليه وسلم " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ
وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
"رواه البخاري) فمن صام عن الطعام والشراب، ولم يصم لسانه عن أذى الناس والخوض
في أعراضهم، ولم تصم يده من إيذاء الآخرين والنيل منهم، فما أتم حقيقة الصيام ؛ لذلك يقولَ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنْهُمَا
" إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ،
وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلاَ تَجْعَلْ يَوْمَ
فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً".
أهل الخصوص من الصوام صومهم *** صون اللسان عن البهتان والكذبِ
والعارفون وأهل الأنس صومــــــهم *** صون القلوب عن الأغيار والحجبِ
والعارفون وأهل الأنس صومــــــهم *** صون القلوب عن الأغيار والحجبِ
فأين حقيقة الصيام إن كان المرء يصوم عن الطعام والشراب، ولم يحسن معاملة
الناس والرسول صلى الله عيه وسلم يقول "وإِنَّ سُوءَ الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ،
كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ" إن كان يصوم عن الطعام والشراب ولكنَّه لا
يصوم عن السباب والفحش وإيذاء الناس في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، والرسول صلى الله
عليه وسلم يقول إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ "رواه البخاري )
ويقول أيضا إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ،
وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ
هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا
مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ
مِنْ خَطَايَاهُمْ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". وعن أَبَى
هُرَيْرَةَ قال : " قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ ، وَتَفْعَلُ
، وَتَصَّدَّقُ ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، قَالُوا
: وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ ، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا
؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ
" (الأدب المفرد للبخاري) وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ
إِلَّا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ
" رواه ابن ماجه)
إذا لم يكن في السمع مني تصــــاون ***
وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمت
فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما *** فإن قلت: إني صمت يومي فما صمـت
فحظِّي إذاً من صومي الجوع والظما *** فإن قلت: إني صمت يومي فما صمـت
ومن ثم: فمن سره أن يخرج من صيام رمضان وقد غفرت له الذنوب ،وكفرت عنه
السيئات، ورفعت له الدرجات، فليلحق بركب اقرب الناس إلى الحبيب المصطفى مجلسا، و أحبهم
إليه يوم القيامة، فقد قال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ
وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا
" لذلك ولغيره لما سئل
النبي صلى الله عليه وسلم" يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ
؟ قَالَ : " خُلُقٌ حَسَنٌ " مستدرك الحاكم) فبحسن الأخلاق والسلوك، يصل العبد درجة الصائم
القائم، فعَنْ
عَائِشَةَ رضِي اللهُ عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ
وسَلَّمَ يَقُولُ "إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ
الْقَائِمِ" رواه
أبو داود)
إن خيرية العبد لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل وبأخلاقه وسلوكه، فقد
قال تعالى ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ
وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى
الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ
وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
﴾البقرة 177) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ " سَأَلْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ؟ فَقَالَ
: الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ
يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " رواه مسلم ) و قال صلى الله عليه وسلم " خياركم
أحاسنكم أخلاقًا " متفق عليه)
هذا شهر رمضان قد أظلكم فاعرفوا حقه ، فهو منحة من رب العالمين، تعرضوا
لنفحات ربكم وأكثروا فيه من الخير فقد قال تعالى (وسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن
رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
)آل عمران133) و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ
، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ
" رواه الطبراني) فاغتنموا
هذا الشهر بالطاعات والقربات، بالصيام والصدقات والقيام فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رواه البخاري ومسلم
) أكثروا
في هذا الشهر من ذكر الله، فلما
سئل النبي صلى الله عليه وسلم " فَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ
:" أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا " ولا تبخلوا فيه على أنفسكم بالدعاء فقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم "
ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ : دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ ، ودعوةُ الصائِمِ ، ودعوةُ المسافِرِ
" رواه البيهقي)
(نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام)
=====
كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس