recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـوان : الجوانب الإنسانية في خطبة حجة الوداع - للشيخ / محمد حســـــن داود


خطبة بعنـــــــوان :
الجوانب الإنسانية في خطبة حجة الوداع
للشيخ / محمد حســـــن داود



ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة :
pdf     اضغط هنا
العناصــــــر :

الإسلام دين الإنسانية.
من الجوانب الإنسانية في خطبة حجة الوداع: حرمة الدماء والأموال والأعراض .
من الجوانب الإنسانية في خطبة حجة الوداع: ترسيخ مبدأ المساواة .
من الجوانب الإنسانية في خطبة حجة الوداع: وصية الإسلام بالمرأة .
 
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير) الحجرات13) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى". اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

لقد جاء الإسلام لتحقيق أنبل القيم وأفضل السمات، وأحسن الخلق وأجمل الصفات، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته، وجملته وتفصيله؛ يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم، دين يحترم الإنسان وآدميته بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو المعتقد ،قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الاسراء70) ومن تأكيد الإسلام على قيمة الإنسانية في اسمي المعاني دعانا إلى حسن الصلة مع الناس جميعا، إذ يقول الله جل وعلا (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) البقرة83)ويقول سبحانه (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )الممتحنة8) وجعل أحب الناس إلى الله انفعهم للناس دون تقييد بلون أو جنس أو غير ذلك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وعظم اجر كل ما كان فيه نفع للناس ولو قل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بيْنَما رجُلٌ يمْشِي بِطريقٍ وَجَدَ غُصْن شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ، فأخَّرُه فشَكَر اللَّهُ لَهُ، فغَفر لَهُ" وعد الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عد تقديم الخير لنفس كتقديم الخير للبشرية كلها، قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) المائدة32) وجعل أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا مع الناس جميعا فقال " وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رواه احمد والترمذي) وقال "أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً" كما جعل أفضل الإسلام، بل وتمامه، أن يسلم الناس من يد العبد ولسانه، فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ رضي الله عنه قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
وما أعظم الإنسانية وأروعها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد كان صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وبعدها مثلا أعلى للإنسانية في اسمي معانيها، وها هي السيدة خديجة، تقول له عندما جاءها وفؤاده يرجف، بعدما نزل عليه الوحي " كَلا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ ، أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ".
ولقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خطبة جامعة مانعة، في كلمات غاية البلاغة كانت بمثابة أعظم إعلان عالمي لحقوق الإنسان، بغض النظر معتقده أو لونه أو جنسه،أو عرقه، أرسى فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم مبادئ الرحمة ودعائم السلم والسلام، وأظهر لنا جوانب الإنسانية في اسم المعاني والقيم؛ وتأتى في مقدمة هذه الجوانب :
 - حرمة الدماء والأموال والأعراض، فعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ قُلْنَا : بَلَى قَالَ : أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ ؟ قُلْنَا : بَلَى ، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ ، قَالَ : أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ ؟ قُلْنَا : بَلَى ، قَالَ : فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"رواه البخاري) فلقد أكد الإسلام على حرمة الدم البشرى، قال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ )الأنعام15) وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ:" أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، في الدِّمَاءِ". وعليه فان للدم المعصوم عند الله شأن عظيم وحرمة عظيمة لك أن تتدبر مداها حينما تسمع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ " رواه ابن ماجة) ففي هذا الحديث يظهر جليا مدى حرمة هذا الدم، حتى لو كان زوال الدنيا كلها في كفة، وزوال نفس مسلمة بغير حق في كفة لرجحت كفة النفس؛ وفى حديث آخر يتوعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا القاتل، حتى لو كان أهل الأرض جميعًا، فهوانهم على الله يسير ما داموا أصابوا دما حراما، فقال صلى الله عليه وسلم" لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ , وَأَهْلَ الْأَرْضِ , اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ , لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ " قال سعيد بن جبير رضي الله عنه "من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرَّم دم مسلم فكأنما حرَّم دماء الناس جميعًا " ومما يجب علينا أن نؤكد عليه أن حرمة الدماء لا تقتصر على المسلم فحسب؛ فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا " وعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ آمَنَ رَجُلا عَلَى دَمِهِ ، فَقَتَلَهُ فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا " .
وكما دعا النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع إلى حفظ الدماء وبين رعاية الإسلام لهذا الحق، دعا إلى حفظ الأموال وجرم الاعتداء عليها ، وهذا مقصد عظيم من مقاصد الإسلام وجانب من اجل الجوانب الإنسانية ؛قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ " ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاك" مسلم) والناظر في الشريعة الإسلامية يجد أنها من شدة اهتمامها وعنايتها بحق المال للإنسان حرمت مجرد المماطلة بقضاء الديون إن كان المدين غنيا، فقال صلى الله عليه وسلم : " مَطْلُ الغنيِّ ظُلمٌ"ومن أعظم ما دل على مكانة الأموال ما جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ : " أَعَلَيْهِ دَيْنٌ ؟ " فَقَالُوا : نَعَمْ دِينَارَانِ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ " ، فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَصَلَّى عَلَيْهِ ، فَلَمَّا فَتْحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ قَالَ : " أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ، فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ وَمَنْ تَرَكَ مَالا فَلِوَرَثَتِهِ ". رواه ابن حبان) .
كذلك نادي المصطفى صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع بحفظ الأعراض وصيانتها، وإذا رجعت إلى كتاب الله وسنة رسوله لعلمت إلى اى مدى كانت رعاية الإسلام للأعراض والنهى الصريح عن الاعتداء عليها؛ فلقد حرم الإسلام السب والشتم والغيبة والنميمة والقدح في الأعراض؛ إذ يحسبه الكثير منا هينا وهو عند الله عظيم قال تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ الحجرات: 12) وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : " صعِدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المنبر فنادَى بصوتٍ رفِيع ، فقال : يا معشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيرُوهُمْ ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم ؛ فإنَّ مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَه ، ومنْ تتبعَ الله عورتَه يفضحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه ". كما أن الإسلام صيانة للأعراض وحفاظا عليها حرم الزنا وكل ما كان إليه سبيل، فقال تعالى ( وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )الإسراء 32)فلقد اقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله تعالى دلالة على عظم هذا الجرم فقال تعالى ( ٱلزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ )النور3) وفى آية أخرى قرنه المولى عز وجل بأعظم الموبقات: الشرك، وقتل النفس؛ قال تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ  وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) الفرقان68-70).
- ومن الجوانب الإنسانية في خطبة حجة الوداع:  ترسيخ مبدأ المساواة ؛ فلقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته مبدأ المساواة بين البشر، ونبذ العنصرية، والمفاخرات العرقية، فسمع صوته هناك الغني والفقير، والأبيض والأسود ، قال صلى الله عليه وسلم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى" ففي هذا إعلام إلى جميع الناس بأن أصلهم واحد ومرجعهم واحد، وان التفاضل بينهم جميعا أمام الله جعل وعلا بالتقوى وصالح الأعمال، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات13).
 كما أن مبدأ المساواة في حياة الرسول لم يقف عند النظرية والقول، بل له من التاريخ والسيرة ما يشهد عليه واقعا عمليا، ومن ذلك ما جاء"  إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا" ،عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بْنُ فُلاَنٍ ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ ؟ قَالَ : أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، ابْنُ الْإِسْلَامِ ، قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوْ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ " رواه احمد ). وكذلك من الصور المشرقة الشاهدة على تحقيق هذا المبدأ على ارض الواقع ما حدث من تنازع بين سيدنا عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- وهو أمير على المؤمنين مع يهودي ، فاحتكما إلى شريح قاضي المسلمين ، فسأل أمير المؤمنين البيّنة فعجز عن إقامتها ، فوجّه اليمين إلى خصمه اليهودي فحلف ، فحكم بالدرع لليهودي، فتعجب اليهودي من  الأمر ، وقال: قاضي أمير المؤمنين يحكم لي عليه، ونطق بالشهادتين وأسلم لما رأى من عظمة الإسلام وعظمة مبادئه وأحكامه التي تضع الإنسانية دائما في اعتباراتها .
-  وما أروع ما قاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في خطبته الجامعة ،في أمر النساء، حيث أوصى بهن خيرا، فقال صلى الله عليه وسلم " فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ" .
فلقد اهتم الإسلام بالمرأة أيما اهتمام ورفع مكانتها، وأكرمها بما لم تكرم بمثله وأنصفها بما لا تجد له مثيلاً في القديم ولا الحديث ؛ فقد جعل لها المشورة بعدما كانت تكره وتجبر، وجعل لها حق التملك بعدما كانت ملكا، وحدد لها نصيبـًا في الميراث بعد أن كانت تورث، وجعل لها شأن إجتماعى بعدما كانت لا تذكر، وكرمها في جميع مراحل حياتها، وقد لخص أحدهم ذلك في قوله " ما رأيت كالأنثى فضلاً ؛ تُدخِلُ أباها الجنةَ طفلة ، وتُكملُ نصف دين زوجها شابة ، والجنةُ تحت قدميها أُمّاً "
 فلقد كرمها بنتا حين نهي عن وأدها، واستنكر تلك الفعلة الشنعاء قال تعالى (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ)، بل نهى عن ما هو أقل من الوأد، وهو الحزن لقدوم الأنثى،قال تعالى( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ )النحل58/59) ، كرمها بنتا حين جعل لها حق الموافقة على شريك حياتها عن أبى هريرة قال ، قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، : " لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا ؟ قَالَ : أَنْ تَسْكُتَ " البخاري) كرمها بنتا حين جعل لها الحق في التعليم وفى النشأة الحسنة والتربية الحسنة و الحفاظ عليها و عدم التعدي على حقوقها مثلها مثل الذكور، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ وُلِدَتْ لَهُ أُنْثَى ، فَلَمْ يَئِدْهَا ، وَلَمْ يَنْهَهَا ، وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ يَعْنِي الذَّكَرَ عَلَيْهَا ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ " عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت " دخلتْ امرأةٌ معها ابنتانِ لها تسأَل، فلم تجدْ عندي شيئًا غيرَ تمرةٍ، فأَعطيتُهَا إيَّاها، فَقَسَمَتْهَا بينَ ابنتيْها ولم تأكُلْ منها، ثم قامتْ فخرجتْ، فدخلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته، فقال: من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النار " رواه البخاري )
وكرم الإسلام المرأة زوجة حين أولاها مسؤولية تربية الأولاد وتنشأتهم؛ لأن الأولاد هم أمل الأمة، وعمادها في المستقبل المنشود، بل لقد جعلها الإسلام موضع ثقة في ذلك، نعم إن الإسلام جاء بصفات غيرت مكانة الزوجة و أظهرت حقوقها فلقد أوصى الرجال بهن خيرا و شدد على عدم التعدي علي حقوقهن قال تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْـرُوف )البقرة228 )و قال( وَعَاشِـرُوهُــنَّ بِالْمَعْــرُوفِ) النساء19) وقال(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيـثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُــوا عَلَيْهِنَّ ) الطلاق6) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " رواه البخاري) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"  رواه مسلم)
إن الإسلام لم يغفل عن تكريم المرأة طرفة عين، فهذه مرحلة جديدة من مراحل حياتها، يبين الإسلام فيها مكانة المرأة إذا صارت أما، فيأمر ببرها وإكرامها، ويكفى في ذلك كله أن جعل الله تعالى بر الوالدين والإحسان إليهما، في المرتبة الثانية بعد توحيده تعالى وعبادته، ومن النصوص في جملة ذلك قوله تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)الإسراء23/24)وقال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً )الأحقاف15) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ" أُمُّكَ "قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ" ثُمَّ أُمُّكَ "قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ "ثُمَّ أُمُّكَ "قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ" ثُمَّ أَبُوكَ" البخاري) ولم يقف الإسلام عند ذلك بل أمر ببرها أما حتى بعد وفاتها فقد جاء رجل إلى النبي- صلى الله عبيه وسم - سائلا "هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَال رسول الله : نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا".
فما أحوجنا أن نعيش بالقلب والجوارح هذه الجوانب الإنسانية في اسمي معانيها لتستقيم حياتنا .
( الدعـــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس

 



google-playkhamsatmostaqltradent