recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : الوفاء بالحقوق والالتزامات وتحري الحلال شـرط أساس لقبـول الطاعات - للشيخ / محمد حســــــن داود


خطبة بعنوان :
الوفاء بالحقوق والالتزامات وتحري الحلال
شـــــرط أساس لقبـــــول الطاعات
للشيخ / محمد حســــــن داود


ولتحميل الخطبة : word اضغط هنا
ولتحميل الخطبة :    pdf  اضغط هنا

العناصــــــــر:
فضائل العشر الأول من ذي الحجة .
الوفاء بالحقوق وتحرى الحلال شرط لقبول الطاعات .
دعوة الإسلام إلى تحرى الحلال .
عواقب أكل الحرام .
الموضـــــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) البقرة 172) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ " رواه احمد) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
من فضل الله جل وعلا، أن جعل لنا مواسم للطاعات، أجزل لنا فيها العطايا والنفحات، ومن هذه النفحات الطيبة، والأيام العطرة " العشر الأول من شهر ذي الحجة"، فهي عشر مباركة؛ إذ أقسم الله بها في كتابه، وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً، ففيه الإشارة إلى تعظيم الله تعالى لها، والتنويه بشأنها وفضلها، قال تعالى (وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْر) الفجر1-2) والليالي العشر هي عشر ذي الحجة(قاله بن عباس، وبن الزبير، ومجاهد وقتادة،وغيرهم) وشهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها أفضل أيام الدنيا، فقال" أفضل أيام الدنيا أيام العشر"، ومن جملة فضلها أن فيها يوم النحر، وهو افصل أيام العام ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أَعْظَمُ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ " رواه أبو داود والنسائي) ومن جملة فضلها أن فيها يوم عرفه، اليوم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم عن مكانته ودرجته " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" رواه مسلم ) وعن شأنه وفضله " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى المَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ". ومن جملة فضلها أن شرع الله في يوم النحر منها ذبح الأضاحي، قال تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)الحج36-37) ففيها أسمى معاني الشكر لله عز وجل على نعمه، و فيها إحياء لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام ،وتأسيا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكفى في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم "مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ, أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ , إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا, وَأَشْعَارِهَا, وَأَظْلَافِهَا, وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ, فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا".  ومن جملة فضلها أنها مكان لاجتماع أمهات العبادة؛ قال ابن حجر في الفتح : " والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره" وعليه فهي مدرسة تربوية أخلاقية عظيمة فالعبادات كلها طريق لحسن الأخلاق ومكارمها، أما ترى أن الله جل وعلا، قال في الصلاة (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت45) وقال جل وعلا في الزكاة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) التوبة 103)وفى عموم الصدقة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا  لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )البقرة264) وفى الصيام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  " ليسَ الصيامُ منَ الأكْلِ والشرْبِ ، إِنَّما الصيامُ منَ اللغوِ والرفَثِ " وفى الحج قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) البقرة 197) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول " مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" رواه البخاري ومسلم) وما أعظم ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم عن بعثته " كما جاء في مسند الإمام احمد ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ " .
 ولقد وجه القران الكريم إلى اغتنام فضائل هذه الأيام بالطاعات والعبادات والقربات ، قال تعالى ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) الحج28) والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر ، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ( الأيام المعلومات أيام العشر) فاللبيب من اغتنم هذه الايام بالعبادات والطاعات، من قيام وصيام وصلاة وذكر ودعاء وصدقة وغير ذلك من الأعمال الصالحة؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلا الْجِهَادُ، قَالَ: وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" رواه البخاري)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ " يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ "رواه البخاري) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ " قال ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف، " وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده"  اهـ) ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم ومن سار على دربهم يغتنمون بالعبادات فضل هذه الأيام حتى ورد أن سعيد بن جبير رضي الله عنه كان "إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتى ما يكاد يَقْدِرُ عليه" وفى ذلك أيضا استجابة لقول الله تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )آل عمران133) وقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ" فما أحوجنا إلى مثل هذه الاستجابة، ومثل هذا الحرص على اغتنام فضل هذه الأيام.
وحتى يحافظ العبد على ثمرة الطاعات والعبادات وصالح الأعمال، ينبغي عليه أن يأخذ بأسباب القبول، ومنها تحرى الحلال الطيب في المطعم والملبس والمسكن وكل حال ، فقد قال رسول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ ، وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ " . رواه أبو داود) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "لَا يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالًا حَرَامًا فَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ ; فَيُبَارَكُ لَهُ فِيهِ، وَلَا يَتْرُكُهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلَّا كَانَ زَادَهُ إِلَى النَّارِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَمْحُو السَّيِّئَ بِالسَّيِّئِ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّئَ بِالْحَسَنِ، إِنَّ الْخَبِيثَ لَا يَمْحُو الْخَبِيثَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (51: سورة المؤمنون) ، وقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (172: سورة البقرة) ،" ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" رواه مسلم ) لقد أشار الحديث إلى ثلاث حالات هي مظنات لاستجابة الدعاء، اى أن كل حالة من هذه الثلاث، موطن بذاته من مواطن استجابة الدعاء، وهي ( السفر ) ؛فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ " رواه الترمذي) ،(حالة الشعث ) وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ " رواه مسلم)، ( رفع اليدين)، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا" ومع ذلك لم يسمع الله لدعائه لأكله الحرام، يقول وهب بن الورد " لو قمت مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك أحلال أم حرام" وقال سفيان الثوري  " من أنفق من الحرام في طاعة الله ، كان كمن طهر الثوب النجس بالبول ، والثوب النجس لا يطهره إلا الماء ، والذنب لا يكفره إلا الحلال " إحياء علوم الدين للغزالي) .
فلقد دعانا الإسلام إلى الوفاء بالحقوق والالتزامات وتحرى الحلال ونبذ أكل الحرام بكل صوره وألوانه سواء كان ذلك مع مال خاص، فقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ " رواه البخاري ) أو مع المال العام، فهو أشد في حرمته من المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، قال تعالى (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )أل عمران161) و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّ رجالًا يَتَخَوَّضُونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ ، فلهمُ النارُ يومَ القيامةِ "رواه البخاري) فاستباحة المال العام أمر خطير، وذنب عظيم، وجرم كبير؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : عَامَ خَيْبَرَ ، فَلَمْ نَغْنَمْ إِلا الأَمْوَالَ ، وَالْمَتَاعَ ، وَالثِّيَابَ ، فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ ، يُقَالُ لَهُ : رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلامًا أَسْوَدَ ، يُقَالُ لَهُ : مِدْعَمٌ ، فَتَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ ، فَأَصَابَهُ ، فَقَتَلَهُ ، فَقَالَ النَّاسُ : هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَلا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا " ، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ ، جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ " رواه النسائي ) .
ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم في قمة الحذر وفي غاية الخوف من أن تصل إلى أجوافهم ولو لقمة من الحرام؛ إذ يقول عمر رضي الله عنه " كنَّا نَدَعُ تسعةَ أعشار الحلال؛ مخافةَ الوقوع في الحرام " وقال الحسن البصري رحمه الله "ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام". اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو القائل " إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فِي بَيْتِي، فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً،فَأُلْقِيهَا " فانظر إلى أبى بكر رضي الله عنه إذ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها " كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ أَتَدْرِي مَا هَذَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ ،قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ "، ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ فقال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر يده فاستقاء ، وروى الطبراني عن زيد بن أسلم انه قال " مرّ ابن عمر براعي غنم فقال : يا راعي الغنم هل مِن جَزرة ؟ قال الراعي : ليس ها هنا ربها ، فقال ابن عمر : تقول أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال : فأين الله ؟ قال ابن عمر : فأنا والله أحق أن أقول فأين الله ، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم ".
إن أكل الحرام يعمي البصيرة، ويوهن الدين، ويقسي القلب، ويظلم الفكر، ويقعد الجوارح عن الطاعات، ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها، ويكون سبب تعاسة صاحبه في الدنيا وفى الآخرة ؛فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ ، وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ ..." رواه البخاري ) فكم من المضار الجسيمة والعواقب الوخيمة التي ،  ترتبت على أكله، فالحرام لا يأتي بخير وإن كان له بريق، إن انفق منه صاحبه لم يبارك الله له فيه وان بذل منه في نفع لم يشكر على بذله؛ قال تعالى ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )المائدة27) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ جَمَعَ مَالا حَرَامًا ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ ، وَكَانَ إِصْرُهُ عَلَيْهِ " صحيح ابن حبان ) وإن خلفه وراءه انتفع به من انتفع، وتحمل جامعه الأوزار والآثام؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ "(رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح) قال يحي بن معاذ " مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما للعبد في ماله عند موته. قيل: وما هما؟ قال: يؤخذ منه كله، ويسأل عنه كله" . بل والأشد ، الإفلاس من الحسنات في الآخرة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ ، فَقَالَ : إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " رواه مسلم ) وعن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ" مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه مِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ " رواه البخاري) فكل جسد نبت من سحت فالنار أولى به كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "  لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ " رواه احمد) .
فلنحرص على تحرى الحلال الطيب في المأكل والملبس والمسكن وكل حال، فقد قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) البقرة 172)وقال سبحانه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا )النساء 29/30) وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ "، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا فِي أُمَّتِكَ الْيَوْمَ كَثِيرٌ قَالَ " وَسَيَكُونُ فِي قُرُونٍ بَعْدِي " مستدرك الحاكم) فنعم المال الصالح كما قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص " ، نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحِ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ " رواه البخاري في الأدب المفرد ) واعلموا انه من يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يترك شيئا لله يعطيه الله خيرا منه، فقد قال تعالى( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ  وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق 2/3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا للهِ إلاَّ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ " رواه احمد) رُوِي عن علي رضي الله عنه أنه دخل مسجد الكوفة فأعطى غلامًا دابته حتى يصلي، فلما فرغ من صلاته أخرج دينارًا ليعطيه الغلام، فوجده قد أخذ خطام الدابة وانصرف، فأرسل رجلا ليشتري له خطامًا بدينار، فاشترى له الخطام، ثم أتى فلما رآه علي رضي الله عنه، قال سبحان الله! إنه خطام دابتي، فقال الرجل: اشتريته من غلام بدينار، فقال علي رضي الله عنه: سبحان الله! أردت أن أعطه إياه حلالا، فأبى إلا أن يأخذه حراما. 

المـالُ ينفدُ حِلّـهُ وحرامــــــهُ *** يومـا ويبقى بعد ذاكَ آثامُــــــهُ
ليـسَ التقـيُّ بمتّقٍ لإِلـهـــــــهِ *** حتى يطيـبَ شرابُهُ وطعامُـــــهُ
ويطيب ما يجني ويكسبُ أهلــهُ *** ويَطيب مــن لفظِ الحديثِ كلامُهُ .

( نسأل الله أن يرزقنا الحلال الطيب وان يبارك لنا فيه،
 وان يباعد بيننا وبين الحرام )

===== كتبه ======
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس




google-playkhamsatmostaqltradent