خطبة بعنـــــــــوان :
أمــانة الكلمــة
للشيخ / محمد حســــن داود
أمــانة الكلمــة
للشيخ / محمد حســــن داود
العناصـــــــر :
اللسان ، خطورته، ودعوة الإسلام إلى حفظه .
الكلمة أمانة، والقول الطيب مما دعا إليه الإسلام .
اثر الكلمة على الفرد والمجتمع .
الشائعات، ومنهج الإسلام لوقاية المجتمع من مخاطرها .
دعوة إلى حفظ اللسان والتحلي بالقول الطيب .
اللسان ، خطورته، ودعوة الإسلام إلى حفظه .
الكلمة أمانة، والقول الطيب مما دعا إليه الإسلام .
اثر الكلمة على الفرد والمجتمع .
الشائعات، ومنهج الإسلام لوقاية المجتمع من مخاطرها .
دعوة إلى حفظ اللسان والتحلي بالقول الطيب .
الموضوع:الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الاحزاب70/71) وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف
" مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ
لِيَصْمُتْ " متفق عليه) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن الكلمات هي الترجمان المعبر عن مستودعات
الضمائر، والكاشف عن مكنونات السرائر، فإذا أردت أن تستدل على ما في قلب الإنسان فانظر
إلى كلماته وألفاظه، فإنها الدليل على ما يكنه في قلبه من خير أو شر، شاء أم أبى، قال
يحيى بن معاذ " القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مصارفها، فانظر إلى الرجل
حين يتكلَّم، فإنَّ لسانه يغترف لك مما في قلبه"، فما صلح منطق رجل إلا ظهر ذلك
على سائر عمله، ولا فسد منطق رجل إلا ظهر ذلك على سائر عمله، ولا يستقيم إيمان عبد
حتى يستقيم لسانه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ
قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلَا يَدْخُلُ
رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " رواه احمد ) قَالَ جَعْفَرٌ
وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ " أَنَّ لُقْمَانَ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا نَجَّارًا
, وَأَنَّ سَيِّدَهُ قَالَ لَهُ : اذْبَحْ لِي شَاةً , قَالَ : فَذَبَحَ لَهُ شَاةً
, فَقَالَ : ائْتِنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ , فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ
, قَالَ : فَقَالَ : مَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنْ هَذَيْنِ ؟ قَالَ : لَا
, فَسَكَتَ عَنْهُ مَا سَكَتَ , ثُمَّ قَالَ : اذْبَحْ لِي شَاةً , فَذَبَحَ لَهُ شَاةً
, قَالَ : أَلْقِ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ , فَأَلْقَى اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ , فَقَالَ
لَهُ : قُلْتُ لَكَ ائْتِنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ , فَأَتَيْتنِي بِاللِّسَانِ
وَالْقَلْبِ , ثُمَّ قُلْتُ لَكَ : أَلْقِ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ , فَأَلْقَيْتَ
اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ , قَالَ : لَيْسَ شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا وَلَا
أَخْبَثَ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا " مصنف ابن أبي شيبة )
ولأن اللسان اشد الأعضاء خطورة، لما له
من باع في الخير ومثله في الشر؛ تجد أن جميع العبادات جاءت حريصة على تهذيبه، داعية
إلى حفظه، ففي الصلاة، قال تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
) العنكبوت45) وفى عموم الصدقات، قال جل وعلا﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا
تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) البقرة 264) وفى الصيام، يقولَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ
وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ
"رواه البخاري) وفى الحج يقول الله جل وعلا (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ
فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ
وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ) البقرة197)
ولما كانت الأعضاء كلها تبعا للسان، إن
نجي بقوله نجت ،وإن هلك بقوله هلكت ، ناشدته الاستقامة ،فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
قَالَ: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ
اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ؛ فَإِنْ اسْتَقَمْتَ
اسْتَقَمْنَا؛ وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا" فلقد كان أخوف ما يخاف الرسول
صلى الله عليه وسلم على أصحابه ألسنتهم، كما جاء عنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
الثَّقَفِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ
بِهِ ، قَالَ : " قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ " ، قُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ
قَالَ : هَذَا" رواه الترمذي) إذ أن النجاة في حفظه، فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ
لِسَانَكَ؛ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ؛ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ " رواه الترمذي
وحسنه) ورضي الله عن الصحابة الأطهار؛ فهذا أبو بكرٍ الصِّديقُ كان يضع حصاةً في فِيهِ
يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير إلى لسانه ويقول (هذا الذي أوردني الموارد) وكان
ابنُ مسعودٍ يقول (يا لسانُ، قُلْ خيرًا تغنمْ، واسكتْ عن شرٍّ تسلمْ قبل أن تندمَ،
والله الذي لا إله إلاّ هو ما شيء أحوج إلى طول سجنٍ من اللسان)
إحْــفَظْ لِسَانــــَكَ أيُّها الإِنْسـانُ***
لا يَلْدَغَنّـكَ إِنَّـهُ ثُعْبــــــــَـانُ
كَمْ في الْمقَابرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ***
كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَه الشُّجعَانُ
إن الكلمات ليست مجرد حركات يؤديها الإنسان،
أو أصوات تخرج من الحناجر وتتلقاها الأسماع، بل هي أمانة، والانضباط فيها من أهم ما
دعا إليه الإسلام قال تعالى (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )
الإسراء53) وقال جل وعلا (وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)النساء5) فللكلمات
دلائلها ومعانيها التي تحمل في طياتها الخير فيجازى عليها الإنسان بالإحسان إحسانا،
أو تحمل في طياتها الشر فيجازى عليها السيئات؛ فكم من كلمة ألفت بين القلوب، وأصلحت
بين الناس، وجمعت شمل اسر بعد الفراق، و كم من كلمة فرقت متحابين ، وألقت بأسر إلى
الهلاك، كم من كلمة أفرحت وأخرى أحزنت، وكم من كلمة رفعت صاحبها في الجنة درجات، وأخرى
كانت سببا في أن هوى صاحبها في النار دركات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ
بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ
لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ"رواه البخاري)
فالكلمة الطيبة ،كشجرة وراقة يانعة مثمرة
،ضربت في باطن الأرض جذورها، وتمددت في الأفاق فروعها وأغصانها، فهي تثمر الخير أينما
قيلت ، إذ تصلح ولا تفسد، تبنى ولا تهدم ، تجمع ولا تفرق ، تعمر ولا تخرب، تقرب إلى
الله ولا تبعد، تؤلف القلوب وتنشر المودة والمحبة، تفتح أبواب الخير، و تغلق أبواب
الشر، فهي دليل على طيب المنبت ،وسلامة النفس ،وكمال العقل ،ونضوج الفكر ،قال تعالى
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)إبراهيم
24/25) وكفى في مكانتها أنها من علامات الإسلام، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
قَالَ: " الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ
مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"رواه البخاري) ودليل على الإيمان، فلقد
ذكر المولى سبحانه وتعالى أن من صفات المؤمنين: الإعراض عن اللغو، فقال جل وعلا (وَالَّذِينَ
هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ المؤمنون3) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه،
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ " متفق عليه)
و هي باب لمغفرة الذنوب، فقد قال صلي الله عليه وسلم
: "إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ، وَحُسْنُ الْكَلامِ".
ووقاية لصاحبها من النار، فعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ:
اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ
إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " رواه البخاري) وسبب في دخول الجنة، فقد قال تعالى(إِنَّ
اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ
فِيها حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ)
الحج23/24) وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انه قَالَ " إِنَّ في الْجَنَّةِ غُرَفَا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ
بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ
، وَأَفْشَى السَّلامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " رواه ابن حبان )
أما الكلمة الخبيثة فهي شجرة خبيثة، قصيرة
فروعها، مُرة ثمارها، لا خير منها يرتجى، أصلها غير ثابت، مظهرها لا يسر الناظرين ،
كانت عنوانا لسوء الأخلاق، بل وسوء المنزلة ، فقد قال رسول الله صلى ألله عليه وسلم
" إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ
أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ " رواه البخاري ومسلم) إذ تفسد ولا
تصلح، وتفرق ولا تجمع، وتهدم ولا تبنى، وتخرب ولا تعمر، وتنشر الفرقة بين الناس، وتفتح
أبواب الشر، و تغلق أبواب الخير، قال تعالى( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ
خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ) إبراهيم 26)
وكفى فيها، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ،
وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ " رواه الترمذي ) إذ أنها
سبب لبغض الله للعبد فقد قال رسول الله صلى ألله " إِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ
الْبَذِيءَ" رواه الترمذي) كما أنها سبب في إحباط الأعمال؛ قال تعالى (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ
مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ
صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ
عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )البقرة
264)وعن أَبَى هُرَيْرَةَ قال : " قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ
، وَتَفْعَلُ ، وَتَصَّدَّقُ ، وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ ، قَالُوا : وَفُلانَةٌ تُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ ، وَتَصَّدَّقُ بِأَثْوَارٍ
، وَلا تُؤْذِي أَحَدًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: هِيَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " الأدب المفرد للبخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
" أَتَدْرُونَ مَن الْمُفْلِسُ" قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ
لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ
الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ
هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ
حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى
مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ
" رواه مسلم) ولقد سأل معاذ رضي الله
عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال " يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكُلُّ مَا نَتَكَلَّمُ
بِهِ يُكْتَبُ عَلَيْنَا؟ قَالَ " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ
عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ
سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمَتَ كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ " رواه
الترمذي والطبراني واللفظ له)
ومن صور الكلمة الخبيثة الكذب ،
والغيبة والنميمة والسب ...، ولعل من اشد صور الكلمة الخبيثة عاقبة على الفرد والمجتمع:
اختلاق الشائعات وترويجها، فكم أقلقت من أبرياء، وكم هدمت من بيوت وشردت أطفال ،وكم
ضيعت من أموال، وكم تسببت في جرائم، وكم فككت علاقات وصداقات، وكم أوهنت من عزيمة وأضعفت
من همة؛ ولقد قال الله تعالى ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾الاسراء38) وقال
جل وعلا ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )ق18) وفى صحيح
البخاري عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ , قَالَ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ , فَقَالَ
: مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا ؟ , قَالَ : فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا
، فَيَقُولُ : مَا شَاءَ اللَّهُ ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا , فَقَالَ : , هَلْ رَأَى أَحَدٌ
مِنْكُمْ رُؤْيَا ؟ , قُلْنَا : لَا ، قَالَ : لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ
أَتَيَانِي ، فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِذَا
رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا
: عَنْ مُوسَى ، إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ
قَفَاهُ ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ
هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ ، قُلْتُ : مَا هَذَا ؟ , قَالَا : انْطَلِقْ".
( حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم )
" فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ
عَظِيمَةٌ وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ
بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا ، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلَانِي
دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ , وَشَبَابٌ , وَنِسَاءٌ
, وَصِبْيَانٌ ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلَانِي
دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ، قُلْتُ : طَوَّفْتُمَانِي
اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ ، قَالَا : نَعَمْ ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ
يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ
الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .
إن الأراجيف والشائعات سلاح لا تراه إلا
بيد المغرضين وأصحاب الأهواء والأعداء والعملاء، والمنافقين؛ غايتهم منها كسر التآلف
والتكاتف وإثارة الأحقاد ونشر الظنون السيئة، وترويج السلبيات بين أبناء المجتمع وخلخلة
الصفوف وإضعاف تماسكها والنيل من وحدة أبناء الوطن وإضعاف نموه وقوته، فالشائعات من
أكثر ما يضر بأمن واستقرار المجتمعات، وهي من أعظم الوسائل المؤدية إلى الفتنة والوقيعة
بين الناس؛ ولقد وضع الإسلام منهجا حكيما لوقاية المجتمع من خطر الشائعات ولعلنا نذكر
من ملاحه: وجوب التثبت من الأخبار ، فقد قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات6) وعن أنس بن مالك رضي الله
عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم" التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان"
رواه البيهقي وأبو يعلى ) ومنها أيضا :عدم ترديد الشائعات أو إذاعتها والخوض ، لأن
في ترديدها انتشار لها ومساهمة في ترويجها من حيث تدري أو لا تدري، وذلك فيه مساعدة
المغرضين بقصد أو بغير قصد، قال الله جل وعلا (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ
وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً
وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)النور15) ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا
أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" . ومنها أيضا: حسن الظن بالآخرين، فقد قال
تعالى﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ
خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ ﴾ النور 12) ويقول الحق سبحانه ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
﴾الحجرات 12) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، ... "
البخاري ومسلم) وما أروع موقف أبو أيوب النصارى لما ذكرت له زوجته، ما يقول أهل الإفك،
قال" يا أم أيوب، أكنتِ تفعلين ذاك؟ قالت: لا، والله، قال: فعائشة والله خير منك
وأطيب " ومن ثم فالواجب على كل مخلص لوطنه أن يحذر الوقوع في مخالب الشائعات فليكن
منهجه في حديثه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه) وليكن منهجه
في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ
فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ
نَادِمِينَ)الحجرات6) .
- لقد أمر الله تعالى بحفظ اللسان والقول
الطيب، قال تعالى (َ وقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) البقرة 83) وقال تعالى (فَقُل لَّهُمْ
قَوْلاً مَّيْسُورًا) الإسراء 28) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "وَالْكَلِمَةُ
الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ" متفق عليه) فمن أراد لنفسه فوزاً وفلاحا، ولعمله قبولاً
وصلاحاً ،ولذنبه غفراناً ، فعليه أن يحفظ لسانه؛ فقد قال الله تعالى( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الاحزاب70/71)وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ؛
وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ؛ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ" رواه البخاري) .
عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ:
"إِنَّ لِسَانَ الْحَكِيمِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ
يَرْجِعُ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ،
وَإِنَّ الْجَاهِلَ قَلْبُهُ فِي طَرَفِ لِسَانِهِ، لَا يَرْجِعُ إِلَى الْقَلْبِ،
فَمَا أَتَى عَلَى لِسَانِهِ تَكَلَّمَ بِهِ" ،
وَزِنِ الْكـلام إذا نَطَقْــتَ، فــإنمـا
*** يبْدِي عُيوبَ ذوي العيوب المنطـقُ
يحكى أن ملكا أعلن أن من يقول كلمة طيبة
فسيمنحه أربعمائة دينار، وفي يوم كان الملك يسير بحاشيته في المدينة ورأى فلاحاً عجوزاً
وهو يغرس شجرة زيتون، فقال له الملك لماذا تغرس شجرة الزيتون وهي تحتاج إلى عشرين سنة
لتثمر، وأنت عجوز في التسعين من عمرك، وقد دنا أجلك ؟ فقال الفلاح العجوز: السابقون
زرعوا ونحن حصدنا ونحن نزرع لكي يحصد اللاحقون. فقال الملك أحسنت فهذه كلمة طيبة فأمر
أن يعطوه أربعمائة دينار فأخذها الفلاح العجوز وابتسم. فقال الملك: لماذا ابتسمت؟ فقال
الفلاح: شجرة الزيتون تثمر بعد عشرين سنة وشجرتي أثمرت الآن. فقال الملك : أحسنت أعطوه
أربعمائة دينار أخرى، فأخذها الفلاح وابتسم. فقال الملك : لماذا ابتسمت، فرد الفلاح
: شجرة الزيتون تثمر مرة في السنة وشجرتي أثمرت مرتين، فقال الملك: أحسنت أعطوه أربعمائة
دينار أخرى ثم تحرك الملك بسرعة من عند الفلاح فقيل له لماذا تحركت بسرعة؟ فقال الملك
: إذا جلست إلى الصباح فإن خزائن الأموال ستنتهي وكلمات الفلاح العجوز لا تنتهي . كذلك
الآثار الطيبة للقول الطيب لا تنتهي (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ
)الرحمن 60)
( الدعـــــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس