خطبة بعنـــــوان
:
احتــرام النظــام العــام
للشيخ / محمد حسن داود
احتــرام النظــام العــام
للشيخ / محمد حسن داود
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه
العزيز (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسلَخُ مِنهُ النَّهَارَ فَإِذَا
هُم مُظلِمُونَ * وَالشَّمسُ تَجرِي لِمُستَقَرٍّ لها ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ
* وَالقَمَرَ قَدَّرنَاهُ مَنَازِلَ حَتى عَادَ كَالعُرجُونِ القَدِيمِ * لا الشَّمسُ
يَنبَغِي لها أَن تُدرِكَ القَمَرَ وَلا اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارَ وَكُلٌّ في فَلَكٍ
يَسبَحُونَ )يس 37- 40) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا
عبده ورسوله،) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين، وبعد
:
إن الناظر في خلق
الله جل وعلا، يرى انه سبحانه وتعالى خلق الكون وأبدعه وفق نظام محكم دقيق قال تعالى
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان2) وقال تعالى (إِنَّا كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) القمر49) فأنظر خلق السماء تراها من أعظم الآيات في علوها،
واستوائها، لا صدع فيها ولا شق، لا عمد تحتها، بل هي ممسوكة بقدرة الله، قال تعالى
(اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ) الرعد2)
وقال سبحانه (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
الحج65). وانظر خلق الأرض، تراها من أعظم الآيات، خلقها سبحانه فراشا ومهادا، وذللها
لعباده، وجعل فيها أرزاقهم، وأقواتهم ومعايشهم، قال تعالى (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ
مِهَادًا) النبأ 6). وانظر خلق الجبال الراسيات، كيف نصبها وجعلها سبحانه أوتادا للأرض،
قال تعالى (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)النحل 15).
وانظر البحار والأنهار وتأمل التقاء العذب مع المالح بينهما برزخ لا يبغيان؛ قال تعالى
( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ) الرحمن19/20)
وانظر كيف الهواء اللطيف، يجري بين السماء والأرض، والطير محلقة فيه سابحة بأجنحتها؛
قال تعالى ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا
يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)النحل79)
وانظر خلق الحيوانات على اختلاف صفاتها وأجناسها وأشكالها ومنافعها وألوانها، فمنها
الماشي على بطنه ومنها الماشي على رجلين، ومنها الماشي على أربع؛ قال تعالى (وَاللَّهُ
خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم
مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ
مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) النور45) وانظر حال الشمس
والقمر في طلوعهما وغروبهما لإقامة دولتي الليل والنهار لا الشمس مدركة للقمر ولا الليل
سابق النهار؛ قال تعالى (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيلُ نَسلَخُ مِنهُ النَّهَارَ فَإِذَا
هُم مُظلِمُونَ * وَالشَّمسُ تَجرِي لِمُستَقَرٍّ لها ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ
* وَالقَمَرَ قَدَّرنَاهُ مَنَازِلَ حَتى عَادَ كَالعُرجُونِ القَدِيمِ * لا الشَّمسُ
يَنبَغِي لها أَن تُدرِكَ القَمَرَ وَلا اللَّيلُ سَابِقُ النَّهَارَ وَكُلٌّ في فَلَكٍ
يَسبَحُونَ )يس 37- 40). حتى مراحل وجود الإنسان
وحياته، ترى فيها نظاما محكما وترتيبا دقيقا ؛فقد قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ
مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ
عِلْمٍ شَيْئًا ) الحج 5). بل حتى الأرزاق التي قدرها الله جل وعلا لخلقه قسمها بنظام
دقيق يتناسب مع متطلبات الحياة التي تصلح الفرد والمجتمع؛ قال تعالى (وَلَوْ بَسَطَ
اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ
مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشورى27وقال تعالى ( نَحْنُ قَسَمْنَا
بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ
بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ) الزخرف 32) فقد يكون المال لإنسان انفع من الولد والزوج لغيره
انفع من المال والصحة لغيرهما انفع من الولد، وقد يكون الفقر لبعض الناس أنفع من الغنى،
والغنى أنفع لآخرين، وقد يكون المرض لبعض الناس انفع من الصحة والصحة انفع لآخرين،
وقد يكون الولد لبعض الناس انفع وعدمه انفع لآخرين ؛وفى قصة موسى مع الخضر ما يكون
على ذلك دليل؛ قال تعالى(وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا
أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا﴾ الكهف80) كذلك جعل المولى جل وعلا العبادات
مرتبة ومنظمة، فأنتم ترون الصلوات في كل يوم خمسا ، قبلها وضوء وطهارة ، ولكل منها
عدد ركعات ولها هيئات وصفات، يؤديها الإنسان بانتظام وترتيب؛ كما يتجلى هذا الأمر كذلك
في صلاة الجماعة حيث يتقدم الإمام والصفوف متساوية خلفه بانتظام، يتبعونه، فقد قال
صلى الله عليه وسلم "إِنَّمَا الْإِمَامُ أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ
بِهِ ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا،
وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ،
وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا " رواه البخاري) ومثل ذلك ترون الزكاة، لها أحكام
في أنواعها ووقتها ومقاديرها ونسبها، وكذلك الحال في الصيام، فإن الصيام شهر في السنة
، يصوم الناس عند الفجر ويفطرون عند الغروب، والحج أشهر معلومات ومناسك وشعائر ، يتنقل
العباد من بعضها لبعض في نظام لا يخرجون عنه ولا يتجاوزونه، ومازال الإسلام يؤكد
على النظام ويحث عليه حتى وجه به في الطعام والشراب فقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ
أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ
لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " رواه الترمذي) وعن عمر بْنِ أَبِي سَلَمَة،
قَالَ : كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ
يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ ، فَقَالَ لِي : " يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ
بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ " رواه مسلم) ومن ينظر في
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن دعوته صلى الله عليه وسلم، إلى التحلي
بالنظام ليست قولا وفقط بل عملا أيضا، فتراه في هجرته يحدد الأدوار والاختصاصات فكان أبو
بكر الصديق رضي الله عنه يرافق الرسول صلى الله عليه وسلم ويعاونه ويساعده ،وهذا على
رضي الله عنه، ينام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم للتمويه ولرد الأمانات والودائع
لأصحابها، و عبد الله بن أبي بكر لنقل أخبار قريش إلى النبي وصاحبه، وهذه أسماء بت
أبى بكر تحمل الغذاء إلى النبي وصاحبه، وعامر بن فهيرة يسلك بقطيعه طريق الغار، ليزيل
آثار الأقدام المؤدية إليه، كما استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن
أريقط ألليثي؛ ليدله على أفضل الطرق الخفية إلى المدينة باعتباره خبيرا ماهرا في الطرق
، غير أنه يتحلى بالرجولة ، فلا تضعف نفسه أمام مكافآت ترصدها قريش .
وفي المقابل يلفت
النبي صلى الله عليه وسلم النظر إلى ضرر الإهمال فيقول في الصلاة " لَتُسَوُّنَّ
صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ " وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمسَحُ
مناكِبَنا في الصلاة ويقول" استَوُوا، ولا تختَلِفوا فتختلِفَ قلوبُكم، ليلِنِي
منكم أُولو الأحلامِ والنُّهَى، ثم الذين يلُونَهم، ثم الذين يلُونَهم" رواه مسلم
)
ومن ثم فان كل
ما حول الإنسان يدفعه دفعا إلى النظام، ويوضح ما للنظام من أهمية، كما يدفعه إلى
احترام النظام العام فهو عصب الحياة وسبيل التقدم والرقى ،إذ أن المجتمعات
بطبيعتها تحتاج إلى أنظمة وقوانين تضبط السلوك وتحدد الحقوق والواجبات وعلى كل
أبناء المجتمع القيام بتنفيذها واحترامها .
ومن أهم
المواضع التي ينبغي أن يراعى فيها النظام: احترام القانون، فاحترام القانون من القيم
الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، وهو واجب ديني ووطني
وثقافة حضارية وجب على الجميع الالتزام به، وتربية الأبناء على الالتزام به منذ
الصغر، فمما لا شك فيه أن تعليم الصغار أهمية الالتزام والانضباط
واحترام القوانين العامة، يمثل أهمية خاصة في تكوين مشاعر الانتماء والولاء للوطن
منذ الصغر كما أن سلوكيات الكبار تمثل نموذجاً لهؤلاء الصغار، ومن ثم علينا أن نحرص
أن نكون لهم قدوة .
ومن مظاهر
احترام النظام: احترام الطرقات والالتزام بقواعد المرور وضوابطه وعلامات السير، وعدم
الانشغال بما يشتت الذهن، ويصرف التركيز، وكذلك عدم مخالفة الطريق أو زيادة السرعة
لما في ذلك من المخاطر والأضرار، ولقد قال الله تعالى (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)
البقرة195) ويقول
النبي صلى الله عليه وسلم " مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ ، وَلا
نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ " .وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيِّ
صلى الله عليه وسلم" التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان" رواه
البيهقي وأبو يعلى ) فالطريق في الإسـلام له نظام و آداب وحقوق ،
ينبغي على الجالسين أو المارين به أن يقوموا على حقه وأن يتأدبوا بآدابه ، فعَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :
" إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ " ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ
، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا
الطَّرِيقَ حَقَّهُ " ، قَالُوا : وَمَا حَقُّهُ ؟ ، قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ
، وَكَفُّ الْأَذَى ، وَرَدُّ السَّلَامِ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ
عَنِ الْمُنْكَرِ " رواه مسلم) وان كان الإسلام قد حث على إماطة الأذى عن
الطريق، وعد ذلك من شعب الإيمان، كما جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ
وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا
إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ
"متفق عليه) فقد نهي عن إلقاء القاذورات أو التخلي فيه لما في ذلك من انتشار للأمراض
والأوبئة، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
" اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ " قَالُوا : وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ
؟ قَالَ : "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي ظِلِّهِمْ
" وفي رواية : " اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ : الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ
، وَالظِّلِّ ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ. "
رواه أبو داود، وبن ماجه، والحاكم)
ومن احترام
النظام الالتزام بمبدأ الحق والواجب، فان المتدبر في كتاب الله جل وعلا، وسنة نبيه
صلى الله عليه وسلم يرى كثيرا من النصوص التي تشير إلى الحقوق والواجبات
المتبادلة؛ ففي الزوجين يقول جل وعلا ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ
)البقرة 228)، وكما يجب على العامل إتقان العمل وأدائه على الوجه الأكمل، وجب على
رب العمل إعطائه حقه كاملا غير منقوص، ففي الحديث القدسي" ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ
اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ" رواه البخاري)،
وفى البيع والشراء يقول النبي صلى الله عليه وسلم" الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا
، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا
مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا " رواه البخاري ومسلم)
فمن مظاهر
احترام النظام الصدق في البيع والشراء فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
" فلا غش ولا تدليس ولا تطفيف ولا احتكار وقد قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ
طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا
أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (51: سورة المؤمنون) ، وقال
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ
لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) (172: سورة البقرة) ،" ثُمَّ ذَكَرَ
الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ
، يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ
حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" رواه
مسلم)
ومن مظاهر
احترام النظام احترام حقوق الآخرين، وعدم الاعتداء على الأموال والأعراض والدماء،
فلقد دعانا الإسلام إلى حسن الخلق وطيب القول والفعل، فقد قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم" اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا
كُنْتَ وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا، وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ"
رواهُ التِّرْمذيُّ وقال حسن)
ومن مظاهر
احترام النظام : إتقان العمل وأدائه على الوجه الأكمل؛ فهو واجب ديني ووطني أيضا، وهو
سبيل الأمم إلى التقدم والرقى والازدهار، وان الجد والنشاط والإتقان صفات المحبين لأوطانهم
،العاملين لرفعتها وتقدمها، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ " رواه الطبراني ) فلو
تدبر كل إنسان هذا الحديث النبوي الشريف وما فيه من دلالات، لما قصر في عمل يوكل إليه؛
لأن إتقانه للعمل، علاوة على أنه واجب وأمانه وطريق التقدم والرقى ،هو مدعاة لمحبة
الله سبحانه .
ومن مظاهر احترام النظام الحفاظ على
الماء: فان من شكر هذه النعمة، الحفاظ عليها
بحسن التصرف فيها وحسن استغلالها، ومن ذلك الاقتصاد والترشيد في استعمالها وعدم
الإسراف فيها ؛ ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل اغتسل بالقليل، وإذا توضأ
توضأ باليسير فعن انس رضي الله عنه قال " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَغْسِلُ ، أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ ، بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ
، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ " رواه البخاري ) (الصاع أربعة أمداد، والمد ملء اليدين
المتوسطتين) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَقَالَ : "
مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ، قَالَ :
" نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ " رواه احمد) وإذا كان الاقتصاد
في استعمال الماء في العبادة مطلوبا وعملا مرغوبا؛ فالاقتصاد في غير العبادة أولى،
بل وعدم استعماله وإهداره فيما لا فائدة منه ولا طائل أولى وأولى، ولكي يبقى الماء
على صورته النضرة الزاكية صالحا لما كان له، نهى الإسلام عن كل تصرف يؤدي به إلى خلاف
ذلك، فعن جابر رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ " رواه مسلم ) وعن
جابر أيضا انه قَالَ " نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي
" ويلحق بذلك إلقاء القاذورات فيه، والقمامة، وكل ما يعكر صفوه، فالاعتداء عليه
اعتداء على حق المجتمع كله .
فما أحوجنا إلى احترام النظام والتزام
القوانين، وتربية الأبناء على هذا الواجب الديني والوطني، وتعويدهم على هذه القيمة
النبيلة السامية؛ لما في ذلك من استقامة الحياة .
( الدعــــــــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس