recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــوان : حقوق الطفل قبل ولادته - للشيخ / محمد حســــن داود


خطبة بعنـــــوان :
حقوق الطفل قبل ولادته
للشيخ / محمد حســــن داود
وللتحميل : word  اضغط هنا
وللتحميل : pdf     اضغط هنا

الموضـوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) الشورى49/50)وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ " رواه أبو داود والنسائي في السنن الكبرى واللفظ له)اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن الأبناء هم زهرة الحياة الدنيا وزينتها، وبهجة النفوس وقرة الأعين، يقول الله جل وعلا (لْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )الكهف46) ومع ذلك هم أيضا جيل الغد و رجال المستقبل، ومن ذلك كان اهتمام الإسلام بالطفل في جميع مراحل حياته لاسيما قبل ولادته؛ حتى وضع الضوابط والتوجيهات التي على أثرها ينال الطفل حقه في الرعاية والنشأة الكريمة؛ ومن ذلك:
- اشتراط الباءة في النكاح: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"  مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) والباءة بجانب القدرة على الإنجاب هي مؤن النكاح و القدرة على بناء أسرة مستقرة والوعي بالمسئولية ويوضح ذلك قول الله جل وعلا ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾النور 33) وأيضا ما كان من دعوة النبي غير المستطيع إلى الصيام فلو وقف الأمر على عدم القدرة الجسدية فحسب ما دعاه النبي إلى الصيام وفى هذا توجيه أن الزواج ليس مجرد عقد وإنما هو مسئولية وتكليف وان كان من حق الطفل إن ينشأ نشأة كريمة في ظل أسرة تعرف معنى المسئولية والحقوق التربوية والاجتماعية والأسرية وتقدرها قدرها فان هذا ليؤكد على اشتراط الباءة في النكاح .
ولعلنا إن تحدثنا عن أهمية وعى الزوجين بالمسئولية والحقوق التربوية والاجتماعية والأسرية؛ فمن البديهي أن هذا لا يتوفر على الوجه الأكمل في الفتيات القاصرات، ومن ينظر في مجتمعنا اليوم وأحواله يرى أن من أقوى أسباب فشل الحياة الزوجية هو تزويج الفتيات القاصرات.
- ولما كان الدور الأكبر في الرعاية والنشأة الطيبة يتمثَّل في دور الوالدين؛ فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقي وزوجة صالحة فعن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال" تَخَيَّروا لِنُطَفِكُم" رواه ابن ماجة والحاكم والبيهقي) ومن ذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم، على اختيار الزوجة الصالحة التي بدورها ستكون مدرسة طيبة للطفل ينهل منها حسن الأخلاق وطيب الصفات، فقال صلى الله عليه وسلم "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" رواه البخاري ومسلم) قال احد الحكماء لبنيه "لقد أحسنتُ إليكم صغارًا وكبارًا وقبل أن تولدوا قالوا: وكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال: اخترت لكم من الأمهات من لا تُسَبُّون بها" ولقد جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد
حقوق على أبيه؟ قال: بلى قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه ويحسن اسمه ويعلمه الكتاب ( أي القرآن ) قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء ) ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً 0 فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعقك وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك  " ولله در من قال :
الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراق
- ولما كان اختيار الزوج حق أصيل للزوجة، كما جاء عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ ، قَالَتْ : اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَتْهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا ، فَدَعَاهُ ، فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنِّسَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ؟ " حث النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة وكذلك وليها على اختيار الزوج على نفس المعيار والأساس؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " رواه الترمذي) ولا ريب في أن هذا الاختيار وذاك الأساس من شأنه أن يعود بالتربية الحسنة واكتساب الأخلاق الحميدة من الوالدين لما لهما من تأثير على أخلاق الطفل وسلوكه ومما يزيد هذا الكلام قيمة بيان ربنا في القرآن الكريم أن الذرية لها تأثر كبير بآبائها يقول الحق سبحانه ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْض وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )آل عمران34)
- الاستبشار بالمولود عند ولادته:  فالأولاد هبة من الله جل وعلا يقول جل وعلا حكاية عن سيدنا زكريا ( فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)آل عمران 39) وهذه البشارة للذكر والأنثى على السواء من غير تفرقة بينهما فلقد ذم الله جل وعلا أهل الجاهلية بحالهم إذا ما بشر احدهم بالأنثى قال تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )النحل 58/59)
- وحيث أن غذاء الطفل وهو في بطن أمه من غذائها؛ فيتأكد على الوالد النفقة للام وان كانت واجبة عليه بدون الطفل فقد قال الله تعالى﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾البقرة 223) ولقوله عز وجل ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾الطلاق 7) ولما
ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام " ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمَعروف " وقوله صلى الله عليه وسلم لهند " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " رواه البخاري ) بل حتى وان انفصل الأبوين ، فقد أكد الإسلام على حق النفقة بسبب الجنين فقال تعالى (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق 6) وترغيبا في هذا الحق رتب عليه الإسلام الأجر العظيم والفضل الكبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك" رواه مسلم ) وقال صلى الله عليه وسلم " أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رواه مسلم) وقال أيضا " وَإِنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا أُجِرْت عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِك" رواه البخاري ومسلم) وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من إهمال هذا الحق أو التغافل عنه فقال صلى الله عليه وسلم "  كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُوْلُ "  أبو داود والنسائي في السنن الكبرى واللفظ له) .
- ولما كانت صحة الطفل من صحة الأم أتاح الإسلام للأم البعد عن المشقة الجسدية أو النفسية التي قد تؤثر على الجنين وأكد على ذلك حتى رخص لها بالفطر في رمضان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ وَالصِّيَامَ  وَعَنْ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِع " رواه أبو داود والترمذي والنسائي  وابن ماجه ) بل وصى الإسلام الآباء باتخاذ كافة الوسائل والتدابير التي تكون بها حماية الطفل وصيانته من نزغات الشيطان فقد قال صلى الله عليه وسلم " أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا " رواه البخاري)
- الحفاظ على حقوقه المالية وعدم الاعتداء عليها : فكان من مظاهر رعاية الإسلام لحقوق الطفل قبل ولادته الحفاظ على حقوقه المالية وهو ما يزال جنيناً في بطن أمه، سواء كانت إرثا أو وصية أو غير ذلك .
إننا وان كان حديثنا عن حقوق الطفل قبل ولادته؛ إلا انه ينبغي أن نؤكد على رعاية الأبناء والعناية بهم في كل مراحل الحياة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ
رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"متفق عليه)
إن صغاركم اليوم هم أمانة عندكم، هم شباب الغد، هم آباء المستقبل ومن ثم فالواجب علينا رعايتهم من كل الجوانب سواء كان اجتماعيا أو ثقافيا أو ماديا أو سلوكيا وأخلاقيا فقد قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم6 ) وما أروع هذا الدرس العملي الذي يؤكد لنا على الرعاية الأخلاقية للأبناء ليس بالتوجيه فقط، بل وبالقدوة أيضا فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامـرٍ أَنَّهُ قَالَ: دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ؟".قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ " رواه أبو داود ) ومما يجب علينا الانتباه إليه في تربية الأطفال رعايتهم من الجانب المعنوي، النفسي ، الشعوري ؛ حيث انه محل اهتمام من الشرع الحنيف لما له من اثر على الإنسان طوال حياته، ومن ذلك أن حثنا المصطفى صلى الله عليه وسلم على اختيار الاسم الحسن للطفل لما للطفل من تأثر باسمه؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ " رواه أبو داود . و لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأسماء الجميلة، ويكره القبيحة ويبدلها؛ فغير اسم عاصية :وقال أنت جميلة، وسمى حربا:- سلماً، وشعب الضلالة:- سماه شعب الهدى. ومنه أيضا انه صلى الله عليه كان يداعب الأطفال ويقبلهم فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، انه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلاعِبُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَهُوَ يَقُولُ : " يَا زُوَيْنِبُ ، يَا زُوَيْنِبُ " مِرَارًا . وعَنِ بُرَيْدَةَ ، قال : " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ , إِذْ أَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلَام , عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ وَحَمَلَهُمَا , فَقَالَ : " صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ سورة التغابن آية 15 " رَأَيْتُ هَذَيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فِي قَمِيصَيْهِمَا , فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى نَزَلْتُ فَحَمَلْتُهُمَا " رواه النسائي) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ ، أَبْصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُقَبِّلُ الْحَسَنَ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي عَشْرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ ، لَا يُرْحَمْ " رواه مسلم) ومنه أيضا نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأولاد؛ فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ،
وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تبارك وتعالى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ" رواه أبو داود)
ومن ثم فالطفل في جميع مراحل حياته يحتاج إلى الكثير من العناية والاهتمام خاصة في فترة الرضاعة وإذا كان من حق الطفل إكمال مدة الرضاعة حولين كاملين دون أن يزاحمه في هذا الحق آخر، لكمال نموه نموا سليما من الوجهتين الصحية والنفسية، فلاشك أن تتابع الحمل وعدم تنظيم الإنجاب فيه جور على هذا الحق؛ ولقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه العزل؛ فعن ‏جَابِرٍ ‏قَالَ ‏" ‏كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " (زَادَ ‏‏إِسْحَقُ ‏قَالَ ‏سُفْيَانُ ‏: ‏لَوْ كَانَ شَيْئًا ‏‏يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ)
يقول تعالى ( لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) الشورى49/50) والولد إنما يكون هدية وهبة تقر بها عين والديه إذا عاش سعيدا في حياته، معافى في بدنه، مستقيما في سلوكه، ناضجا في تفكيره، بصيرا بشئون دنياه ودينه، ولن يكون ذلك إلا بالاهتمام وحسن الرعاية خاصة في الفترة الأولى من حياته، ولعل هذا لن يتحقق على الوجه الأكمل مع تتابع الولادات، كما أن رعاية الطفل مالياً وتأمين احتياجاته المادية تمثّل حقاً من حقوقه التي كفلها له الإسلام ،والإضاعة كما تكون في  إهمال التربية على القيم والأخلاق تكون أيضا بعدم الإنفاق المادي، والذي منه الدواء والمسكن والملبس والمأكل والتعليم، الخ؛ ولقد روى عن ابن عمر،أنه فسر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ " بأنه ( كَثْرَةُ الْعِيَالِ مَعَ قِلَّةِ الشَّيْءِ ) ولعل في هذا إيضاح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ " حيث أن المباهاة في الحديث ليست بالكثرة المستهلكة الضعيفة التي تصبح عالة على الآخرين في الطعام والكساء والدواء، تعانى الفقر والمرض فهذه كثرة سلبية تضر ولا تنفع، تهدم ولا تبنى، عبر عنها النبي، بغثاء السيل في قوله" يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ".
( الدعــــــــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
google-playkhamsatmostaqltradent