recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : بناء الوعي وأثره في مواجهة التحديات - للشيخ / محمد حسن داود


خطبة بعنــــــــوان :
بناء الوعي وأثره في مواجهة التحديات
للشيخ / محمد حســــــن داود

ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا
الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات13) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله،القائل في حديثه الشريف" أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ " رواه أحمد والنسائي وغيرهما) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد :
لا شك أن الوعي بمكانة الوطن ومدى المخاطر والتحديات التي تواجهه؛ قيمة عالية في غاية الأهمية، يجب إن ينتبه إليها كل أبناء المجتمع فهي باب عظيم إلى الاستقرار والرقى والتقدم؛ وإن من محاسن الشريعة الإسلامية اهتمامها ببناء الفكر والوعي، تحقيقا لما فيه مصالح العباد؛ ومن ذلك دعوة الإسلام إلى العلم والتعلم إذ كانت أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم تدعو إلى العلم والمعرفة، وتهتم بوسائله وأدواته، قال تعالى(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) وما زال الإسلام يؤكد على العلم والتعلم حتى أمر بالاستزادة منه قال تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) ومن ذلك أيضا: دعوة القران إلى إعمال العقل، فقد قال الله تعالى(قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يونس101) وقال سبحانه (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ ) المؤمنون 78) وقد عاب القران الكريم على من يعطلون عقولهم عن التفكر والتدبر قال تعالى (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ )يوسف105) وقال سبحانه (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ )الاعراف179)، ومن ذلك الاهتمام أيضا، ما أورده القران الكريم من أخبار الأمم السالفة، والتي جاء في سياق الحديث عنها، قول الله جل وعلا ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ الحاقة12)،في إشارة إلى أن هذه الأخبار ليست للتسلية أو للترف الفكري، وإنما المقصود منها حصول الوعي واخذ الدروس والعبر؛ قال جل وعلا (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ) يوسف111)
ومن يتدبر السنة النبوية يجد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم واضحة جلية إلى الوعي بمثل هذه المخاطر والتحديات ومن ذلك إخباره بمن سيأتون بعده ينكرون بأهوائهم ما شاءوا من سنته، فعَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا هَلْ عَسَى رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ " رواه الترمذي) وها انأ وأنت نرى كيف كان تحذيره صلى الله عليه وسلم، من كل مظاهر الغلو ؛ فهو القائل " إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ " وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ . قَالَهَا ثَلَاثًا " رواه مسلم ) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" رواه البخاري) وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال " جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: " أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ". وعن جابر رضي الله عنه إذ يقول "  خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ "
ومن ثم فإن بناء الوعي يُنتج شخصية بعيدة عن الانحراف الفكري، الذي يعد من اجل المخاطر التي نواجهها، شخصية لا تضلها الأهواء ولا تنحرف بها المسالك ولا تزعزعها أعاصير الباطل، وهذا مما دعا إليه الإسلام وحرص عليه، لأن فيه حفاظا على المجتمع كله من أفكار، بل من سموم أهل التطرف والإرهاب :
- التي لا تقر حرية الاعتقاد التي كفلها القران الكريم، وقد قال الله تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة256) وفى أسباب النزول للواحدى: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ تَكُونُ مِقْلَاةً فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ فَلَمَّا أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ ، فَقَالُوا : لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا . فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )" فالإسلام يعترف بصورة واضحة بوجود المخالف في العقيدة وحقه في الاعتقاد والتصوّر .
- والتي لا تقر حرمة الاعتداء على دور العبادة، مع أن الله جل وعلا يقول (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )البقرة251) وقد رأينا كيف استقبل النبي صلى الله عليه وسلم نصارى نجران وكف اشتمل عهده إليهم ، أن لهم جوار الله وذمة رسوله على أموالهم وملَّتهم وبِيَعهم، ولما حانت صلاتهم سمح لهم النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة صلاتهم في مسجده المبارك فأراد الناس منعهم فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم " دعوهم " فاستقبلوا المشرق وصلوا .
 - والتي لا تقر المساواة ؛ مع أن الإسلام قد اقر ورسخ هذا المبدأ العظيم؛ وها هو النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع ينبذ العنصرية، والمفاخرات العرقية، ويرسخ مبدأ المساواة بين البشر فسمع صوته هناك الغني والفقير، والأبيض والأسود ، قال صلى الله عليه وسلم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلاَ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلاَ لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ ، وَلاَ أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ ، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى" ففي هذا إعلام إلى جميع الناس بأن أصلهم واحد ومرجعهم واحد، وان التفاضل بينهم جميعا أمام الله جعل وعلا بالتقوى وصالح الأعمال، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )الحجرات13) غير أن مبدأ المساواة في حياة الرسول لم يقف عند النظرية والقول، بل له من التاريخ والسيرة ما يشهد عليه واقعا عمليا، ومن ذلك ما جاء" إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا".
- والتي لا تقر الإنسانية والسماحة في المعاملة، مع أن الإسلام قد اقرها حتى وان اختلف اللون أو الجنس أو العرق أو المعتقد فقد قال الله تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) البقرة83) وقال سبحانه( وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا )الإسراء 53) ويقول سبحانه ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة8)
فلا يعرفون للدماء حرمة ولا للأعراض حرمة ولا للأموال حرمة ؛ مع أن الإسلام أكد على حرمة الأموال والأعراض كما أكد على حرمة الدم البشرى، قال تعالى (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ )الأنعام15) وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ:" أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، في الدِّمَاءِ" ومن تأكيد الإسلام على حرمة الدماء أن اعتبر النفوس كلها واحدة على اختلاف ألوانها وألسنتها،بل وعقائدها، من اعتدى على إحداها فكأنما اعتدى عليها جميعا، ومن قدم لإحداها خيرا فكأنما قدم الخير للإنسانية بأسرها، وقد قال الله تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة32).
كما أن من التحديات التي نواجهها؛ التحديات الاقتصادية فالقوة الاقتصادية ضرورية للتقدم والرقى وهى عماد أول من أعمدة البناء وعامل أول من عوامل القوة، ولن يقوى الاقتصاد في مجتمع إلا بالعمل والإنتاج ؛ ولذا أمرنا الإسلام أن نبذل الجهد وان نستفرغ الوسع والطاقات والمواهب في العمل والإنتاج حتى في أحك الظروف؛ حتى وجهنا الإسلام أن قيام الساعة لا ينبغي أن يحول بيننا وبين القيام بعمل فيه نفع للبلاد والعباد، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا " الأدب المفرد للبخاري) ولو نظرت في كتاب الله تعالى لوجدت أن الله جل وعلا حث على العمل وطلب الرزق بعد الأمر بالصلاة، ولعل في ذلك إشارة قوية لأهمية ومكانة العمل قال تعالى (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة 10)، فكان سيدنا عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ ،رضي الله عنه إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ، وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي، فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"، وفى سطور تكتب بماء الذهب، ترى هدى الرسول صلى الله عليه وسلم مع من جاءه يسأله؛ إذ دعاه أن يستخدم كل ما عنده من طاقات وإن صغرت، وأن يستنفد ما يملك من حيل وإن ضؤلت؛ فعن أنس: أن رجلاً من الأنصارِ أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم يسألُه، فقال: " أما في بيتك شيءٌ؟" قال: بلى، حِلسٌ نلبسُ بعضَه، ونبسُط بعضَه، وقَعبٌ نَشربُ فيه الماءَ، قال: "ائتني بهما"، قالَ: فأتاه بهما، فأخذَهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيده، وقالَ: "من يشتري هذين؟" قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمٍ، قالَ: "من يزيدُ على درهمٍ؟" -مرتينِ أو ثلاثاً-، قالَ رجلٌ: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري وقالَ: "اشتر بأحدهما طعاماً فأنبذه إلى أهلك، واشتر بالآخرِ قَدوماً فأتني به"، فأتاه به، فشدَّ فيه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قالَ: "اذهب فاحتطِب وبع، ولا أرينَّكَ خمسةَ عشرَ يوماً"، فذهبَ الرجلُ يَحتطبُ ويبيعُ، فجاءَ وقد أصابَ عشرةَ دراهمٍ، فاشترى ببعضِها ثوباً وببعضِها طعاماً، فقالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "هذا خيرٌ لك من أن تجيءَ المسألةُ نكتةً في وجهكَ يومَ القيامةِ، إن المسألةَ لا تصلحُ إلا لثلاثةٍ، لذي فقرٍ مُدقِعٍ، أو لذي غُرمٍ مُفظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجعٍ" رواه أبو داودَ والترمذيِّ وحسنَّه)
وإذا كان العمل أساس القوة الاقتصادية وطريق للتقدم والرقى فان ذلك لن يتحقق إلا بإتقانه، إذ أن إتقان العمل ، من أهم الواجبات العملية التي حث عليها الإسلام، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إِنَّ اللهَ (عز وجل) يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ " وفي رواية : ( إن الله تعالى يُحب من العامل إذا عمل العمل أن يُحسن " (رواه البيهقي).
- كما أن الشائعات، من الأخطار التي نواجهها؛ فهي سلاح لا تراه إلا بيد المغرضين وأصحاب الأهواء والأعداء والعملاء، والمنافقين؛ غايتهم منها كسر التآلف والتكاتف وإثارة الأحقاد ونشر الظنون السيئة، وترويج السلبيات بين أبناء المجتمع وخلخلة الصفوف وإضعاف تماسكها والنيل من وحدة أبناء الوطن وإضعاف نموه وقوته، لذلك حذر الإسلام من إطلاق اللسان وأمر بحفظه فقال صلى الله عليه وسلم " وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ" رواه الترمذي وقال حسن صحيح) كما وضع منهجا حكيما لوقاية المجتمع من خطر الشائعات ومن اجل ملامحه: وجوب التثبت من الأخبار، قال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الحجرات6) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم" التَّأنِّي مِن الله، والعَجَلة مِن الشَّيطان" رواه البيهقي) ومنه أيضا: عدم ترديد الشائعات أو إذاعتها والخوض فيها مع الخائضين، لأن في ترديدها انتشار لها ومساهمة في ترويجها من حيث تدري أو لا تدري، وذلك فيه مساعدة المغرضين بقصد أو بغير قصد، قال الله جل وعلا (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)النور15) ويقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا, وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ, وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالَ" رواه مسلم) ومن ثم فالواجب على كل مخلص لوطنه أن يحذر الوقوع في مخالب الشائعات بل وجب عليه التصدي لها وتكذيبها، دفاعا عن وطنه وأمنه واستقراره، فليكن منهجه في حديثه قول الرسول صلى الله عليه وسلم "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" متفق عليه) وليكن منهجه في سمعه قول الله عز وجل(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6)
إن الوعي الحقيقي: هو البناء لا الهدم، هو الإعمار لا التخريب، هو التضحية من اجل الوطن والوفاء له وخدمته، باحترام أنظمته وقوانينه، وطاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم" مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" رواه البخاري) ب التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، فقد قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) آل عمران103) بالمحافظة على منشآته ومنجزاته، بالمحافظة على أمواله وثرواته، فالمال العام اشد حرمة من المال الخاص وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، بنشر الخير والقيم والأخلاق الفاضلة، بنشر روح المحبة والأخوة والتكافل والتراحم بين أبنائه فقد قال الله تعالى (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )المائدة2)، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ" وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ" ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ " بالتنافس في خدمته كل حسب طاقاته وقدراته والمحافظة على أمنه واستقراره، والصد والدفاع عنه، ولا شك أن رجال قواتنا المسلحة البواسل ورجال شرطتنا البواسل كان لهم الدور الأكبر في مواجهة التحديات، بما قدموا من تضحيات عبر العصور والأزمان، دفاعا عن الوطن وحماية له وحفاظا عليه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
( الدعــــــــــاء )
===== كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس

google-playkhamsatmostaqltradent