خطبة بعنوان :
الإسلام عمل وسلوك
نماذج من حياة التابعين
للشيخ / محمد حســن داود
الإسلام عمل وسلوك
نماذج من حياة التابعين
للشيخ / محمد حســن داود
ولتحميل
الخطبة : word اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf اضغط هنا
العناصـــــــر :
مكانة التابعين وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم
نماذج من حياة التابعين
(المداومة على الطاعات - حب النبي صلى الله عليه وسلم - الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم - بر الوالدين - الرضا بقضاء الله والصبر على الابتلاء - شكر الله جل وعلا - الصدق والأمانة - التكافل والتراحم - الخوف من الله سبحانه وتعالى )
مكانة التابعين وشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم
نماذج من حياة التابعين
(المداومة على الطاعات - حب النبي صلى الله عليه وسلم - الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم - بر الوالدين - الرضا بقضاء الله والصبر على الابتلاء - شكر الله جل وعلا - الصدق والأمانة - التكافل والتراحم - الخوف من الله سبحانه وتعالى )
الموضـــوع : الحمد لله رب العالمين، القائل
في كتابه العزيز ﴿ والسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾التوبة 100) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف"خَيْرُكُمْ
قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ". رواه البخاري)
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن خير من سار على نهج النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه: التابعين وأتباعهم؛ فلقد ساروا على هدي من بعثه الله بالهدى، فعملوا
به، وبلغوه، وعرفوا منزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشأنهم ومنهاجهم، فأحسنوا
صحبتهم وذكرهم، وأحبوهم وأحسنوا الاقتداء بهم، واستغفروا لهم، وقرروا فضلهم وفضائلهم،
قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا
غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)الحشر10) فلقد اثني
الله جل وعلا عليهم في كتابه كما أثنى عليهم نبينا صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛
قال تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ)التوبة100) وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ ؟ قَالَ " قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " رواه مسلم) وعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: " أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ..." رواه الترمذي)
وفي هذه الدقائق المباركة، من هذا الساعة الطيبة؛ نعيش مع آثارهم
ونستلهم الدروس والعبر من أقوالهم وأفعالهم التي اقتدوا فيها بنبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الأطهار رضي الله عنهم؛ ومن ذلك :
- المداومة على فعل الطاعات ومداومة العبادات والتقرب إلى الله
بالصالحات؛ استجابة وطاعة لله ولرسوله فقد قال جل وعلا (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل
عمران 133): فعن سعيد بن المسيب أنه قال: " ما
فاتتني الصلاة في الجماعة منذ أربعين سنة". وهذا عامر بن عبد الله بن الزبير -من
كبار التابعين-، وهو في مرض موته، يسمع المؤذن لصلاة المغرب، فيقول لمن حوله: احملوني
إلى المسجد، قالوا له: أنت عليل، قال: أسمع داعي الله فلا أجيبه، فأدخلوه في الصف مع
الإمام، فركع ركعة ومات وهو يصلي . وها هو محمد بن سيرين: كان يدخل إلى السوق نصف النهار،
فيكبّر الله، ويسبّحه، ويذكره، فيُسأل عن ذلك، فيقول:" إنها ساعة غفلة الناس
". فما أحوجنا إلى طاعة
الله جل وعلا والتقرب بالعبادات والصالحات فقد قال الله جل وعلا (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا * ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَىٰ
بِاللَّهِ عَلِيمًا ) النساء69، 70) .
- حب النبي صلى الله عليه وسلم: فهو من خصال الإيمان ومن لوازم الإحسان
وكفي في مكانته قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ
أحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِه وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ " متفق عليه) فقد روى ابن حبان في "صحيحه" " أن الحسن البصري كان
إذا حدث بحديث حنين الجزع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبكي ثم يقول " يَا عِبَادَ
اللَّهِ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شَوْقًا إِلَيْهِ لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى
لِقَائِهِ ". كما جاء عن سعيد بن المسيب
رحمه الله تعالى أنه سُئل عن حديث وهو مضطجع في مرضه فجلس وحدث به، فقيل له: وددت أنك
لم تتعن فقال: كرهت أن أحدث عن رسول الله وأنا مضطجع . وعن أبي سلمة الخزاعي: كان مالك بن أنس إذا أراد
أن يخرج يحدث، توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ومشط لحيته. فقيل له في ذلك فقال:
أوقر به حديث رسول- صلى الله عليه وسلم. فما أعظم أن نحقق محبة النبي صلى الله
عليه وسلم. فعَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ؟
قَالَ "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَها " قَالَ لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ" أَنْتَ مَعَ
مَنْ أَحْبَبْتَ "قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا
أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو
أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ
(رواه البخاري)
فَلْتَشْهَدِي يَا أَرْضُ هَذَا وَالسَّمَا
وَالكَوْنُ يَشْهَدْ
إِنَّا نُحِبُّكَ يَا رَسُــــــــــــــــــولَ الله حُبَّاً لا يُبَدَّدْ
إِنَّا نُحِبُّكَ يَا رَسُــــــــــــــــــولَ الله حُبَّاً لا يُبَدَّدْ
- الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم؛
يقول الحسن البصري عنهم رضوان الله عليهم " إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا،
وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفا، قومًا اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فتشبهوا
بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم " .
- بر الوالدين: فما أعظم مكانتهما إذ
قرن الله جل وعلا طاعتهما بطاعته فقال تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا
إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ
مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء
23، 24) فها هو الحسن البصري كان لا يأكل من
الصحن الواحد مع أمه لأنه كان يخاف أن تسبق يده إلى شيء وأمه تشتهيه . وما أعظم ما
جاء عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى
عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟
حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ،
قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ
فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
"يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ،
مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ
دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ،
فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ
لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ
لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ:
فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ
عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "يَأْتِي
عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ
مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ
هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ
يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ:
أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: اسْتَغْفِرْ
لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ:
لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ
عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ
قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ . رواه مسلم) .
- الرضا بقضاء الله والصبر على الابتلاء فهو
من سنن الله في خلقه فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قُلْتُ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ ، قَالَ: " الأَنْبِيَاءُ
ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ
كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ
عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي
عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" رواه الترمذي) ويقول صلى الله عليه وسلم
"إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ
قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ"
وفي ذلك يقول شريح رحمه الله:" إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات،
أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما
أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني". ويقول إبراهيم التيمي " ما من عبد وهب الله له صبرًا على الأذى،
وصبرًا على البلاء، وصبرًا على المصائب، إلا وقد أُوتي أفضل ما أوتيه أحد، بعد الإيمان
بالله " . وعن الزهري، أن عروة بن الزبير لما وقَعَت الأَكَلَة في رِجْلِهِ ،
فقيل له : ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال : " إن شئتم " ، فجاء الطبيب ، فقال
: أسقيك شراباً يزول فيه عقلك ؟ فقال : " امضِ لشأنك ، ما ظننتُ أنَّ خلقاً شرب
شراباً يزول فيه عقْله حتى لا يعرف ربّه "،قال : فوضع المنشار على ركبته اليسرى
، ونحن حوله ، فما سمعنا حساً .فلما قطعها جعل يقول : " لئن أخذت لقد أبقيت ،
ولئن ابتليت لقد عافيت " .
- شكر الله جل وعلا؛ فهو سبحانه القائل
( إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)إبراهيم
7) جاء رجل إلى يونس بن عبيد رحمه الله فشكا اليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك
فقال: ايسرك ببصرك مئة الف ؟ قال: لا، قال: فبسمعك؟ قال:لا، قال: فبلسانك؟ قال:لا،
قال: فبعقلك؟ قال:لا، وذكره نعم الله عليه ثم قال يونس: أرى لك مئات الألوف وأنت تشكو
الحاجة .
- الصدق والأمانة ؛ فهما من أعظم الأخلاق
وأحسنها وأزكاها إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ
البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ" ويقول أيضا: " لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ
أَمَانَةَ لَهُ" رواه احمد) وما أعظمهما في التجارة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول" :التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ
مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ" رواه الدارمي) كان لمحمد
بن المنكدر وهو من معادن الصدق والأمانة، سلع تباع بخمسة، وسلع تباع بعشرة، فباع غلامه
في غَيبته شيئا من سلع الخمسة بعشرة ، فلما عرف ابن المنكدر ما فعل غلامه اغتمّ لصنيعه،
وطفق يبحث عن المشتري طوال النهار، حتى وجده، وكان من الأعراب، فقال له ابن المنكدر
: إنَّ الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال الأعرابي: يا هذا قد رضيت. فقال
ابن المنكدر: وإن رضيت فإنّا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث: إما
أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن تُردَّ إليك خمسة، وإما أن تأخذ من سلعة الخمس
سلعة العشر. فقال الأعرابي: أعطني خمسة، فرد عليه الخمسة وانصرف؛ فسأل الأعرابي أهل
السـوق عن هذا التاجـــر الأمين؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر، فقال: لا إله إلا الله،
هذا الذي ملأ الآفاق ذكره.
- التكافل والتراحم؛ فقد قال الله
تعالى (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ
) البقرة272) ومن ذلك ما كان من علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذ كان يحمل الصدقات والطعام ليلاً على ظهره، إلى
أبواب بيوت الأرامل والفقراء في المدينة، دون أن يعلموا من يحملها اليهم، وبقي كذلك
سنوات طويلة، وما كان الفقراء والأرامل يعلمون كيف جاءهم هذا الطعام، فلما مات وجدوا
على ظهره آثاراً من السواد، فعلموا أن ذلك بسبب ما كان يحمله على ظهره . وانظر ما
كان من ابن المبارك؛ إذ خرج عبد الله بن المبارك رحمه الله مرةً إلى
الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة، وسار أصحابه أمامه
وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك
الطائر الميت، فكشف عن أمرها وفحص، حتى سألها، فقالت: أنا وأختي ها هنا، ليس لنا شيء،
وقد حلَّت لنا الميتة، وكان أبونا له مال عظيم، فظُلِم وأُخِذ ماله وقُتِل، فأمر عبد
الله بن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ فقال: ألف دينار، فقال:
عد منها عشرين دينارًا تكفينا إلى مرو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام،
ثم رجع.
الخوف من الله جل وعلا :فهو باب الفلاح،
وطريق الفوز والنجاح؛ إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من خافَ أدلَجَ
، ومن أدلَجَ بلغَ المنزلَ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ
الجنَّةُ" رواه الترمذي)، فمن أقوال الحسن البصري رحمه الله " يا ابن آدم إنما أنت
أيام، كلّما ذهبَ يوم ذهب بعضُك" ومنها:
" يا ابن آدم بِـع دُنياك بآخرتك؛ تربحهما جميعاً، ولا تبيعنَّ آخرتك بدُنياك؛
فتخسرهما جميعاً" . وانظر ما كان الربيع بن خيثم كما قال الماوردي : َحَفَرَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَم فِي
دَارِهِ قَبْرًا ، فَكَانَ إذَا وَجَدَ فِي قَلْبِهِ قَسْوَةً جَاءَ فَاضْطَجَعَ فِي
الْقَبْرِ فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَقُولُ : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) .ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ : قَدْ
أَرْجَعْتُك فَجِدِّي .فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ .
فما أعظم أن نقتدي بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسير على
طريقه الذي سار عليه أهل الصلاح والفلاح من الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ إذ يقول صلى الله عليه وسلم "خَيْرُكُمْ
قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " رواه البخاري)
حتى تستقيم دنيانا وآخرتنا فقد قال الله جل وعلا
(لَّقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )الاحزاب21)
(اللهم
أهدنا لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف
عنا سيئها إلا أنت، وأحفظ مصر من كل مكروه
وسوء )
===== كتبه =====
محمد حســــــــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــــــن داود
إمام وخطيب ومدرس