recent
آخر المشاركات

محبة النبي (صلى الله عليه وسلم) - للشيخ / محمد حســن داود



" محبة النبي (صلى الله عليه وسلم)"
للشيخ / محمد حســـــن داود
وللتحميل : word  اضغط هنا
وللتحميل : pdf     اضغط هنا
إن من أصول الإيمان، ولوازم الإحسان؛ محبة الله عز وجل، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم فهي اسمي الطاعات، وأعظم العبادات؛ نور يجلى الظلام، ودواء يشفى الأسقام، من حققها فقد وجد حلاوة الإيمان، قال تعالى ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ) البقرة165)، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " رواه البخاري ومسلم) فهذه الحلاوة لا يتذوقها كل الناس، بل يتذوقها من خالط قلبه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حب الله جل وعلا، وصدق في هذا الحب ، فقدمه على نفسه ووالده وولده والناس أجمعين، فعنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكونَ أحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِه وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ " متفق عليه) وعَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ هِشَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ كُلِّ شَيءٍ إلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقالَ النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم ، لَهُ: " لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إِلَيْكَ من نَفْسِكَ " فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللهِ لأنْتَ أحَبُّ إِليَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  " الآن يَا عُمرُ " رواه البخاري) وما أجمل وأعظم، ما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن رجل غاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فآلمته مرارة الفراق، واخذ منه الشوق مأخذه، إذ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنك لأحبُّ إليَّ من أهلي ومالي، وأحبُّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكركَ، فما أصبر حتى آتيكَ فأنظر إليكَ، وإذا ذكرتُ موتي وموتكَ عرفتُ أنَّكَ إذا دخلتَ الجنَّة رُفِعْتَ مع النبيِّين، وأنِّي إذا دخلتُ الجنَّة خشيتُ ألاَّ أراكَ، فلم يرُدَّ عليه النبيُّ ، صلى الله عليه وسلم،  شيئًا؛ حتى نزل جبريل عليه السلام ، بهذه الآية: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء69) .
ولقد ترجم الصحابة ( رضوان الله عليهم ) حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ترجمة عملية، فلم يكن هذا الحب مجرد كلمات أو ادعاءات، بل كانوا يعدونه طريقهم إلى الفوز والفلاح، فلقد سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ ".  وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، انه قال  " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ وَمَا عَلَى الْأَرْضِ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْهُ " رواه احمد) ويصف عروة بن مسعود الثقفي، شيئا من هذا الحب والإجلال والتقدير، فيقول " فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا " رواه البخاري)  فكان لسان حالهم ومقالهم عن النبي،صلى الله عليه وسلم :
هو المُقَّدم في نفسي على نفسي *** وأهل بيتـي وأحبابـي وخِلانـي
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله". فقال له: (الصحبة). تقول السيدة عائشة: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ" وفي الطريق كان الصديق رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم من خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، فيقول: "يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء أأحببت أن تقتل دوني)؟ فقال: "إي والذي بعثك بالحق" فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك  يا رسول الله  حتى استبرىء لك الغار. فدخل فاستبرأه .
وهذا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ أسره المشركون، فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلَوهُ ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ ، حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ : نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ يَا زَيْدُ ، أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الآنَ بِمَكَانِكَ ، يُضْرَبُ عُنُقُهُ ، وَأَنَّكَ فِي أَهْلِكَ ؟ قَالَ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ مُحَمَّدًا الآنَ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ ، وَأَنِّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ ، أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا " .
ولحب النبي صلى الله عليه وسلم دلالات وعلامات، فهي التزام بالأمر، واجتناب للنهى، واقتداء بالهدى، واخذ بالسنة، وعمل بالشرع، هي طاعة لله ولرسوله، قال تعالى ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) آل عمران31) فإذا كان الله سبحانه وتعالى جعل إتباع نبيه صلى الله عليه وسلم دليلا على حبه سبحانه وتعالى، فلاشك إن هذا الإتباع دليل على حب النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ الحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى " إِنَّ مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا اتَّبَعَ آثَارَهُمْ  " ومن مظاهر حبه صلى الله عليه وسلم التخلّق بأخلاقه والتأسي به في القول والفعل وفي كل حال ؛ قال تعالى (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ) الاحزاب21) ومنها: توقيره صلى الله عليه وسلم فقد قال  الله جل وعلا (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا )الفتح8/9) عن ابن عباس ( وَتُعَزِّرُوهُ ) يعني:" الإجلال" ( وَتُوَقِّرُوهُ ) يعني:" التعظيم" . ولاشك أن من ذلك: التأدب معه حال ذكره أو التحدث عنه. ومنه الصلاة عليه فقد قال الله جل وعلا ( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاالأحزاب56) ومن مظاهر حبه: حب آل بيته ومعرفة قدرهم وإنزالهم منزلتهم فعن زيد بن أرقم،قال: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ " فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي" رواه مسلم)و منه حب أصحابه ومعرفة قدرهم والثناء عليهم بما هم أهله، فلقد أثنى الله عليهم في كتابه في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} )التوبة 100)
فما أعظم هذه الجائزة العظيمة والمكانة الرفيعة والدرجة العالية،لمن حقق حب المصطفي صلى الله عليه وسلم ؛ فعَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ السَّاعَةِ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ "وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَها " قَالَ لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ" أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ "قَالَ أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ (رواه البخاري)
فَلْتَشْهَدِي يَا أَرْضُ هَذَا وَالسَّمَا وَالكَوْنُ يَشْهَدْ
إِنَّا نُحِبُّكَ يَا رَسُــــــــــــــــــولَ الله حُبَّاً لا يُبَدَّدْ
=====كتبه=====
محمد حســـــن داود
إمام وخطيب ومدرس

google-playkhamsatmostaqltradent