recent
آخر المشاركات

خطبة بعنـــــــوان : حقوق الوالدين وذوي الأرحام للشيـخ / محمد حســن داود


خطبة بعنـــــــوان :
حقوق الوالدين وذوي الأرحام
للشيـخ / محمد حســن داود
ولتحميل الخطبة : word  اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf     اضغط هنا


العناصـــــر:
-
دعوة الإسلام إلى بر الوالدين وصلة الأرحام .
- مكانة الوالدين، ودعوة الإسلام إلى برهما، ونماذج من حقوقهما.
- فضل بر الوالدين وعواقب عقوقهما .
- صلة الرحم، مكانتها ودعوة الإسلام إليها .
- فضل صلة الرحم وعواقب قطعها.
- دعوة إلى تحقيق بر الوالدين وصلة الرحم .
الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) النساء36) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف " إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثًا، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ " رواه بن ماجة) اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن الناظر في الشريعة الإسلامية يرى أنها في تشريعاتها ووصايها دائما تهدف إلى بناء مجتمع متماسك مترابط متراحم تسوده المحبة والألفة وتقديم الخير، و من ذلك كان من أعظم القيم التي أوصت بها الشريعة الإسلامية بر الوالدين وصلة الأرحام. فلقد جاءت الآيات والأحاديث توصي بهم خيرا، وتدعوا إلى البر والصلة؛ لعظم مكانة الوالدين وفضل برهما، ولدرجة الأرحام واجر صلتهم؛ حتى ترى أن الله جل وعلا قرن البر والصلة بعبادته وطاعته فقال جل وعلا (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا) النساء36) ورتب على البر وصلة الأجر العظيم والفضل الكبير؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ "رواه احمد) ولقد جاء رجل إلى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا ، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٌ ؟ قَالَ :" هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ ؟ قَالَ : لَا، قَالَ : هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِرَّهَا " رواه الترمذي).
إذا فالوالدين هما أحق الناس بالبر والوفاء، والإحسان والعطاء، طاعة لله جل وعلا واستجابة لأمره، ووفاء لما بذلا، وإكراما لما قدما وأعطا، فقد قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرً) الاحقاف15) وقال سبحانه (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )الاسراء23/24) فقرن المولى سبحانه وتعالى بر الوالدين بعبادته، تكريما لهما وحثا على رعاية حقوقهما وإشارة إلى مكانة برهما ودرجته، فعنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ"رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ" رواه الترمذي) قال ابن عباس رضي الله عنهما:" ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل منها واحدة بغير قرينتها أي إحداهما. قول الله تعالى(أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. الثانية قول الله تعالى(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. والثالثة قول الله تعالى(أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه".
إن بر الوالدين لهو خلق الأولياء، وحلية الأصفياء، وسلوك الأتقياء، ومن هدي الأنبياء؛ فمن دعاء نوح عليه السلام (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا ) نوح 28) ومن دعاء إبراهيم عليه السلام ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)ابراهيم41) ومن دعاء سليمان عليه السلام (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ) النمل19) وعن يحي  عليه السلام يقول الله جل وعلا (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا)مريم14) وهذا عيسى عليه السلام عن بره بأمه يقول كما حكي القران (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)مريم 32)
ومن هذا كله يتجلى لنا مكانة الوالدين وعظم أمرهما؛ إذ قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ‏" وذاك رجل يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته، إذ قال لابن عمر رضي الله عنهما: يا ابن عمر أترى أني جزيتها ؟ قال : لا، ولا بطلقة واحدة، ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل كثيراً .وآخر أَتَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَقَالَ: " إِنَّ لِي أُمًّا بَلَغَ بِهَا الْكِبَرُ، أَنَّهَا لَا تَقْضِي حَاجَتَهَا إِلَّا وَظَهْرِي لَهَا مَطِيَّةٌ، أُوَضِّئُهَا، وَأَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهَا، فَهَلْ أَدَّيْتُ حَقَّهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ حَمَلْتُهَا عَلَى ظَهْرِي، وَحَبَسْتُ عَلَيْهَا نَفْسِي؟ قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَصْنَعُ ذَلِكَ بِكَ وَهِيَ تَتَمَنَّى بَقَاءَكَ، وَأَنْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ وَأَنْتَ تَتَمَنَّى فِرَاقَهَا " البر والصلة لابن الجوزي)
فمن مظاهر بر الوالدين: محبتهما وتوقيرهما : فلقد روى البخاري في الأدب المفرد أن أبا هريرة رضي الله عنه أبْصَرَ رجُلَين، فقال لأَحَدِهما: ما هذا منْك؟ فقال: أَبِي، فقال: " لا تُسمِّهِ باسمِهِ، ولا تمشِ أمامَه، ولا تجْلِسْ قبلَه ". ومنه الإنفاق عليهما والرفق بهما واللين معهما والتواضع لهما، قال تعالى (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) الاسراء23/24) وفي مقابل ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ"  قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ: " يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أَمَّهُ " رواه البخاري ومسلم )ومن برهما أيضا طاعتهما في غير معصية الله، وصلتهما، وحسن مصاحبتهما بالمعروف، قال تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) الاسراء15)
فلقد حث الله جل وعلا على برهما حتى ولو كان على غير الملة؛ فعَنْ أَسْمَاءَ، قَالتَ: قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ابْنِهَا، فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ" نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ " رواه البخاري) ولا يقف برهما عند حياتهما فحسب بل يمتد إلى ما بعد مماتهما، فعنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ:" نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا"رواه أبو داود) .
- إن لبر الوالدين فضل عظيم واجر كبير فعَن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ كَذَاكُمْ الْبِرُّ كَذَاكُمْ الْبِرُّ" رواه احمد)وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ : قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ" أَيُّ الأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا، قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" رواه مسلم)
وكما جعل المولى سبحانه للبر فضائل، جعل للعقوق عواقب، فهو من اكبر الكبائر؛ فعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا، الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَوْ قَوْلُ الزُّورِ"، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا، فَجَلَسَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " احْضُرُوا الْمِنْبَرَ " ، فَحَضَرْنَا ، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً ، قَالَ : " آمِينَ " ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ ، قَالَ : " آمِينَ " ، فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ ، قَالَ : " آمِينَ " ، فَلَمَّا فَرَغَ ، نَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ ، قَالَ : فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ سَمِعْنَا الْيَوْمَ مِنْكَ شَيْئًا لَمْ نَكُنْ نَسْمَعُهُ ، قَالَ : " إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامِ عَرْضَ لِي ، فَقَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ ، قَالَ : بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّالِثَةَ ، قَالَ : بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ الْكِبَرَ عِنْدَهُ ، أَوْ أَحَدُهُمَا ، ثُمَّ لَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ ، أَظُنُّهُ قَالَ : فَقُلْتُ : آمِينَ " شعب الإيمان للبيهقى)
لقد أمرنا الله تعالى ببر الوالدين فقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ)لقمان14) ودعانا إلى شكرهما فقال تعالى (أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ )لقمان14) وحثنا على صحبتهما بالمعروف فقال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )لقمان 15) وأرشدنا إلى حسن معاملتهما فقال( وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) الاسراء23/24) وأكد على الدعاء لهما، قال تعالى (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الاسراء24) ونهانا عن عقوقهما فقال ( فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا)الاسراء23) فاعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، فبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، فقد حكي أن شابا كان بصحبة والده في رحلة الحج وفى رجوعهما أراد الأب أن يقضى حاجته، فقال لابنه انطلق مع القافلة وسألحق بكم،وﻣﻀﻰ ﺍﻹﺑﻦ مع القافلة ﻭﺑﻌﺪ وقت يسير ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺖ الشاب فوﺟﺪ ﺃﻥ الأب قد تأخر كثيرا عن القافلة، فأسرع الشاب إلى والده فحمله على ﻛﺘﻔيه ورجع إلى القافلة مهرولا ،وفى رجوعه حاملا والده شعر بدموع والده تتساقط على رأسه، ﻓﻘال يا أبى، والله ما أجد مشقة في حملك فقال له الأب، ليس لهذا بكيت يا بني ولكن في هذا المكان حملت أنا والدي. وذاك آخر ضاق بوالده المسن فصنع له وعاء خشبيا؛ حتى لا تنكسر منه الأطباق لرعشة يديه، فسأله اصغر أبنائه عن سبب صنع هذا الإناء، قال لنضع فيه الطعام فإذا وقع من يديه لا ينكسر، فقال الولد: نعم، حتى إذا صرت في سن جدي وارتعشت يداك وضعنا لك فيه الطعام .
إن أحق الناس بالصلة بعد الوالدين هم رحم الإنسان؛ أهله وقرابته، فمن وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله، فعن عبد الرحمن بن عوف قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : قَالَ اللَّهُ : " أَنَا اللَّهُ ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهَا مِنَ اسْمِي ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ "رواه الترمذي) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ : الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ ، قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ فَهُوَ لَكِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) سورة: محمد آية 22 )" رواه البخاري).
إذا فهم أولى الناس بالرعاية وأحقهم بالعناية وأجدرهم بالإكرام وقضاء الحاجات بعد الوالدين؛ فللصدقة على المسكين اجر، وعلى ذي الرحم أعظم أجرا وفضلا، فقد قال تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة215) وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّهَا عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ : صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ " مستدرك الحاكم)
وفي هذا كله درس عظيم لا ينبغي لنا أن نتجاهله، بل وجب علينا أن نؤكد عليه وهو أن الواصل ليس من يعامل رحمه بالمثل، ليس بالمكافئ إن أحسن رحمه أحسن إليهم وان أساءوا أساء، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم" لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا" رواه البخاري) فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"رواه مسلم)
- ولعل من اجل فضائل صلة الرحم : السعة في الرزق والبركة في العمر،  فعن انس بن مالك  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" رواه مسلم) وعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ " رواه احمد)
- الوقاية من ميتة السوء، فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " رواه احمد).
- طريق إلى الجنة فقد قال تعالى (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ *وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ  وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ  فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)الرعد20-24) وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْنِينِي مِنَ الْجَنَّةِ ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ، قَالَ : " تَعْبُدُ اللَّهَ ، لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ " ، فَلَمَّا أَدْبَرَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ " رواه مسلم).
وكما أن لصلة الرحم فضائل وفوائد، فان لقطعها عواقب وآثار وخيمة ، قال الله تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) محمد22-23) وقال سبحانه (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون)البقرة27) وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ"رواه الترمذي وأبو داود).
إن بر الوالدين وصلة الأرحام وصية إلهية فتمسكوا بها طاعة لله جل وعلا وفوزا في الدنيا والآخرة؛ فعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ " إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ ثَلَاثًا، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ " رواه بن ماجة) وعَن أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا الْبَغْيُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ يُعَجِّلُ لَصَّاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ" .
 اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق إنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت،
واصرف عنا سيئها إنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،
وأحفظ مصر وشعبها من كل مكروه وسوء .
===== كتبه =====
محمد حســــــن داود
إمام وخطيب ومدرس

google-playkhamsatmostaqltradent