خطبة بعنــوان :
حماية الشأن العام والمصلحة العامة
للشيخ / محمد حســــن داود
حماية الشأن العام والمصلحة العامة
للشيخ / محمد حســــن داود
ولتحميل الخطبة : word اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf اضغط هنا
الموضـــــوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (وَتَعَاوَنُوا
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا
اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة 2)، وقال جل وعلا (وَافْعَلُوا
الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الحج77)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف" خيرُ النّاسِ
أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ " وقال صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى
اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ..." رواه الطبراني) اللهم صل وسلم وبارك عليه
وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
لقد جعل الإسلام حماية الشأن العام والاهتمام
به والحفاظ عليه؛ مسئولية جميع أبناء المجتمع؛ ولعل من اجل مقومات الحفاظ عليه :
- تقديم
المصلحة العامة على الخاصة: فهو منهاج الأنبياء
والرسل عليهم السلام، قال الله سبحانه وتعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ
الْخَيْرَاتِ) الأنبياء73) " قال السعدي :" اي يفعلونها ويدعون الناس إليها،
وهذا شامل لجميع الخيرات، من حقوق الله، وحقوق العباد " تفسير السعدي) وذلك
دون انتظار مقابل أو نفع دنيوي خاص، فقد قال الله تعالى على لسان نبيه نوح (وَيَا قَوْمِ
لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ)هود29) وعلى
لسان نبيه هود (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا
عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) هود51) وها هو الحبيب صلى الله
عليه وسلم في إيثار لم نسمع بمثله يقول " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ،
فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً
لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، مَنْ مَاتَ
مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ".
لقد دعا الإسلام
إلى تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية، وعظم اجر كل فعل كان فيه مصلحة عامة
للمجتمع وأعلى من شأنه وقيمته؛ أما ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم عظم مكانة الصدقة
الجارية، ففيها تقديم انتفاع الناس بها، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إِذَا
مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ
جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ
" رواه مسلم) ويقول أيضا " سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ مِنْ بَعْدِ
مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ كَرَى نَهَرًا، أَوْ حَفَرَ
بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ
تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ " أما ترى أن النبي صلى
الله عليه وسلم، عظم اجر من سلك طريق العلم، إذ أن العلم من سبل نهضة المجتمعات وتقدمها
ورقيها، ومن ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبى ذر " وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ
بَابًا مِنَ الْعِلْمِ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ
أَلْفَ رَكْعَةٍ " ويبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام العالم من العابد
لما ينفع العالم به غيره، فيقول " وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ
الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ" وفي إعمار الأرض وتقديم النفع للمجتمع
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ
فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَغْرِسْهَا
" وفى هذا إشارة إلى اعمار الأرض تقديما للنفع العام حتى وان لم ينتفع صاحبها
بثمرتها فمع أن هذا له من الأجر والفضل نصيب إلا انه أيضا دأب العقلاء وشأن
الحكماء، فقد حكي أن ملكا خرج يومًا يتصيد، فوجد شيخًا كبيراً يغرس شجر الزيتون، فوقف
عليه وقال له: يا هذا، أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد أعوام، فلم تغرسه؟ فقال:
أيها الملك، زرع لنا من قبلنا فأكلنا، فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل " كما اعلي الإسلام
من قيمة كل عمل ينتفع به المجتمع حتى وان قل في نظر العبد، إذ يقول النبي صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ
عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ " رواه مسلم)
إذا فمن صور
تحقيق المصلحة العامة على الخاصة: تقديم النفع العام وتلبية حاجات المجتمع قال الله جل وعلا ( فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا
فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ) البقرة ١٨٤ ) وقال سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة2) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " مَنِ اسْتَطَاعَ
مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ "، وفي رواية " فَلْيَنْفَعْهُ " رواه مسلم ) ويقول
أيضا "
أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى
اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَطْرُدُ
عَنْهُ جُوعًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ،
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ-
شَهْرًا، ..." رواه الطبراني) وما أعظم ما
كان من سيدنا عثمان رضي الله عنه، فعن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال
أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم. فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت
لعثمان ألف راحلة براً وطعاماً، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج
إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيهما على عاتقه فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: قد بلغنا
أنه قد قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم
عثمان: ادخلوا. فدخلوا فإذا ألف وقر قد صب في دار عثمان، فقال لهم: كم تربحوني على
شرائي من الشام؟ قالوا العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر،
قال: قد زادوني. قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار
المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار
أنها صدقة على فقراء المدينة قال عبد الله بن عباس: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله
صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل؛ وعليه حلة من نور؛ وبيده قضيب
من نور؛ وعليه نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال
شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني مبادر لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله
تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان. الرياض النضرة
في مناقب العشرة للمحب الطبري)
الحفاظ على المال العام : إذ أن الاعتداء
على المال العام اعتداءً على حقوق الأفراد والمجتمع ، فحرمة المال العام اشد من حرمة
المال الخاص، وذلك لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدد الذمم المالكة له، ولقد أنزله عمر
بن الخطاب منزلة مال اليتيم الذي تجب رعايته وتنميته وحرمة أخذه والتفريط فيه عندما
قال "إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم " والله تعالى يقول ﴿إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ
نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾النساء/10) وما أعظم ما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه، إذ يقول : خَرَجْنَا مع رَسولِ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا ولَا فِضَّةً،
إلَّا الأمْوَالَ والثِّيَابَ والمَتَاعَ، فأهْدَى رَجُلٌ مِن بَنِي الضُّبَيْبِ، يُقَالُ
له رِفَاعَةُ بنُ زَيْدٍ، لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غُلَامًا، يُقَالُ
له مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى وادِي القُرَى،
حتَّى إذَا كانَ بوَادِي القُرَى، بيْنَما مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا
له الجَنَّةُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كَلَّا، والذي نَفْسِي
بيَدِهِ، إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتي أخَذَهَا يَومَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ
تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عليه نَارًا فَلَمَّا سَمِعَ ذلكَ النَّاسُ جَاءَ
رَجُلٌ بشِرَاكٍ - أوْ شِرَاكَيْنِ - إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ:
شِرَاكٌ مِن نَارٍ - أوْ: شِرَاكَانِ مِن نَارٍ-" رواه البخاري ) .
الحفاظ على حق الطريق وحق المارة: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ
"، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ
فِيهَا ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِذَا
أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ "، قَالُوا : وَمَا
حَقُّهُ ؟ ، قَالَ : " غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى ، وَرَدُّ السَّلَامِ
، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ " رواه مسلم) وفي رواية: "غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ
الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ،
وَإِرْشَادُ الضَّالِّ". وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ
-صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ
عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ". رواه الطبراني) وفيه تحذير من إلقاء القاذورات في
الطرقات ودعوة إلى الإبقاء عليها نظيفة. فَعنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ
: قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ
، قَالَ : أَمِطِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ " الأدب المفرد للبخاري).
ومن مقومات حمايته والاهتمام به أيضا: حسن
الخلق: إذ أن الأخلاق الحسنة الطيبة هي أساس عظيم للبناء والتقدم فالسلوك الحسنة من
شأنها أن تبني مجتمعًا قويا متماسكا، وما أجمل قول الشاعر:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت
أخلاقهم ذهبوا
وحرى بنا أن نذكر أن الأخلاق التي يحتاجها
المجتمع بناءا وتقدما، لا تشمل ترويج الشائعات والأراجيف، ولا تقر الكذب والأباطيل؛
فقد قال تعالى(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ
آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ
لَا تَعْلَمُونَ) النور19) فنشر الأخبار الكاذبة
وإذاعتها مما جاء فيه الوعيد الشديد ولقد قال الله تعالى ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾الاسراء38) وقال جل وعلا ( مَا يَلْفِظُ مِنْ
قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )ق18) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
"مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ
الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ".أخرجه أبو داود ) وعَنْ أَسْمَاءَ،
بِنْتِ يَزِيدَ، رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ "
الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ
لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ" رواه احمد ) بل إن السلوك التي نحتاجها هي التي تبنى
ولا تهدم، فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم
" وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ
لِيَصْمُتْ"وقوله صلى الله عليه وسلم " كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ
يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".
وليكن منهج كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)الحجرات6) .
كما أن قضية الإفتاء
وبيان حكم الله عز وجل إحدى أهم القضايا في المجتمع، فشأنها عظيم وقدرها كبير وأثرها
واقع على الفرد والمجتمع، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم وهم خاصة رسول الله صلى
الله عليه وسلم، ومن سمعوا قوله وأعلم الناس بالحلال والحرام، وخير العصور والقرون
بشهادة النبي، يتحرجون من الفتوى ويهابونها، ويود أحدهم أن تبتعد عنه بأجرها ووزرها
لخطورتها ومسئوليتها، وفى ذلك يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ رحمه الله" أَدْرَكْتُ
عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنَ الأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلا وَدَّ أَنَّ أَخَاهُ
كَفَاهُ، وَلا يُحَدِّثُ حَدِيثًا إِلا وَدَّ أَنَّ أَخَاهَ كَفَاهُ ". وعلى هذا
كان السلف الصالح فقد قَالَ أَصْحَابُ الإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:" كَانَ
مَالِكٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ كَأَنَّهُ وَاقِفٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ"
ويحق للمفتي أن يكون كذلك، فقد جعله السائل الحجة له عند الله, يعمل بما قال, وهذا
مقام خطر، كيف لا؟ وهو سيسأل عنه أمام الله جل في علاه؛ ولذا يقول أَبُو حَنِيفَةُ
رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْلاَ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَضِيعَ الْعِلْمُ مَا أَفْتَيْتُ
أَحَدًا، يَكُونُ لَهُ الْمَهْنَأُ وَعَلَيَّ الإِثْمُ" . وان كان هذا هو حال
الصحابة الكرام والعلماء الأجلاء فعموم الناس أولى بالتحرج من الإفتاء وإصدار الأحكام
الشرعية بغير علم ولا هدى، فان هذا خطر جسيم وفساد عريض فلا يجوز أن يتصدر للفتوى من هو ليس بأهل لها، فأخطر
المعاصي وأشد الذنوب القول على الله جل وعلا بغير علم وبيان، والخوض في الشريعة بغير
حجة ولا برهان، فقد قال تعالى (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ
هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)(النحل 116) وفى ذلك زجرا لكل
من سولت له نفسه أن يقدم على الفتوى بغير علم ولا هدى وحجة ولا دليل فقد قال جل وعلا
( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ
وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون) الأعراف33) فجعل الفتوى
بغير علم قرينة للشرك؛ وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - يقول قال رسول الله - صلى الله
عليه وسلم -: "مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوأْ بَيْتاً فِي
جَهَنَم ومَنْ أَفْتَى بِغَيَّرِ عِلْمِ كَانَ إِثْمُه عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ ومَنْ
أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرِ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ"
سنن البيهقي الكبرى. فالنجاة أن لا يتكلم إنسان في دين الله بغير علم بل يتقى الله
ويصمت وهذا هو حال أهل التقى والصلاح والفلاح فقد سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري،
فقيل: ألا تستحي من قولك: لا أدري، وأنت فقيه أهل العراق؟ قال: لكن الملائكة لم تستح
حين قالت: ( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) البقرة32). فقولة
لا أدرى ليست من الحرج بمكان بل إن الحرج كله في التجرؤ على الفتوى بغير علم، فقد قال
أبو بكرٍ رضي الله عنه: (أيُّ سماء تُظِلُّني وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إن أنا قُلتُ في
كتاب الله ما لا أعلم؟!)، وها هو ابن عمر رضي الله عنه وقد عدّه أهل العلم من المكثرين
في الفتوى، يسأله السائل فيجيبه بلا أعلم، فعَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قال: خَرَجْنَا
مَعَ ابْنِ عُمَرَ نَمْشِي، فَلَحِقَنَا أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: سَأَلْت عَنْك فَدُلِلْت عَلَيْك، فَأَخْبِرْنِي
أَتَرِثُ الْعَمَّةُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، قَالَ: أَنْتَ لَا تَدْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ؛
اذْهَبْ إلَى الْعُلَمَاءِ بِالْمَدِينَةِ فَاسْأَلْهُمْ"
إن الفتوى بغير
علم من المهالك التي يُردي فيها الشيطان الناس، قال تعالى " وَلَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ
وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" فما بال
بعضا ممن ليس لها أهل يتكلمون فيها ويتصدرون لها وما أحسنوا العلم ولا الفقه ولا الدليل،
والأمر كما قال ابُو حُصَيْنٍ الْأَسَدِيُّ: "إنَّ أَحَدَهُمْ لِيُفْتِيَ فِي
الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ".
(
نسأل الله أن يحفظ مصر وجيشها وشرطتها وشعبها من كل مكروه وسوء)
=====
كتبه =====
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس
محمد حســــن داود
إمام وخطيب ومدرس