خطبة بعنـــــــوان:
الوقاية خير من العلاج
للشيخ / محمد حســـن داود
3 جمادى
الأولى 1442هـ – 18 ديسمبر 2020م
لتحميل الخطبة : word ( رابط مباشر) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word (نسخة أخرى، برابط مباشر)اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf ( رابط مباشر) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word ( جوجل درايف) اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : word (نسخة أخرى، جوجل درايف)اضغط هنا
ولتحميل الخطبة : pdf ( جوجل درايف) اضغط هنا
العناصـــــر :
- نعمة الصحة ومكانتها.
- الوقاية خير من العلاج.
- من أساليب وسبل الوقاية.
الموضـــــوع:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا
ونبينا محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن صحة الإنسان في الإسلام لها مكانة عظيمة،
والمحافظة عليها من أهم الواجبات، فهي نعمة عظيمة إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم)
" مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ
قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" رواه
الترمذي) وعن ابن عباسٍ قال: قال النبيُّ (صلَّى الله عليه وسلم)" نعمتانِ مغْبُونٌ
فيهما كثيرٌ من الناس الصِّحَّة والفراغ " رواه البخاري).
وإن من اجل صور المحافظة على الصحة: الحرص
على سلامتها من الأمراض بأنواعها، وهذا مما لا يعطيه بعض الناس اهتماما في هذه الأيام،
فقد يعرض الانسان نفسه للإصابة بالأمراض، وذلك بعدم حرصه على الأوامر الربانية، وعدم
عمله بالتوجيهات النبوية، وعدم تمسكه بالتعليمات الصحية والوقائية، والله (جل وعلا)
يقول في كتابه العزيز (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة 195) يقول السعدي في تفسيره: "ومن
ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة أو سفر مخوف، أو محل مسبعة أو حيات، أو يصعد شجرا
أو بنيانا خطرا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر ونحو ذلك، فهذا ونحوه ممن ألقى بيده إلى التهلكة"
اهـ.
ومن ثم فحري بالعبد أن يأخذ بسبل الوقاية،
ولقد قيل "الوقاية خير من العلاج"، وربما كانت في بعض الأوقات هي العلاج
، وقيل أيضا: "درهم وقاية خير من قنطار علاج" فما دام الإنسان يستطيع أن
يتوقى المرض أن يستوطن جسده، فلهو خير ملايين المرات من أن يهمل نفسه حتى يصيبه
المرض ثم يلجأ إلى علاج أو دواء، علما بأن هذا الأخذ بأسباب وسبل الوقاية لا
يتعارض مع قول الله (عز وجل) (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا)
الأحزاب3) أو قوله تعالى (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين)
المائدة 23) أي لا ينافي أبدا التوكل على الله (عز وجل) بل هو منه، فقد قال رجل يا
رسول اللّه، أعقلها، وأتوكّل، أو أطلقها، وأتوكّل؟ - يعني ناقته- فقال (صلى الله عليه
وسلم): (اعْقِلْهَا، وَتَوكّلْ)، فاذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يوجه الى
الاخذ بالأسباب في شيء قليل مثل، هذا فكيف بما فيه سلامة الجسد ؟ وإن من سبل الوقاية:
- العناية بالنظافة؛ فهي جزء من حياة المسلم،
وطابع لا غنى له عنه؛ ولا أدل على حرص الإسلام على الطهارة من دخولها في صلب الأحكام
الشرعية وجعلها مفتاحا، بل شرطا، لركن من أركان الإسلام، إذ يقول المولى جل وعلا (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ... ) المائدة6) وعَنْ عَلِيٍّ
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)"
مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ ..." رواه أبو داود) ولم يكتف الإسلام بدعوة
الإنسان إلى النظافة عند الصلاة وفقط، بل استكمل الصورة لتشمل جميع الاوقات، ولتشمل
الجسد والملبس والبيت والشارع والبيئة المحيطة؛ فقد قال الله (جل وعلا) (وَثِيَابَكَ
فَطَهّرْ) المدثر4) وقال سبحانه (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ
مَسْجِدٍ) الأعراف 31) وقال صلى الله عليه وسلم " طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ
" رواه الطبراني) وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ ، قَالَ : قُلْتُ :
" يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ، قَالَ
: أَمِطِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ " الأدب المفرد للبخاري) كما نهَى الإسلام عن النفخ في الطعام أو التنفس في الإناء
حال الشرب؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا
يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ " رواه البخاري( وعن وضع اليد في الاناء قبل غسلها،
فقال النبي (صلى الله عليه وسلم)" إِذَا
اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى
يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا".
- إن الناظر في السيرة النبوية المطهرة
يجد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو أكرم خلق الله على الله (عز وجل)، وهو أقوى الخلق إيمانًا وأعظمهم توكلًا
على الله (سبحانه وتعالى) ومن علمنا كيف يكون الإسلام والإيمان والإحسان، قد أخذ بالأسباب،
وحث على الأخذ بها، كما أخذ بها الصحابة الأطهار (رضي الله عنهم) ولقد ضرب لنا عمر
بن الخطاب (رضي الله عنه) أروع الأمثلة في الأخذ بالأسباب الوقائية بالحذر وتجنب
المخالطة؛ فلما خرج ذاهبا إلى بلاد الشام، ومعه بعض الصحابة، علم
في الطريق أن مرض الطاعون قد انتشر في الشام، ومات به الكثير، فقرر الرجوع، ومنع من
معه من دخول الشام. فقال له الصحابي الجليل أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ
(رضي الله عنه): أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ:
لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ؟ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ
إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ،
إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ
رَعَيْتَ الخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا
بِقَدَرِ اللَّهِ؟ فجاء عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي
بَعْضِ حَاجَتِهِ - فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ
فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا
فِرَارًا مِنْهُ".
- ولعل أيضا من الاحترازات الوقائية: عدم
المعانقة والتقبيل وأيضا تقليل المصافحة، وكذلك منها تغطية الانف والفم عند العطس
والكحة بمنديل ونحوه، فهو من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) فعن أبي هريرةَ (رضي
الله عنه) قَالَ: "كَانَ رَسُولُ الله ( صلى الله عليه وسلم) إذَا عَطسَ وَضَعَ
يَدَهُ أَوْ ثَوبَهُ عَلى فيهِ، وَخَفَضَ أوْ غَضَّ بَها صَوْتَهُ". رواه أَبُو
داود والترمذي). وعلى الجانب الآخر إذا أصيب إنسان بشيء من الأمراض المعدية
(عافانا الله جميعا منها) فعليه أن يتجنب مخالطة الآخرين حفاظا على صحتهم وحرصا
على سلامتهم، ودفعا للضرر عنهم، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) " لاَ ضَرَرَ
وَلاَ ضِرَارَ" رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما) وقال : "لاَ يُؤْمِنُ
أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" متفق عليه) وقال
أيضا: "لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ" متفق عليه) كما عليه
أيضا أن يأخذ بأسباب التداوي: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)عَنْ
النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ:" مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً" (رواه البخاري).
كما يجدر بنا أن لا نترك أبواب الدعاء
والتضرع الي الله (سبحانه وتعالى)، فقد قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ
مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ
يَضَّرَّعُونَ) الأعراف94) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ
الدُّعَاءَ" رواه الطبراني) ؛ ولقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ عافِني في بَدَني، اللهم عافِنِي
في سَمْعِي، اللَّهُمَّ عافني في بَصَري" ومنه أيضا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ،
وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ" أبو داود)وعن عثمان بن
عفان (رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)" مَا مِنْ
عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ اللَّهِ
الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ "رواه
الترمذي وقال: حسن صحيح غريب) ويقول أيضا " مَنْ قَالَ حِينَ يُمْسِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ
بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ حُمَةٌ
تِلْكَ اللَّيْلَةِ". وعن عبد الله بن خبيب (رضي الله عنه) قال :"خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ
رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيُصَلِّيَ لَنَا ،
فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : أَصَلَّيْتُمْ ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . فَقَالَ
:" قُلْ ". فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ : "قُلْ ".
فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا . ثُمَّ قَالَ :" قُلْ ". فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ، مَا أَقُولُ ؟ قَالَ : قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )
وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ) أبو داود والترمذي).
(اللهم عافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف عنا شر ما
قضيت، واصرف عنا وبلادنا البلاء، واحفظ مصر وجيشها وشعبها من كل مكروه وسوء)
=====
كتبه =====
محمد حســـــــن داود
إمام وخطيب ومدرس