recent
آخر المشاركات

خطبة بعنوان : الوفـاء وحفـظ الجميـل - للشيخ / محمد حســـــن داود (19 محرم 1443هـ - 27 أغسطس 2021م)

 

خطبة بعنـــــــوان :
الوفــــــاء وحفــظ الجميـــــل
للشيخ / محمد حســـــن داود
19 محرم 1443هـ - 27 أغسطس 2021م


العناصــــــر:      مقدمة :
-
 الوفاء وحفظ الجميل من شيم الأتقياء وأخلاق الفضلاء.
- نماذج للوفاء وحفظ الجميل من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه.
- صور للوفاء وحفظ الجميل.
-
دعوة إلى الوفاء وحفظ الجميل.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة 237) ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللهِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ " (رواه أحمد)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن من شيم الأتقياء وأخلاق الفضلاء، وشمائل النبلاء: "الوفاء وحفظ الجميل" فالوفاء خصلة كريمة من خصال الإسلام، وشعبة عظيمةٌ من شُعبِ الإيمان، وشيمة كريمة من شِيم الرجال، وإن كان في الجاهلية قد جعلوا له بعض شأن، فما ظنكم بالإسلام وقد جاء مشيدا بنيان الأخلاق، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّمَا بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ" (الأدب المفرد للبخاري)

إن الناظر في آيات القران الكريم يجد دعوة الإسلام إلى الوفاء؛ فقد قال تعالى (وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة 237) فبالوفاء مدح انبياءه (عليهم الصلاة والسلام) فقال تعالى في إبراهيم عليه السلام (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (النجم37) وقال في إسماعيل عليه السلام ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ (مريم54).

 ولقد ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في الوفاء إذ كان يحفظ الجميل لأهله، والفضل لأصحابه؛ صلوات ربي وتسليماته عليك يا سيدي يا رسول الله، يا من قلت في الحديث الشريف: "وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ " (رواه احمد). فما أعظم وفاؤه صلى الله عليه وسلم، إذ يقول في أبى بكر (رضي  الله عنه) "إِنَّ آمَنَ النَّاسِ عَلِيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا؛ وَلَكِنْ خَلَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقِيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ " وفي الأنصار يقول: "فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ"(رواه أحمد) وما أعظم وفاؤه حتى لمن خالفه؛ فلم يجحد دخوله مكة في جوار الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ، بعد عودته من رحلة الطائف، حتى بعد وفاته ،فيقول في أسرى بدر" لو كان المطعم بن عدى حيا، ثم كلمني في هؤلاء لتركتهم له".

وعلى هذا الخلق العظيم كان صحابته (رضي الله عنهم) فأنظر فعل أبو بكر (رضي الله عنه) مع النبي (صلى الله عليه وسلم) حينما خرجا مهاجران، إذ يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "لَقَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِيَنْطَلِقَ إِلَى الْغَارِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ يَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْهِ، وَسَاعَةً خَلْفَهُ حَتَّى فَطِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا لَكَ تَمْشِي سَاعَةً بَيْنَ يَدَيْ وَسَاعَةً خَلْفِي؟" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَذَكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ، ثُمَّ أَذَكَرُ الرَّصْدَ، فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟" قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا كَانَتْ لِتَكُونَ مِنْ مُلِمَّةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِي دُونَكَ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الْغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الْغَارَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَأَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِئِ الْحُجْرَةَ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَتَّى أَسْتَبْرِئَ الْحُجْرَةَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَأَ، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَنَزَلَ" (رواه الحاكم في المستدرك وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، لَوْلَا إِرْسَالٌ فِيهِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ)

إن مما لا شك فيه أن أعلى درجات الوفاء وأسماها، وأجلها وأرقاها، وفاء الإنسان مع ربه الذي خلق نفسه وسواها، ورفع قدرها وأعلاها، وذلك بالالتزام بأمره ونهيه، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ) (الأعراف 172)، ولقد علمتم أمر هؤلاء الثلاثة: الأبرص، والأقرع، والأعمى، فقد أفاض الله عليهم بالخير، لكن جحد الأبرص والأعمى فضل الله ونعمه، أما الأعمى فقد حفظ النعمة وتحلى بالوفاء، فكان الجزاء في قول الملك للأعمى: " فقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ علَى صَاحِبَيْكَ" (القصة بتمامها في صحيح البخاري، حديث رقم 3464).

وما أعظم وأزكي وأطيب الوفاء للوطن بالحفاظ عليه والدفاع عنه والعمل الجاد على تقدمه ورقيه ورفعته، ولقد ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في الوفاء للوطن، إذ يوجه الأمة جميعها أن تجيد للوطن الانتماء، وأن تحسن له الولاء, وان تخلص له الوفاء، داعيا إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم، إلي عمل وجد ودفاع عنه وحفاظ عليه ورعاية له وتضحية من اجله؛ إذ يلقى صلى الله عليه وسلم درسا بليغا يقرع كل الآذان ويتردد رجع صداه في كل زمان ومكان, وذلك عندما خرج مهاجرا، ووصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال: "وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ"، وفي رِوَاية: "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ"(رواهُ التِرْمِذِي). وعندما وطأت قدمه وطنه الثاني (المدينة) يتوجه إلى الله داعيا أن يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة، كما في صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)"اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ...". وما أروع قول الأصمعي "إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه".

كذلك من أعظم صور الوفاء وحفظ الجميل: بر الوالدين ؛ فهما أحق الناس بالوفاء والبر، والإحسان والعطاء، وفاء لما بذلا، وجزاء بما قدما وفعلا، وبهذا مدح الله انبياءه ورسله، فقد قال تعالى حكاية عن نوح (عليه السلام): (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَاراً))(نوح 28)، وعن عيسى (عليه السلام): (وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً)(مريم 32) ولقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول اللّه، منْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: "أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَبُوكَ " (رواه البخاري) فبرهما من أعظم الحقوق على العباد بعد حق الله تعالى، إذ قرن الله تعالى الدعوة إلى بر الوالدين بالدعوة إلى توحيده في أكثر من أية في القران الكريم، منها  قوله تعالى (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا )(الاسراء23) وما زال النبي (صلى الله عليه وسلم) يؤكد على بر الوالدين حتى قال: " رِضَا اللهِ مِنْ رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللهِ مِنْ سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ "( رواه البيهقي في شعب الإيمان) ولقد وجه النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى بر الوالدين والوفاء لهما حتى بعد موتهما؛ فعنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جلوس عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ), إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ فقَالَ:" نَعَمْ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا, وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا" (رواه أبو داود)

ومن أجمل صور البر والوفاء ما كان بين الزوجين بحسن العشرة، فقد قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم21) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "اتقوا اللهَ في النَّساء، فإنكَم أخذتموهُنَّ بأمانةِ الله، واستحللتُم فُروجَهُنَّ بكلمةِ الله،" وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" (رواه مسلم) ولقد ضرب لنا النبي (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في ذلك، إذ يقول: في حق أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) " مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ " (رواه أحمد) كما كان صلى الله علي وسلم يكرم صديقاتها ومن كان يحبها وفاء لها، فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا أُتِيَ بِالشَّيْءِ يَقُولُ: "اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةٍ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ" (الأدب المفرد للبخاري) وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ أَنْتِ؟" قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: "بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟" قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: "إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ" (مستدرك الحاكم)

ومن الوفاء رد الأمانات، ففيها مع الوفاء حفظ للجميل لمن رأى فيك الثقة فائتمنك على عرض أو سر أو مال وديعة أو قرض، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ"  وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): "أدِّ الأمانةَ إلى مَنِ ائْتمَنكَ، ولا تَخُن مَنْ خَانَك"َ  (رواهما أبو داود) ولا ننسى وفاءه( صلى الله عليه وسلم) في يوم البر والوفاء، يوم فتح مكة  لما أخذ مفتاح الكعبة من بني طلحة حُجَّاب البيت، فلما انتهى من الكعبة كان المفتاح مع علي (رضي الله عنه): فقال يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك، فقال (صلى الله عليه وسلم): "أين عثمان بن طلحة؟" فدعي له فقال: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليومُ يومُ بِرٍّ ووفاء" ثم تلا قول الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء 58)

ومن الوفاء: الوفاء للمعلم والاعتراف بفضله، باحترامه وتوقيره، والتواضع له، والدعاء له، فهذا الإمام أبو حنيفة (رحمه الله) يتحدث عن احترامه لشيخه حماد، فيقول: "ما مَدَدتُ رِجلِي نحوَ دارِ أُستاذِي حماد إجلالًا له، وكانَ بين داري ودارهِ سبعُ سِكَك، وما صليتُ صلاةً مُنذ ماتَ حماد إلا استغفَرتُ له مع والدَي". وقال الإمام أحمد عن شيخه الشافعي (رضي الله عنهما): "ما بِتُّ مُنذ ثلاثين سنةً إِلا وأنا أدعو للشافِعِيِّ وأستغفرُ لَهُ".

فما أعظم أن نمتثل هذه القيمة النبيلة والخلق الرفيع، فنكون أهل وفاء وحفظ الجميل، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) " أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" (رواه الترمذي) وقال أيضا: "أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللهِ عِنْدَ اللهِ  يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ " (رواه أحمد)

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، وأحفظ مصر من كل مكروه وسوء.

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----         اضغط هنا 


لتحميــل الخطبة  word   جوجل درايف    -----        اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word جوجل درايف (نسخة أخرى)  اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf    جوجل درايف     ----         اضغط هنا  


google-playkhamsatmostaqltradent