خطبة بعنـــــــوان :
جبر الخواطر وأثره على الفرد والمجتمع
للشيخ /
محمد حســـــن داود
12 محرم 1443هـ - 25 أغسطس 2021م
العناصــــــر: مقدمة :
- مكانة، ودرجة، ودعوة الإسلام
إلى جبر الخواطر.
- نماذج لجبر الخواطر من القرآن والسنة.
- صور لجبر الخواطر بين الناس.
- أثر، وفضل جبر الخواطر.
- دعوة إلى جبر الخواطر.
الموضوع: الحمد
لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
(الحج 77)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا
محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ
أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ" (رواه مسلم)، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم:
" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي،
وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي" (رواه الترمذي)، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن من العبادات الكريمة والأخلاق الطيبة
والقيم النبيلة التي حث عليها الإسلام ودعا إليها: "جبر الخواطر"، فهو خلق
إسلامي عظيم، وقيمة عالية نبيلة، وأدب شرعي قويم، يدل على سمو نفس، وعظمة قلب، وسلامة
صدر، ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوسًا كسرت، وقلوباً فطرت، وأجساماً أرهقت، فما
أجمل هذه العبادة وما أعظم أثرها، إذ كان من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)"
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي"
(رواه الترمذي)، يقول سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلي ربه مثل
جبر خاطر أخيه المسلم".
وإن مما يعطي هذه القيمة قدرا ومكانة
أن من معاني اسم الله (عز وجل) "الجبار" أنه سبحانه يجبر الخواطر؛ يجبر القلب
الكسير، ويُغني عبده الفقير، ويُيسر على المعسر كل عسير، ويغفر الذنب الصغير
والكبير.
لقد تفضل الله (عز وجل) على عباده، فجبر
خواطرهم، وطيب نفوسهم، فهذا سيدنا زكريا (عليه السلام) يجبر الله بخاطره عندما دعاه
أن يجعل له ولدا؛ يقول تعالى (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ
امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ
يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ
اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ) (مريم 4-7) ، وهذا
سيدنا أيوب(عليه السلام) ، قال تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ
مِنْ ضُرٍ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى
لِلْعَابِدِينَ )(الأنبياء 83، 84) وها هو سيدنا إبراهيم (عليه السلام) قال: ( رَبِّ
هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات100) فكانت الاجابة؛ في قوله تعالى ( فَبَشَّرْنَاهُ
بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (الصافات101) وهذا سيدنا يونس (عليه السلام)، وهو في ظلمات الليل
والبحر وبطن الحوت؛ قال تعالى (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن
لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ
إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ
وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)(الأنبياء 87، 88) وهذه أم سيدنا موسي (عليه السلام) حين تفطر
قلبها على ولدها (عليه السلام) خوفـا عليه، رده الله (عز وجل) إليها؛ جبرًا لخاطرها،
قال تعالى ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ
تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (القصص 13)، ولما أُخرج نبينا (صلي الله عليه وسلم)
من وطنه مكة جبر الله تعالي خاطره، وأوحى إليه في طريقه إلي المدينة قوله (عز وجل):
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾(القصص 85) أي:
إلي مكة مرة أخرى، وما اعظم قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ
) (الضحى5).
إن جبر الخواطر عبادة عظم الله شأنها، فهي
جوهرة تتلألأ في عقد أخلاق الفضلاء، تزين بها الكرماء، وحاز منها سيد الأنبياء النموذج
الأعلى، فكان من شيمه المباركة، وأخلاقه الطيبة، وكيف لا؟ وقد قال فيه ربه سبحانه (
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) ( القلم 4) وقال سبحانه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَّحِيمٌ) (التوبة128) وقال عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
) (الأنبياء107)، ومن ذلك:
ما جاء عن مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ، عَنْ
أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِذَا جَلَسَ
يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ
مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ، فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهَلَكَ فَامْتَنَعَ الرَّجُلُ
أَنْ يَحْضُرَ الْحَلْقَةَ لِذِكْرِ ابْنِهِ، فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ: "مَالِي لَا أَرَى فُلَانًا؟"
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بُنَيُّهُ الَّذِي رَأَيْتَهُ هَلَكَ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَسَأَلَهُ عَنْ بُنَيِّهِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ
هَلَكَ، فَعَزَّاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا فُلَانُ، أَيُّمَا كَانَ أَحَبُّ
إِلَيْكَ أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أَوْ لَا تَأْتِي غَدًا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ إِلَّا وَجَدْتَهُ قَدْ سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ"، قَالَ:
يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَلْ يَسْبِقُنِي إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَفْتَحُهَا لِي لَهُوَ
أَحَبُّ إِلَيَّ، قَالَ: "فَذَاكَ لَكَ" (رواه النسائي) وعن أنس بن مالك:
" أنَّ امْرَأَةً كانَ في عَقْلِهَا شيءٌ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي
إلَيْكَ حَاجَةً، فَقالَ: يا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حتَّى
أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ، فَخَلَا معهَا في بَعْضِ الطُّرُقِ، حتَّى فَرَغَتْ مِن حَاجَتِهَا"
(رواه مسلم) ولما كشفت الريح يومًا عن ساقَي ابن مسعود (رضي الله عنه) فضحك القوم منه،
فجبر النبي (صلى الله عليه وسلم) خاطره، وأعلى شأنه وبيَّن مكانتَه عند ربه، فقال:
" الَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ "(رواه أحمد).
وعندما جاء فقراء المهاجرين فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى،
وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: "وَمَا ذَاكَ؟" قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا
نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ
وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفَلَا
أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟
وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ"
قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللهِ قَالَ: "تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ،
دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً " (رواه مسلم) وحتى الأطفال كان لهم من جبر الخاطر مع
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نصيب فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:" كانَ
رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ) أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكانَ لي
أَخٌ يُقَالُ له: أَبُو عُمَيْرٍ، قالَ: أَحْسِبُهُ، قالَ: كانَ فَطِيمًا، قالَ: فَكانَ
إذَا جَاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَرَآهُ، قالَ: أَبَا عُمَيْرٍ
ما فَعَلَ النُّغَيْرُ(طائر صغير كالعصفور) قالَ: فَكانَ يَلْعَبُ بهِ". (رواه
مسلم). بل إنه صلى الله عليه وسلم جبر بخواطر أمته جميعا في أكثر من موضع، ومن ذلك
حينما رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: "اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي"، وَبَكَى،
فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ
أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟" فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ (الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ)، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: " يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى
مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ "
(رواه البخاري) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ووَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا
إِخْوَانَنَا " قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانُكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:
” بَلْ أَنْتُمْ أَصْحابِي، وَإِخْوَانُنَا لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ "، فَقَالُوا:
كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:
” أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ
خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ ” فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،
قَالَ: ” فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ
عَلَى الْحَوْضِ "(رواه مسلم).
وعلى هذا الخلق الطيب والقيمة النبيلة
كان الصحابة رضي الله عنهم، فما كان كعب بن مالك ينساها لطلحة يوم أن ذهب إلى المسجد
متهللًا مستبشرًا بعد أن نزلت توبته بعدما تخلف عن غزوة تبوك ؛ فقام واستقبله فرِحًا
لفرحه فاحتضنه واقتسم معه سعادتَه وفرحته، يقول كعب: "والله لا أنساها لطلحة".
وما كانت أم المؤمنين عائشة لهذه المرأة الكريمة لما دخلت عليها فوجدتها تبكى (وقت
حادثة الافك) فبكت معها كثيرًا دون أن تنطق كلمة. قالت: عائشة : "لا أنساها لها"
إن الناظر في الشريعة الإسلامية بجد أنها
جاءت بجبر خواطر الناس جميعـًا، لا سيما الضعفاء منهم، قال تعالي: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ (الضحى 8، 9) ومن ثم فإن من
جبر الخواطر المشاركةُ في سرور وفرح، أو ترح، وإجابة السائل، وتفريج الكروب، وكساء
العراة، وإطعام الجوعى، ومداوة المريض، فقد قال صلى الله عليه وسلم "أحبُّ الناسِ
إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ
عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً ..." (رواه الطبراني
)
ومنه طيب الكلام وحسن المقال، قال
تعالى (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة83) وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (رضي الله
عنه) أَنَّ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ
فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا،
ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".
ومنه البشاشة وطلاقة الوجه، وقد قال النبي (صلى
الله عليه وسلم)" لا تَحقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوف شَيْئًا، وَلَو أنْ تَلقَى أخَاكَ
بوجهٍ طليقٍ " (رواه مسلم).
وليكنْ لأهلِكَ من جبرِ الخواطرِ حظ
واسع ونصيب كبير، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما)، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)، قَالَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا
خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" (رواه الترمذي)
إن لجبر الخواطر أثرا عظيما وفضلا
كبيرا، ففيه إشاعة المحبة والألفة والمودة والتكافل والتراحم بين الناس ولقد قال
الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (الحج 77) ويقول
النبي (صلى الله عليه وسلم) "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ
فَلْيَفْعَلْ" (رواه مسلم)
فمن جبر خواطر الناس جبر الله خاطره،
ومن يسر على معسر يسر الله عليه، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه من كرب
الاخرة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "مَن نَفَّسَ عن مسلم كُرْبةً مِن كُرَبِ
الدُّنيا، نَفسَ الله عنه كُرْبةً من كرب يوم القيامة، ومَن يَسَّرَ على مُعْسِرٍ،
يَسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرَة، ومَن سَتَر على مسلمٍ، سَتَرَ الله عليه
في الدُّنيا والآخرة، واللهُ في عَونِ العبد ما كان العبدُ في عَونِ أخيه"
(رواه أبو داود والترمذي) وعن أم سلمة (رضي الله عنها) أن النبي (صلى الله عليه
وسلم) قال: " صَنائِعُ
المعروفِ تَقِي مَصارعَ السُّوءِ، والصَّدقةُ خُفيًا تُطفِئُ غضَبَ الرَّبِّ، وصِلةُ
الرَّحِمِ زيادةٌ في العُمُرِ، وكلُّ مَعروفٍ صَدَقةٌ، وأهلُ المعروفِ في الدُّنيا
هُمْ أهلُ المعروفِ في الآخِرَةِ،" (رواه الطبراني في الأوسط) ولقد علمتم هذا
الرجل الذي كان يداين الناس وكان يجبر بخواطر المعسرين، فعَنْ أَبي
مسْعُودٍ البدْرِيِّ، (رضي الله عنه)، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه
وسلم): حُوسب رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ
شَيءٌ، إلاَّ أَنَّهُ كَان يُخَالِطُ النَّاس، وَكَانَ مُوسِرًا، وَكَانَ يأْمُرُ
غِلْمَانَه أنْ يَتَجَاوَزُوا عَن المُعْسِر. قَالَ اللَّه تعالى: نَحْنُ أحقُّ
بِذَلكَ مِنْهُ، تَجاوَزُوا عَنْهُ" (رواه مسلمٌ)، وقديماً قالوا:
"من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه اللهُ في جَوفِ
المَخاطرِ".
نسأل الله أن يجعلنا من أهل الخير وجبر
الخواطر
وأن يحفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
ماجستير في الدراسات الإسلامية
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا