خطبة
بعنــــوان:
محاسبة النفس ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها
للشيخ/ محمد حســــن داود
(29 جمادى
الأولى 1444هـ - 23 ديسمبر
2022م)
العناصـــــر :
مقدمة.
- دعوة الإسلام إلى محاسبة النفس.
- محاسبة النفس في حياة السلف الصالح.
- مما يعين العبد على محاسبة نفسه.
- أثر محاسبة النفس وفضائلها.
- محاسبة النفس ماذا قدمت لدينها ودنياها ووطنها.
- عظة في محاسبة النفس.
الموضــــــوع:
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر18) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف" الْكَيِّسُ مَنْ
دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ
هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ " (رواه الترمذي) اللهم صل وسلم وبارك عليه
وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن الأيام تتعاقب، والشهور تتوالى، والسنون
تتلاحق، والأعمار تطوى، والآجال تقضى، ويوم القيامة يقف الإنسان للحساب (يَوْمَ تَجِدُ
كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ
لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) (آل عمران30) يُسأل عن الصغير،
والكبير، والقليل، والكثير (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة 7/8)
لذا لزم أهل العقول والنهى تزكية النفس
وإصلاحها، ومحاسبتها وتقييم مسارها، قبل أن تقف أمام الله (عز وجل) للحساب والجزاء
والعقاب؛ فقد قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) : "حَاسِبُوا
أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا،
فَإِنَّ أَهْوَنَ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ تَزِنُوا
لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ يَوْمَ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ "
(الزهد للإمام أحمد)
إن القرآن الكريم يدعو كل عبد أن يقف مع
نفسه وقفة محاسبة ومراجعة، كما يقف التاجر الأريب من تجارته أو من شريكه، ينظر فيها
إلى الربح والخسارة، باحثًا عن الأسباب، متأملا في الخطأ والصواب، فقد قال تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )(الحشر18)، فإذا كان
بعضا من الناس يمر عليه الليل وهو يتلوى من الحسرة والندامة على تجارة فاتته، وإذا
كان بعضا يعيش حالة الندم إذا ضاعت منه فرصة مالية، فكيف بمن يخسر نفسه إن تركها للذنوب
والمعاصي دون محاسبة، وقد قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا
أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
) (الزمر15)، ورضي الله عن ابن مسعود، إذ يقول: "ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يوم
غربت شمسه نقصَ فيه أجلي ولم يزد فيه عملي".
كما دعانا النبي (صلى الله عليه وسلم)إلى
محاسبة النفس، فإنه لا أغرق غفلة ممن يعلم أنه يُحصى عليه مثاقيل الذر، وسيواجَه بما
عمل من خير أو شر، ثم يترك نفسه دون محاسبة، إذ يقول: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ
نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا
وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ ". ولما سُئِل أَىّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ، قَالَ:
"أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا،
أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ".
ولقد ضرب لنا الصحابة (رضي الله عنهم)
خاصة، والسلف الصالح، أروع الأمثلة في محاسبة النفس، فعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ،
قَالَ: "لَقِيَنِي أَبُوبَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ:
قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ
عِنْدَ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ
وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ
اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ
وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُوبَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى
مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ
اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ
اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "وَمَا ذَاكَ؟"
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ،
حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ
وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى
مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ
وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
" (رواه مسلم). وروى الإمام مالك في الموطأ، عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، (رضي الله عنه)، دَخَلَ
عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، (رضي الله عنه)، وَهُوَ يَجْبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ
لَهُ عُمَرُ: "مَهْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ
هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ". وعن
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: "سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا وَخَرَجْتُ
مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ حَائِطًا، فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ
جِدَارٌ وَهُوَ فِي جَوْفِ الْحَائِطِ: عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، بَخٍ بَخٍ وَاللَّهِ
يَا ابْنَ الْخَطَّابِ لَتَتَّقِيَنَّ اللَّهَ أَوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ" (معرفة
الصحابة، لأبي نعيم). وهذا الربيع بن خثيم، وقد حفر في داره قبراً
فكان إذا وجد في قلبه قسوة جاء فاضطجع في القبر ثم يقول: (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) (المؤمنون99- 100)، ثم يرد على نفسه: قد أرجعتك
فجد (إحياء علوم الدين). وكان الأحنفُ بن قيسٍ يجيءُ إلى المصباحِ فيضعُ إصبَعهُ فيه
ثم يقول: يا حُنيف، ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ كذا ؟ ما حمَلَكَ على ما صنعتَ يومَ
كذا ؟
هكذا كان الصحابة والسلف الصالح
يحاسبون أنفسهم على مدار الوقت ويقفون مع أنفسهم يدققون النظر والفكر في أعمالهم، إذ
يقول إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: "مَثَّلْتُ نَفْسِي فِي النَّارِ أُعَالِجُ أَغَلَالَهَا
وسَعِيرَهَا آكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا وَأَشْرَبُ مِنْ زَمْهَرِيرِهَا فَقُلْتُ: يَا
نَفْسُ إِيشْ تَشْتَهِينَ؟ قَالَتْ: أَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ عَمَلًا
أَنْجُو بِهِ مِنْ هَذَا الْعِقَابِ، وَمَثَّلْتُ نَفْسِي فِي الْجَنَّةِ مَعَ حُورِهَا
وأَلْبَسُ مِنْ سُنْدُسِهَا وإِسْتَبْرَقِهَا وَحَرِيرِهَا قُلْتُ: يَا نَفْسُ إِيشْ
تَشْتَهِينَ؟ قَالَ: فَقَالَتْ: أَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا فَأَعْمَلَ عَمَلًا أَزْدَادُ
فِيهِ مِنْ هَذَا الثَّوَابِ، قُلْتُ: فَأَنْتَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْأُمْنِيَةِ"(الزهد،
للإمام أحمد).
كما كانوا يتواصون فيما بينهم بمثل
هذا؛ فقد كتب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى بعض عماله" أَنْ حَاسِبْ نَفْسَكَ
فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ ، فَإِنَّهُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الرَّخَاءِ
قَبْلَ حِسَابِ الشِّدَّةِ عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى الرِّضَا وَالْغِبْطَةِ وَمَنْ أَلْهَتْهُ
حَيَاتُهُ وَشُغْلُهُ بِهَوَاهُ عَادَ مَرْجِعُهُ إِلَى النَّدَامَةِ وَالْحَسْرَةِ
" (شعب الإيمان، للبيهقي).ويقول حاتم الأصم: "تَعَاهَدْ نَفْسَكَ
فِي ثَلَاثِ مَوَاضِعَ، إِذَا عَمِلْتَ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْكَ،
وَإِذَا تَكَلَّمَتَ فَانْظُرْ سَمَعَ اللَّهِ مِنْكَ، وَإِذَا سَكَتَّ فَانْظُرْ عِلْمَ
اللَّهِ فِيكَ" .
إن مما يعين العبد على محاسبة نفسه: أن
يعلم أن الله مطلع على سره وعلانيته، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
(النساء1) ويقول (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصُّدُورِ) (الملك13) وأنه مسئول عن كل فعل يوم القيامة، قال الحسن البصري:
"إِنَّ الْمُؤْمِنَ قَوَّامٌ عَلَى نَفْسِهِ، يُحَاسِبُ نَفْسَهُ لِلَّهِ, وَإِنَّمَا
خَفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا,
وَإِنَّمَا شَقَّ الْحِسَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الْأَمْرَ
عَلَى غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ ".
- إن محاسبة النفس من سمات أهل الإيمان،
إذ يقول الحسن البصري في قوله تعالى( وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ )
(القيامة 2): "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا تَرَاهُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ يَقُولُ
: مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي، يَقُولُ: مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي، مَا أَرَدْتُ بِحَدِيثِ
نَفْسِي ، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا يُعَاتِبُهَا" (الزهد، للإمام احمد).
- وهى من علامات التقوى، كما بين القرآن
الكريم، أن من صفات المتقين محاسبة النفس، قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً
أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
(آل عمران 135) وقال ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ (الأعراف2019) وعن ميمون بْنَ مِهْرَانَ، أنه
قال" لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يُحَاسَبَ نَفْسَهُ أَشَدَّ
مِنْ مُحَاسَبَةِ شَرِيكِهِ، حَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ، وَمِنْ أَيْنَ
مَلْبَسُهُ، وَمِنْ أَيْنَ مَشْرَبُهُ، أَمِنْ حِلٍّ ذَلِكَ أَمْ مِنْ حَرَامٍ ؟
" (حلية الأولياء)
- ومن ثم، فإن محاسبة النفس طريق للنجاح،
وسبب للفلاح، وعلامة للسعادة، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى
النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ (النازعات 40/41)
- توقظ الضمير: فمن حاسب نفسه خاف ربه،
وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ
وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك12) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ
(عَزَّ وَجَلَّ): وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ
لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة " .
تدفع النفس إلى الإكثار من صالح
الأعمال، وكذلك الاستقامة على طاعة الله: وهذا جماع الخير ورأس الفضائل، وطريق الفوز
والفلاح، فقد قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا
بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا
مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ) (فصلت30-32)
- تظهر للإنسان ذنوبه وعيوبه، فتكون
باب توبة ورجوع إلى الله (جل وعلا)، وقد قال سبحانه (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا
أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور 31)
إن محاسبة النفس لا تقف عند إقامة
شعائر الإسلام وأداء أركانه من صلاة وصيام وزكاة وحج، بل إن الأمر أوسع من ذلك، فيمتد
ليشمل ما قدمت لعمارة الكون، وماذا قدم الإنسان لأهله ووطنه والإنسانية من علم نافع
وعمل جاد، إذ إن مفهوم العبادة يتسع ليشمل كل عمل خير وقول معروف؛ فقد قال تعالى:
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
(الأنعام 162) فمن العبادة أيضا: حسن الخلق وامتثال أحسن
الصفات، والبعد عن ذميمها، فلما سُئِل النبي (صلى الله عليه وسلم) أَىُّ الْمُؤْمِنِينَ
أَفْضَلُ قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" (ابن ماجه)
كذلك من العبادة والطاعة: تقديم الخير على
اختلاف ألوانه؛ فكل عمل يخفف به الإنسان كربة مكروب، ويرسم به البسمة على الوجوه والفرحة
في القلوب، هو عبادة وطاعة، وكل عمل أو قول يهدي به الإنسان حائرا، أو يعلم جاهلا،
هو عبادة وطاعة، وقد قال تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
(الحج 77)
كما أن العمل وإتقانه وعمارة الكون
عبادة وطاعة، فقد قال تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا
فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك 15) فالإسلام
دين يدعو الناس ويحثهم على عمارة دنياهم وأخراهم على السواء، ففي الاهتمام بأحدهما
وإغفال الأخرى بُعد عن التوازن، ولقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يسأل ربه أن يعمر
دنياه وأخراه، فما أكثر ما كان يدعو بهذا الدعاء القرآني(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا
حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة201)، ومن دعائه
أيضا: "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي
دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي"
(مسلم)
ومن ثم فالواجب علينا أن ننظر في أعمالنا
وأقوالنا ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب، فمن كان محسنا في عمله فليحمد الله وليزداد،
فقد قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِين) (الحجر99) ومن وجد
غير ذلك فليقلع وليرجع إلى الله تعالى فهو سبحانه القائل (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (الزمر 53)
نسأل الله أن يجعلنا ممن حاسبوا أنفسهم ففازوا
وأن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا