خطبة
بعنــــوان:
الــدِّيــــــنُ يـُســـــــــر
التيسير في العبادات والسماحة في المعاملات
للشيخ/ محمد حســــن داود
(13 جمادى الآخرة 1444هـ - 6 يناير 2023م)
العناصـــــر : مقدمة.
- الدين يسر.
- السماحة والتيسير في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم).
- الإسلام دين السماحة والتيسير.
- التيسير في العبادات والسماحة في المعاملات.
- دعوة إلى تحقيق معاني السماحة.
الموضـــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل
في كتابه العزيز (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)
(البقرة 185) وقال جل وعلا (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا
مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة 286) وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف:
"إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ" (رواه أحمد) ويقول صلى
الله عليه وسلم: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا
غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ
وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ" (رواه البخاري) اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله
وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
إن من أجل مظاهر عظمة الإسلام: أنه دين
يسر، أنه دين التيسير والسماحة، فهو دين في جوهره ورسالته، وأحكامه وتشريعاته،
وجملته وتفصيله: يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يشتت، يقوي ولا يضعف، يبنى ولا يهدم،
رحمة كله، تيسير كله، إنسانية كله، سماحة كله؛ قال تعالى: (وَمَا جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج78) ويقول جل وعلا: (يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة185) ويقول سبحانه:
(يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء28)
ويقول عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة286) ويقول النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ
أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا
بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ"(رواه البخاري) ويقول:
"إِنَّكُمْ أُمَّةٌ أُرِيدَ بِكُمُ الْيُسْرُ" (رواه أحمد) ويقول: "إِنَّ
خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ " (رواه أحمد)،
وعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ السُّلَمِيِّ، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)
قال: "إِنَّ اللهَ (تَعَالَى) رَضِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْيُسْرَ، وَكَرِهَ
لَهَا الْعُسْرَ" قَالَهَا ثَلَاثًا (رواه الطبراني، في الكبير)
إن السماحة والتيسير مبدأ عظيم من
مبادئ الشريعة الإسلامية، وهذا واضح جلي في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) ظاهر
في أقواله وأفعاله، فقد قال الله (جل وعلا) في حقه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِّلْعَالَمِينَ) (الانبياء107) وقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
(التوبة 128) ويقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّما أنا رَحْمةٌ مُهْداةٌ"،
ويقول أيضا:" بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ"، ولما سمع صلى
الله عليه وسلم، هذا الرجل الذي دعا قائلا: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا
وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا. قال له: "لَقَدْ تَحَجَّرْتَ
وَاسِعًا". وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها)، قالت: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ
اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ
مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ
إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ" (متفق عليه).
إن من يتدبر الآيات والأحاديث يرى بكل وضوح
شمول السماحة والتيسير لجوانب الشريعة الإسلامية كلها، ومن ذلك:
- أن فتح الله لعباده باب التوبة
والعفو: إذ يقول جل وعلا (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو
عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (الشورى25).
- يثيب على القليل الكثير: إذ يقول
النبي (صلى الله عليه وسلم): "بينَما رجُلٌ يمشي
بطريقٍ وجَد غُصْنَ شوكٍ على الطَّريقِ، فأخَذه فشكَر اللهُ
له فغفَر له".
- يعطى الجزاء ويعظم الأجر إذا خلصت النية،
حتى وإن لم يوفق صاحبها للعمل: فعَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
كُنَّا مَع النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) في غَزَاة، فَقَالَ:
إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً
إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ" وَفِي روايَةِ:
"إِلاَّ شَركُوكُمْ
في الأَجْر" (رَواهُ مُسْلِمٌ) وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا
مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ له ما كان يعمل صحيحا مقيما" (رواه البخاري)
- من أراد سيئة فتركها خوفا من الله وطمعا
في رحمته، كتبت له حسنة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ
سَيِّئَةً فَلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا
بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا
أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ
عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ"(رواه
البخاري)
- ومع أن في تعدد مكفرات السيئات إشارة
قوية إلى مدى سماحة الشريعة الإسلامية، إلا أن الأعظم أن كانت الفرائض من بينها: ففي
الصلاة يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "الصَّلواتُ الخَمْسُ، والجُمُعةُ
إِلى الجُمُعَةِ، كفَّارةٌ لِمَا بَيْنهُنَّ، مَا لَمْ تُغش الكبَائِرُ" (رواه
مسلم). وفى الصدقات: يقول الله (جل وعلا): (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا
هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ
عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (البقرة271). وفى
الصيام: يقول رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "مَنْ صَامَ
رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".
وفى الحج: يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "منْ حجَّ فَلَم يرْفُثْ، وَلَم
يفْسُقْ، رجَع كَيَومِ ولَدتْهُ أُمُّهُ " (متفقٌ عَلَيْهِ).
-وما زالت الشريعة الإسلامية تؤكد على السماحة
والتيسير، حتى تجلت السماحة في أعظم صورها والتيسير في أجمل معانيه في العبادات:
- ومنها الصلاة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، قَالَ: "إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ
النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ،
وَالْمَرِيضَ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ" (رواه مسلم)
كما أباح الصلاة للمريض على أي وجه يتحقق له من خلاله رفع الحرج، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ
حُصَيْنٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ : كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "صَلِّ قَائِمًا،
فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ"
(رواه البخاري).
وتدبر ماذا قال لهؤلاء: فعن أَنَس بْنَ
مَالِكٍ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ
النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا،
فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؟ قَدْ
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا
أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ
وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا،
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: "أَنْتُمُ
الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ
لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،
فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (رواه البخاري) وعن عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،
أَخْبَرَتْهُ أَنَّ الْحَوْلَاءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ
الْعُزَّى، مَرَّتْ بِهَا، وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،
فَقُلْتُ هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لَا تَنَامُ اللَّيْلَ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) "لَا تَنَامُ اللَّيْلَ
خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا"
(رواه مسلم). ورأى النبي (صلى الله عليه وسلم) حبلاً ممدودًا بين ساريتين فسأل عنه،
فأُخبر أنه لزينب، تتمسك به إذا كسلت عن الصلاة، فأمر صلى الله عليه وسلم بإزالته وقال:
" لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ " (متفق عليه).
وعن جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ
فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي
رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ
عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ، فَمَاتَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أُخبِرَ
بِذَلِكَ فَقَالَ:" قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛
فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ،
وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ
جَسَدِهِ" (رواه أبو داود).
- وفي الصيام: يقول الله (جل وعلا) (وَمَن
كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (البقرة
185).
- وفى الحج: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، فقَالَ: "أَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا"، فقَالَ رَجُلٌ:
أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "لَوْ قُلْتُ : نَعَمْ، لَوَجَبَتْ
وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ : ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ
مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ
، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ
عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ" (رواه مسلم) وفى حجة الوداع؛ كما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وَقَفَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءهُ رَجُلٌ فَقَالَ:
لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: "اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ"
فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: "ارْمِ
وَلاَ حَرَجَ" فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ
شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلَّا قَالَ: "افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ"
(رواه البخاري ومسلم).
- حتى في الكفارات: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ)، فَقَالَ: هَلَكْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ:
وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً
؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟
قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا، قَالَ:
ثُمَّ جَلَسَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِعَرَقٍ فِيهِ
تَمْرٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا
أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"(رواه
مسلم).
لقد دعانا الإسلام إلى السماحة في أسمي
معانيها والتيسير في أبهى صوره، ليس فقط في عباداتنا بل أيضا في حياتنا، في معاملاتنا؛
فلما سٌئل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن أفضل الإيمان؟ قال "الصَّبر والسَّماحة
" (رواه أحمد والبيهقي)
- فمن السماحة: حسن الجوار، وصلة الأرحام، والتراحم، وقضاء
حوائج المحتاجين، وكشف الكرب عن المكروبين، فقد قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ
النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ".
- ومن السماحة ما كان في المعاملة؛ من بيع
وشراء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ،
سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى" (رواه البخاري)، ومن صدق في
التجارة، بعدم الغش والتدليس أو الاحتكار، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "التَّاجِرُ
الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ". ومن
تيسير على المعسرين، فقد قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ
وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(البقرة 280)، وقد قال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم)" إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ،
وَكَانَ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَيَقُولُ لِرَسُولِهِ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ
مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛ لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَلَمَّا
هَلَكَ قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ قَالَ: لَا،
إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِي غُلَامٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ
لِيَتَقَاضَى قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ؛
لَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا. قَالَ اللَّهُ (تَعَالَى): نحن أحقُّ بذلك، قَدْ
تَجَاوَزْتُ عَنْكَ"
فما أحوجنا إلى أن نتمسك بقيم ديننا
وهدى نبينا فنحقق السماحة في ديننا وسلوكنا ومعاملاتنا فقد قال صلى الله عليه وسلم
:"إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهْلَكَ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ". وقال أيضا: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ
الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ" (رواه
مسلم).
اللهم يسر لنا أمورنا، وأهدنا لأحسن
الأخلاق، واصرف عنا سيئها
واحفظ مصر من كل مكروه وسوء
=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف ----- اضغط هنا
لتحميــل الخطبة word جوجل درايف (نسخة أخرى) اضغط هنا
لتحميــل الخطبة pdf جوجل درايف ---- اضغط هنا