recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: الحـــق فـــــي الحيــــــــاة بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية - للشيخ / محمد حســــن داود (19 ربيع الآخر 1445هـ - 3 نوفمبر 2023م)

 

خطبة بعنــــوان:
الحـــق فـــــي الحيــــــــاة
بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية
للشيخ / محمد حســــن داود
(19 ربيع الآخر 1445هـ - 3 نوفمبر 2023م)

العناصر:           مقدمة
- الحق في الحياة
بين الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.
- مدى عناية الإسلام بحق الحياة، وكيف حافظ على هذا الحق .
- عواقب التعدي على حق الحياة.

الموضوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) ( المائدة 32)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: ): " لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" (رواه البخاري)، اللهم صل وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن رسالة الشرائع السماوية رسالة حياة وبناء وإنتاج وتعمير، لا رسالة قتل وهدم وتخريب وتدمير، وإن من أعظم ما جاءت به: حق الحياة، وحفظ النفوس، واحترام إنسانية الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، وفضله على كثير من خلقه بكثير من أنواع التكريم، الذي خلقه لعبادته، وسخر له ما في الكون.

فلقد أجمعت الشرائع السماوية علي ما فيه خير البشرية، وما يؤدي إلي سلامة النفس والمال والعقل والعرض؛ حيث قال تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام 151)، حيث كانت الوصية بحق الحياة إحدى الوصايا التي لم تتغير في شريعة من الشرائع، قال ابن عباس (رضي الله عنهما): "هِيَ مُحْـكَمَاتٌ، وَأَجْمَعَتِ الشَّرَائِعُ الإِلَهِيَّةُ عَلَى تَقْرِيرِهَا وَالعَمَلِ بِها"، حيث بينت أصول الفضائل وأنواع البر، وأصول المحرمات والكبائر.

فلقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ النفوس، وصيانة الأعراض، وحماية الحقوق، ومنها حق الإنسان في الحياة، فسنّت الشرائع والأحكام التي تكفل ذلك، إذ حرمت إزهاق الأرواح وسفك الدماء دون وجه حق؛ قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ) (الإسراء 33).  فكان للشريعة الإسلامية الغراء فضل السبق على كافة المواثيق الدولية في تناولها لحقوق الإنسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وأن ما جاءت به المواثيق ما هو إلا ترديد لشيء قليل مما تضمنته الشريعة الإسلامية.

فمن عظيم اهتمام الإسلام بحق الحياة: أن نهى عن الاعتداء على هذا الحق حتى لو كان من الإنسان نفسه على نفسه؛ حيث إن الإنسان لم يخلق نفسه ولا عضوا من أعضائه ولا خلية من خلاياه، وإنما هي وديعة وأمانة، فلا يجوز للإنسان أن يفرط في هذه الوديعة، ولا أن يضيع هذه الأمانة، وقد قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) (النساء 29- 30)، وقال تعالى: (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (البقرة 195)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي اللهُ عنه)، عَنِ النَّبِيِّ (صلى اللهُ عليه وسلم) قَالَ: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا"، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (صلى اللهُ عليه وسلم): "الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ".

ومن عظيم اهتمام الإسلام بحق الحياة أن شرع القصاص؛ ففيه الحياة، قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة 179)، قال ابن كثير، في التفسير: "وفي شرع القصاص لكم -وهو قتل القاتل- حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المهج وصونها؛ لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس. وفي الكتب المتقدمة: القتل أنفى للقتل".

ومع ذلك وحيث إننا نعيش زمانا قد تلاطمت فيه أمواج الفتن التي تحير فيها أصحاب العقول والفِطَن، إلا أن سفك الدماء، هذا الذي نهت وحذرت منه جميع الشرائع السماوية، تراه يكثر في آخر الزمان، كما قال رسول الله (صلى اللهُ عليه وسلم) "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ الْقَتْلُ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ " (رواه مسلم).

ولجرم هذا الفعل وشدته وسوء قبحه؛ نري أن القرآن الكريم قد اهتم بذكر أول جريمة قتل حدثت علي ظهر الأرض؛ عندما قتل قابيل هابيل؛ قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة 27). ولم يكن جزاء قابيل القاتل هو الحسرة والندامة والحيرة والقلق النفسي في حياته، والنار في آخرته فحسب!! بل ما من جريمة قتل تحدث على ظهر الأرض إلي يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا كان علي ابن آدم نصيب منها، لأنه أول من سن القتل علي ظهر الأرض فعن عبد الله (رضي الله عنه) قال أن النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) قال: " لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إلَّا كانَ علَى ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِن دَمِها، لأنَّهُ كانَ أوَّلَ مَن سَنَّ القَتْلَ" (رواه البخاري ومسلم)

بل لعظم حرمة الدماء وقف النبي (صلى اللهُ عليه وسلم) في خطبة الوداع، والتي تعد أعظم إعلان عالمي لحقوق الإنسان، ترى ماذا قال؟ عن أَبِي بَكْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَوْمَ النَّحْرِ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟"، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟"، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ "أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟"، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ "أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟" قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: "أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟" قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: "فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟"، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ"(البخاري ومسلم).

والناظر في القرآن الكريم يرى كيف أن الإسلام عد النفوس كلها واحدة، فكان قتل واحدة بغير حق، كقتل الناس جميعاً، وإحياء واحدة كإحياء الناس جميعاً، حيث قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (المائدة: 32)، قال ابن عباس: المعنى: "من قتل نفساً واحدة، وانتهك حرمتها، فهو مثل من قتل الناس جميعاً، ومن ترك قتل نفس واحدة، وصان حرمتها، واستحياها، خوفاً من الله، فهو كمن أحيا الناس جميعاً" (الجامع لأحكام القرآن). ومن ذلك عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، يَذْكُرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أنه قَالَ: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ" (رواه الترمذي). ويقول النبي (صل اللهُ عليه وسلم): " قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا".

وإذا كان الإسلام قد حفظ حق الحياة وحرم الايذاء عبثا بدون وجه حق حتى في حق الحيوان فقال صَلى الله عليه وسلم "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا ، وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا ، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ" ، فكيف يتجرأ عليه سفيه عقل أو مريض قلب في حق إنسان.

لقد جعل الإسلام التعدي على حياة الإنسان من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم والذنوب التي تورد صاحبها المهالك في الدنيا والآخرة، إذ يقول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): "اجتَنِبوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ. قيل: يا رَسولَ اللهِ، وما هُنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفسِ التي حرَّم اللهُ إلَّا بالحَقِّ، وأكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتوَلِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ"، ويقول ابن عمر (رضي الله عنهما): "إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ" (رواه البخاري).

فالاعتداء على هذا الحق جرم شنيع، وتصرف مريع وسلوك جد فظيع، قرنه الحق (سبحانه وتعالى) بالشرك لخبث هذا الفعل وبيان مدى حرمته، فذكر لنا القرآن الكريم أن من صفات عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (الفرقان 68)، ويقول النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): " كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا الرَّجُلُ يَمُوتُ كَافِرًا، أَوِ الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا " (رواه أحمد).

ولك أن تتدبر معي قول الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء 93)، فإنك لن تجد مثل هذا الوعيد في أي جرم أو ذنب؛ ومن ذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): " لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" (رواه البخاري).

إن الدماء لمكانتها كانت هي أول ما يقضي فيه بين العباد، فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلمَ): "أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ" يجيء المقتول والقاتل في يده ليقتص الله (عز وجل) منه؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: "يَجِيءُ المَقْتُولُ بِالقَاتِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ العَرْشِ " قَالَ: فَذَكَرُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ، التَّوْبَةَ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) (النساء 93)، قَالَ: "مَا نُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَلَا بُدِّلَتْ، وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ" (رواه الترمذي). وفي مسند أحمد : أن رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلَم) يَقُولُ: "ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً مَتَعَمِّداً يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذاً قَاتِلَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِيَسَارِهِ وَآخِذاً رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ تَشْخُبُ أَوْدَاجُهُ دَماً فِي قُبُلِ الْعَرْشِ يَقُولُ ياَ رَبِّ سَلْ عَبْدَكَ فِيمَ قَتَلَنِي".

نسأل الله العلي العظيم أن يحفظ مصر من كل مكروه وسوء
 

=== كتبه ===
محمد حســــــــــن داود
إمام وخطيب ومـــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 

google-playkhamsatmostaqltradent