recent
آخر المشاركات

خطبة بعنــــوان: نداءات القرآن الكريم للمؤمنين - للشيخ / محمد حســــن داود (9 جمادى الآخرة 1445هـ - 22 ديسمبر 2023م)

 

خطبة بعنــــوان:
نداءات القرآن الكريم للمؤمنين
للشيخ / محمد حســــن داود
(9 جمادى الآخرة 1445هـ - 22 ديسمبر 2023م)


العناصــــــر:      مقدمة
- الإيمان، أركانه ومكانته وفضله.
- صور ونماذج
من نداءات القرآن الكريم للمؤمنين.
- الاستجابة للنداءات، ومكانتها وأثرها على العبد.
- دعوة إلى الاستجابة لله  (سبحانه وتعالى) ولرسوله (صلى الله عليه وسلمَ).

الموضـــــوع: الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال 24)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: " كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟، قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى (رواه البخاري)". اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد

فإن الإيمان بالله (عز وجل) نعمة لا تدانيها نعمة ومنة ليس كمثلها منة، قال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ) (الحجرات: 17) فهو الطريق الموصل إلى الله (سبحانه وتعالى)، وهو سكينة النفس، وهداية القلب، هو منار السالكين، وأمل الصالحين، هو بشرى المتقين، ومنحة الصادقين، ودليل العارفين.

وللإيمان أركان، ذكرها النبي (صَلى الله عليه وسلم)، ومنها يظهر لنا معنى الإسلام والإيمان والإحسان، فعن عُمرَ بنِ الخطاب (رضي الله عنه) قال: بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله (صَلى الله عليه وسلم) ذَاتَ يَومٍ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لَا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبي (صلى الله عليه وسلمَ) فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ، وَقالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلى الله عليه وسلم): "الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"، قَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ! قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ" (رواه مسلم).

إن الإيمان هو سر الحياة الطيبة والاطمئنان، فقد قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل 97)، كما أنه سر الفوز بالجنة؛ قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ) (التوبة72).

وإن شجرة الإيمان إذا ثبتت وقويت أصولها في القلب كثرت فروعها الطيبة، وزهت أغصانها الزاكية، فأثمرت سلوكا حسنا، وأخلاقا كريمة، وعادت على صاحبها بكل خير في الدنيا والآخرة؛ وقد قال تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(البقرة 25)، وحتى تثبت هذه الشجرة وتقوى وتثمر يجب على العبد أن يمتثل طاعة الله (عز وجل) وأن يجيب نداء القرآن الكريم، فمن ينظر القرآن الكريم يجد نداء الله تعالى لعباده المؤمنين في تسعين موضعا، وكل نداء من الله (عز وجل) لعبده المؤمن إما لأمر تتحقق به سعادته في الدنيا والآخرة، أو لنهي عن ضر يشقيه في دنياه ويفسد عليه آخراه؛ ولقد قال ابن مسعود (رضي الله عنه): " إذا سمعتَ اللهَ يقولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأرعِ لهَا سمعَكَ، فإنَّه خيرٌ تُؤمرُ بهِ، أو شرٌ تُنهَى عنه" (رواه ابن أبي حاتم في تفسيره).

فنداءات القرآن الكريم والتي بدأت من سورة البقرة وانتهت بسورة التحريم جاءت بصيغة أوامر ونواهي، والشريعة الغراء جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد من خلال تلك الأوامر والنواهي، وكل ذلك فيه مصلحة العباد، وأنت تلمس ذلك في نداءات المؤمنين في القرآن الكريم:

- ففي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسٞ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدٖۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ)(الحشر: 18)، دعوة إلى التقوى التي هي باب الخيرات والبركات والفوز بالجنة، فقد قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (القمر 54 -55).

وفي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة: 119) دعوة إلى الصدق، فمن تخلق به فقد تحلى بكل فضيلة، وتخلص من كل رذيلة، فهو سيد الأخلاق، فيه شرف القدر، وعلو المنزلة، وحسن السيرة، ونقاء السريرة، فلا تعلو لأحد مكانة، ولا يحرز قبولا في قلوب الناس إلا أن يكون صادقا.

- وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (الأحزاب: 42)، دعوة إلى ذكر الله، فهو من أزكى الأعمال، وأعظم العبادات، فيه شفاء للأسقام، ودواء للآلام، يستدفع الذاكرون به الآفات، ويستكشفون به الكربات.

- وفي قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (البقرة: 267)، دعوة إلى الإنفاق، وفي الحديث: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"

- وفي قوله تعالى: (‌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) (الأنفال: 27) وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة: 1) دعوة إلى حفظ الأمانات والعهود، حيث إن الامانة والوفاء بالعهد من أخص الأخلاق والفضائل التي تحفظ بها الواجبات، وتستقيم بها موازين الحياة وفي الحديث "لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ " (رواه أحمد).

- وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ) (البقرة: 172)، وقوله سبحانه: (‌يَٰٓأَيُّهَا ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا)(النساء: 29)، دعوة إلى تحري أكل الحلال ونبذ الحرام، ففي الحديث: "لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ" (رواه الترمذي).

- وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ) (النور: 21) تحذير من الشيطان، ومن هذا كان الأمر بمخالفته، والاستعاذة بالله منه، ومن مكره، ووسواسه، قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

- وفي قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6)، تحذير من نقل الشائعات والأراجيف، إنما يرد الأمر إلى أهله، فهم به أعلم، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء: 83).

- وفي قوله تعالى: (‌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ) (الحجرات: ١١) نهي عن السخرية من الناس، وقد قال النبي (صَلى الله عليه وسلم): "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

- وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ٱجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ ) (الحجرات: 12) نهي عن سوء الظن بالغير، كما أن فيها حث على اجتناب الغيبة: وهي أن تذكر في أخيك ما يكره.

- وفي قوله تعالى: (‌ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا)( الحديد 8)، وقوله تعالى: ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (النور31) دعوة إلى التوبة الصادقة؛ فما أجمل أن يداوم العبد على التوبة : ففيها الفلاح في الدنيا والآخرة، وها هو إمام التائبين وسيد المستغفرين (صَلى الله عليه وسلم) يقول كما في صحيح مسلم "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّة".

- وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال 24)، دعوة إلى الاستجابة إلى الله ورسوله، فمن استجاب لهذه النداءات، وأمر الله ورسوله بالطاعات، وانتهى عن الذنوب والسيئات، فقد انشرح صدره، وطابت نفسه، وفاز في دنياه وآخراه، فقد قال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر17، 18)، وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَرَجَ يَوْمًا فَاسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَقَالَ لَهُ "كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟" قَالَ أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)" انْظُرْ مَا تَقُولُ، فَإِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ " قَالَ: فَقَالَ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لِيَلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ كَيْفَ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ كَيْفَ يَتَعَادَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) " أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ، مَرَّتَيْنِ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ" (شعب الإيمان للبيهقي).

فالمؤمن يستجيب لله (عز وجل) ولرسوله (صلى اللُه عليه وسلم) في كل أمر أو نهي، فقد قال عز وجل: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ) (الشورى 26)، وقال سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (الأحزاب: 36)، ورحم الله الإمام الشافعي، إذ يقول:

تَعصِي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ *** هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّــــكَ صادِقًا لَأَطَعتَهُ *** إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ

إن الاستجابة لله ولرسوله هي الحياة الحقيقية، الحياة الطيبة، الحياة بمعانها الأسمى والأرقى: فقد قال تعالى (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال 24)، وقال سبحانه (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) (طه 123)، وهي باب الخيرات وإجابة الدعوات: فقد قال الله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة 186). وطريق إلى مغفرة الذنوب والسيئات، فقد قال تعالى، على لسان الجنِّ: (أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الأحقاف31) ونجاة في الدنيا، ونجاة في الآخرة من هول يوم القيامة: قال تعالى: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) (الشور:47)، وطريق الفلاح في الدنيا والآخرة : قال تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا  وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور51 ) وباب الرفعة في الدرجات والفوز بالجنات، فقد قال تعالى: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (الرعد18)، وقال جل وعلا (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) (النساء69) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ) " كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى".

فاللهم اجعلنا من أهل الاستجابة، وارزقنا بها السعادة في الدنيا والآخرة
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء

=== كتبه ===
محمد حســــــــــــن داود
إمام وخطيب ومــــــــــدرس
باحث دكتوراه في الفقه المقارن

 لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر      -----      اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة  word   رابط مباشر (نسخة أخرى) اضغط هنا 

لتحميــل الخطبة     pdf   رابط مباشر     -----      اضغط هنا 


 


google-playkhamsatmostaqltradent